كنت قد تلقيت مكالمة هاتفية في ال11 من مساء الثلاثاء الماضي من الصديق العزيز محمد علي الدهبلي ولم تدم مكالمة الدهبلي أكثر من ثوان معدودات،حيث نقل جهاز هاتفه السيار للدكتور عبدالملك محمد علي بانافع بعد أن عرفني بصفته في مؤتمر الحوار الرياضي الأول الذي ستحتضنه مدينة تعز في الرابع من الشهر الجاري والصفة هي رئيس اللجنة العلمية في المؤتمر. واستمرت تلكم المكالمة على مدى 33دقيقة أحسست خلالها أن دكتورنا بانافع يقرأ من كتاب وليس أي كتاب يتحدث عن عيون العلم والأدب وكان يتحدث بلغة متفائلة عن المؤتمر وعن المخرجات التي قال عنها إنها ستلبي كل الطموحات على مستوى الوطن الحبيب وكان يسرد مفرداته الرشيقة والمفعمة بكل أصول الأدب والبلاغة بطريقة رائعة وغير مملة بتفاؤل جم وبعد أخذ ورد معه انتقلنا إلى الشأن الإعلامي الذي كان يعوّل عليه كثيراً في مواكبة فعاليات المؤتمر أوجزتها في تصريح ضمن خبر نشر في عدد الخميس 28مارس في صفحة الرياضة رقم 14 وجاء فيه مايلي: أوضح دكتورنا بانافع أن اللجان الخاصة بالمؤتمر انتهت من وضع اللمسات الأخيرة وعن المشاركين والمحاور الأساسية في المؤتمر أضاف بانافع قائلاً: إن أوراق العمل وعددها 25ورقة إضافة إلى 35بحثاً باتت جميعها ملبية لشروط ومواصفات الانعقاد وجميعها تتناول المحاور الأساسية،إضافة إلى بعض البحوث العربية لمشاركين يمثلون(مصر – الجزائر – العراق- الأردن – الإمارات – السعودية)،إضافة إلى مشاركة السودان والتي يعوّل عليها المؤتمرون كثيراً في رياضة ألعاب القوى والاستفادة من التجربة السودانية وأضاف بانافع أن المشاركات العربية ستوزع على ثلاثة أقسام وفق الرؤى والاستراتيجيات الخاصة بالمؤتمر،وكذا التجارب الرياضية لكل مجموعة ولكل دولة. وأشار بانافع في سياق حديثه ل«الجمهورية» أنه قد تم إشراك بعض الأندية النموذجية مثل نادي الصقر نظراً لنموذجية المنشأة الرياضية التي يتمتع بها الصقر وللإنجازات الرياضية الكبيرة التي أحرزت في أكثر من مسابقة،إضافة إلى تجربة الدمج الناجحة التي أسفرت عن ميلاد نادي العروبة في أمانة العاصمة صنعاء وقال دكتور بانافع أن المؤتمر لم يغفل تجارب بعض الأندية الريفية ونموذجيتها مثل الحسيني من لحج ورخمة من ذمار إضافة إلى الشروق من تعز واختتم دكتورنا عبدالملك بانافع حديثه ل«الجمهورية» بالإشادة بالدور الكبير والرائع الذي يضطلع به الأستاذ شوقي أحمد هائل سعيد محافظ تعز في سبيل تهيئة المناخات الملائمة لإنجاح المؤتمر. بانافع ضيفاً للحلقة ألف في إذاعة تعز - وبعد انتهاء تلكم المكالمة الحميمية بيني وبين الدكتور القدير عبدالملك محمد علي بانافع تم الاتفاق على أن تتواصل مواكبتي الإعلامية لأحداث المؤتمر عبر الكلمة المقروءة والمسموعة على حد سواء،فكان الاتفاق أن يكون الدكتور بانافع ضيفاً على برنامجي الإذاعي(صدى الملاعب) في إذاعة تعز الساعة 2.45 ظهر السبت وذلك عبر هاتف منزله الثابت في مدينة عدن فتواصلت معه ظهيرة الجمعة عند الحادية عشرة ظهراً للتأكيد على الموعد المتفق عليه إذاعياً فقيل لي بأنه ذهب لصلاة الجمعة وقد سبقت تلك المكالمة مكالمة مماثلة مساءً الخميس حيث كان يحتفي بزفاف ابنته دمثة الأخلاق وخريجة الحاسوب بكالوريوس الشابة سارة التي تحتل المرتبة الثانية بعد أخيها محمد خريج هندسة..أسرة بانافع سليلة الحسب والنسب لم تكن تدرك ما يخبئ لها القدر بعد تلكم الأفراح الغامرة التي شارك فيها لفيف من الأصدقاء والزملاء في السلك الأكاديمي وفي الجانبين الأسري والرياضي. بانافع في ذمة الله وبينما كنت أتابع اللقاء الكروي بين صقر تعز وضيفه وحدة عدن على ملعب الصقر في بيرباشا في تعز رن هاتفي السيار وإذا بدكتورنا القدير عبدالملك بانافع يشع في شاشة الهاتف بنبرته الدافئة والحنونة وبأخلاقه الرفيعة استهل حديثه بالاعتذار،حيث لم يبلغ بمكالمتي له إلا في وقت متأخر من نهار الجمعة وسوف أعود لتفاصيل هذه المكالمة في موضوع آخر ..هذا إن كان في العمر بقية. عموماً اتفقت معه في نهاية تلك المكالمة الموجزة أن يكون لنا تواصل في مساء نفس اليوم ولم نكن ندرك معاً أن تلك المكالمة التي مازالت ترن في أذني حتى اللحظة سوف تكون الأخيرة حيث تواصلت مع رقم منزله مساء الجمعة لترد عليّ إحدى قريباته قلت لها السلام عليكم ورحمة الله اعطيني الدكتور بانافع فجاءني ردها الصاعق:«الدكتور بين يدي الله»..قلت لها هل هو نائم أم يؤدي الصلاة قالت الدكتور توفي وكان ردها مفعم بمشيئة الله وقدره،مما جعلني أسرد بعض عبارات النعي والعزاء وهكذا غيب الموت تلكم القامة الكبيرة والعملاقة في حياتنا الدكتور بانافع ،حيث لايعد خسارة فقط على أسرته وأهله ومحبيه ولاخسارة على محافظة عدن وصرحها العلمي جامعة عدن وكلية التربية الرياضية كما أن فقدانه ورحيله لم يكن خسارة على محافظة شبوه وعلى منطقة يشبم التي شهدت ميلاده في العام 56م..بل هو خسارة كبيرة على الوطن بأكمله فالدكتور عبدالملك بانافع كان يحمل عديد المشروعات والاستراتيجيات العلمية والأكاديمية الكفيلة بتطوير وإنعاش العديد من المناشط العلمية الرياضية وآخرها تلكم الأفكار التي كان يعدها لإنجاح المؤتمر الرياضي الأول في تعز باعتباره أحد المشاركين الفاعلين فيه،لكن القدر شاء إلا أن يكون الراحل عبدالملك بانافع إلى جوار ربه في أجمل أيام الإسلام والمسلمين في الجمعة المباركة وبقدر مافُجع الجميع برحيله فإننا نتمنى من أعماق القلب أن لاتنساه كل الأطر الرياضية والأكاديمية وكذا القائمون على مؤتمر تعز الرياضي وأن لاينسوا بصماته ومجهوداته في الإعداد والتحضير لفعاليات المؤتمر،كما أننا نسال الله أن يلهم كل محبيه الصبر والسلوان وفي مقدمة الجميع شريكة حياته وابنته سارة وباقي اخوانهم هشام صاحب المستوى الثاني في العلوم الإدارية ومعاذ المتخرج حديثاً من الثانوية العامة ووليد صف تاسع وآخر العنقود الحبوب أحمد ثالث ابتدائي. ختاماً:ياكل محبي دكتورنا عبدالملك بانافع..أنتم اليوم مطالبون ببذل كل ماتستطيعون بذله في سبيل إخراج أسرة الراحل من أحزانها وأن تقفوا خلف أولاده كأفضل سند في الحياة حتى يصبح كل واحد منهم امتداداً لأبيه بعلمه وثقافته وسلوكه ووطنيته..تغمد الله فقيدنا الراحل بواسع الرحمة والمغفرة(إنالله وإناإليه راجعون).