قضايا كثيرة اليوم تطفو على سطح الحوار وتسيطر على المشهد برمته نتيجة للتركة المثقلة التي خلفتها سنوات طويلة من الاستبداد والتهميش والظلم, جعلت الكثير يصرف اهتمامه عن طرح قضايا منها كيفية بناء دولة المؤسسات والقانون تحقيقاً لأهداف ثورة الشباب السلمية, التي عبرت عنها الثورة من نشدان التحول وبناء الدولة المدنية وفق آليات الحكم الرشيد, فكيف مثل هذه القضايا صارت هامشاً مع قانون العدالة الانتقالية, الذي من المفترض أن تكون له الأولوية, لا أن يجلس قتلة الثوار في طاولة حوار, المؤمل منها خروج الوطن إلى آفاق رحبة من العيش الكريم والمواطنة المتساوية, بدلاً عن جلوسهم في مكانهم الطبيعي وهو السجن, فنراهم واقفين يقرأون الفاتحة على من قتلوهم في الجلسة الافتتاحية وهنا تكمن المفارقة.. وفي بدايات المؤتمر التي بدت للبعض غير واضحة وغير مبشرة لآخرين لسيطرة الارتباك وتبادل الاتهامات وضبابية المشهد وغياب الرؤية الواضحة لعديد من القضايا المطروحة, ومنها مدى استيعاب المتحاورين لأهداف ثورة ضحى من أجلها الشباب الثائر, والذي صادف انعقاد المؤتمر يوماً لأن يمحى من ذاكرة اليمنيين وأرشيف ثورتهم الفبرايرية, وهو يوم الكرامة الذي استشهد فيه أكثر من 50 شهيداً وجرح ما لا يقل عن 150 آخرين.. كل ذلك أوجد انطباعاً بشكل أو بآخر للمتابع اليمني, الذي يرقب ما يجري بعين الأمل والترقب والخوف أحياناً وعدم تمني الفشل أو استبعاده لما يفضي له هذا المؤتمر من إيجاد الحلول للقضايا المطروحة, والتي يجب أن تصب في صالح الشعب اليمني لا شيء غيره, هذا ما أردنا التفتيش عنه في تعليقات من استطلعنا رأيهم من أكاديميين ومثقفين.. بوادر أمل وكانت البداية مع الدكتور عزام النهاري من جامعة إب, والذي أفصح عن أمله وتفاؤله بالحوار من خلال قراءته الأولية, التي اشترط لها حضور الوطنية والإخلاص من أجل العمل وفق تغليب المصلحة العليا للوطن واستطرد قائلاً: لا شك أن هناك بوادر أمل كثيرة في هذا المؤتمر رغم جسامة المشاكل التي نرزح تحت وطأتها.. فما حدث من استقالات واحتجاجات أمر طبيعي, ولا أعتقد أن عملية الحوار ستتأثر بها إذا توفرت الوطنية والإخلاص في المتحاورين. وواضح الدكتور النهاري عن أن مشاكل اليمن برمتها باستثناء القضية الجنوبية ومشكلة صعدة حلها يكمن في قرارات وليس في حوارات. وأن الشعب اليمني هو شعب متعايش ومتجانس, وما أوصلنا إلى هذه الحال هي القوى التقليدية والمتحكمة وإن لم تغير من نظرتها إلى اليمن من غنيمة إلى وطن للجميع فأعتقد أن المشكلة ستستمر وربما تتفاقم, ولكن في هذه المرحلة يجب أن نتفاءل وأن ندعو الله أن يعيننا ويهدينا إلى الطريق الأمثل الموصل إلى يمن جديد وآمن.. سفينة النجاة خالد المقطري من مجلس شباب الثورة في تعز, والذي وصف الحوار بأنه الرافعة الجديدة لمستقبل اليمن, وإن بدا له حزيناً وكئيباً وولد مشوهاً كما يرى ويقول: لم يخطر ببالي يوماً بأن الحوار الوطني الذي انتظرناه طويلاً بأنه سوف يصل إلينا منهك القوى حزيناً ومشوه الملامح ، إن هذا الحوار الذي عولنا عليه كثيراً بأنه سوف يكون بمثابة سفينة النجاة التي نعبر بها نحو التغيير السلمي نحو دولة العدالة والمساواة دولة لا تهميش فيها ولا إقصاء.. لكن وللأسف وصل إلينا هذا الحوار وهو يستغيث بنا مما اعتراه من تشوهات, فقد حمل لنا الحوار الإقصاء والتهميش بأسوأ صورة ممكنة، إن أي حوار لا يقوم على مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص للجميع بدون تهميش ولا إقصاء أنما هو حوار يحمل في طياته عوامل الفشل المسبق, وأي حوار يشارك فيه القتلة وهم ما يزالون يقبضون بأيدهم على آلة عسكرية يلوحون بها في وجه محاوريهم، بل ويستقوون بها أكثر مما يستقوون بقيم الحوار القائم على العدل والإنصاف وجبر الضرر.. تقاسم وعن اختيار ممثلي الحوار من الثوار وقيادتهم التي مازالت تتعامل بعقلية تقليدية يقول المقطري: لقد جاء الحوار الوطني ليضع الكثير من قيادات الثورة أمام الامتحان الأول, لقد كان امتحاناً لمدى إخلاصهم وولائهم للثورة وللوطن، ولكن الكثير منهم وللأسف ما زالت الثورة لم تستطع اجتثاث بقايا فكر المخلوع من رؤوسهم, فقد حولوا الحوار إلى حوار عائلي وتراضوا بتقاسم الحوار وكأنه غنيمة وفيد يوزعونه بينهم بالمحاصة والتقاسم.. ويختم قوله متفائلاً: بالرغم من هذه الاختلالات التي أصابت الحوار إلا أن الفرصة لم تزل سانحة للمخلصين في هذا الوطن, وفي مقدمتهم الرئيس هادي بأن يصححوا الاختلالات ويزيلوا المطبات, التي قد تعيق الحوار الوطني عن تحقيق أهدافه ونخسر الحوار كمنتج تغيير سلمي لا قدر الله.. أهمية الحوار من جانبه غالب عبدالله من الحديدة, والذي بدأ حديثه عن الحوار كقيمة حضارية متأصلة ومتجذرة في الإنسان اليمني, ولكن غيبها الحاكم في الفترات الأخيرة, فلا بد أن ترجع اليوم لتغدو صفة وسمة متلازمة لليمنيين المعروفين بالحكمة وتغليب المصلحة على كل شيء.. واستطرد قائلاً: على رغم كل الجراح والمساوئ والآلام التي نحسها نؤكد أهمية الحوار الوطني في صنع التغيير والخروج بالبلد إلى بداية طريق الاستقرار.. وهو الحوار الذي لم يكن ليقام لولا تضحيات وصمود شباب الثورة الذين يتمنون اليوم, بل ويسعون لأن تكون مخرجات الحوار الأولى هي تحقيق أهداف ثورتهم الشبابية السلمية، ومبادئ الدولة المدنية الحديثة، وحل القضية الجنوبية كمدخل لحل وطني يرتضيه الجميع. فالجميع ربما يدعم قضية الحوار من حيث المبدأ، باعتبار أنها تمثل مطلباً يجب أن نسعى إليه ونحرص عليه، وهي فرصة أتيحت لليمنيين فيجب أن تستثمر لصالح الوطن أرضاً وإنساناً والعمل على تفويتها عن تجار الحروب وصانعي الأزمات.. خير آمن إبراهيم الغزالي ناشط وصحفي يرى بأنه كان من الإمكان استبعاد صناع الأزمات والفاسدين من الحوار, ففاقد الشيء لا يعطيه على حد تعبيره ويرى أيضاً بأن الحوار الوطني خير آمن للعبور السليم والمستقر, لكن لا أظن أن الشخصيات المتحاورة هي التي ستقود البلد وستخرجه من نفقه المظلم.. فالكل شاهد معي البعض ممن كانوا في الصف الأول من الحاضرين في الجلسة الافتتاحية, فهناك شخصيات هي التي سببت الصراع, وأدخلت البلد في دوامة الفساد, وهي الآن من تحاور وهناك من تلطخت أيديهم بالدماء وقتل شباب الثورة فأي حوار مع هؤلاء, للأسف كنت أتمنى أن يكون الحوار مع شخصيات وطنية نزيهة معروفة ومقبولة, شخصيات تعرف ما معنى مستقبل اليمن؟ وما يعني الحوار الوطني وما حضارة سبأ؟ شخصيات يتم الاتفاق عليها من قبل جميع الأطراف, ويتم القبول بالحل الجذري للقضية الجنوبية وقضية صعدة وإشراك الحراكيين وتقبلهم وحل إشكاليات الجنوب وإرجاع المظالم حتى يحس شعبنا في الجنوب أن الأمور تغيرت وأن الثروة ملك الكل.. أخطاء مميتة وأوضح هشام أحمد عبدالرحيم عن تشككه وعدم قبوله إلى اللحظة أو إدراكه لما هو حاصل اليوم فإنه لايمكن إعطاء تقييم عادل لمجريات انطلاقة الحوار إلا أن هناك أخطاء مميتة قد تدفعه إلى هاوية الفشل كنا متفائلين بأن الحوار بإمكانه رسم مستقبل البلد لكن سرعة ما وجهه إلينا صفعة مشاركة بعض الأسماء وهي متهمة في جرائم قتل لأبناء هذا الشعب في الفترة السابقة، وهذا ما دفع إلى ظهور كيانات مناهضة للحوار بهذه الطريقة كما تسبب أيضا في انسحاب بعض الممثلين واحتمال ةزايد عدد المنسحبين وهذا ماسيؤثر على مجريات ومسار الحوار فأتمنى من رئيس الجمهورية إدراك الموقف و سرعة معالجة هذه الاختلالات الحاصلة وردم فجوة الخلاف. فرصة سانحة وعن التمثيل المتواضع للشباب الثوري في الحوار يتحدث عبد الباسط علي النقيب بأن الفرصة ما زالت سانحة في يد الرئيس عبد ربه منصور هادي بأن يعمل على إيجاد التوازن بإلحاق شباب من الساحات المختلفة للمشاركة مع إمكانية استبدال من تلطخت أيديهم بالدماء الطاهرة.. ويقول: إن المؤمل من هذا الحوار بأن تكون مخرجاته عظيمة وملبية لتطلعات هذا الشعب الذي ينشد الخلاص والخروج من أزماته المتتابعة, لكي يؤسس دولة قادرة على مواجهة الأخطار والمصاعب في ظل استقطابات دولية ربما تهدف إلى تجزئة المجزأ وتفتيت المفتت, فالآمال معقودة للخروج بشكل وأنموذج لشكل الدولة القادم يحق لنا أن نفاخر به فيما بعد..