لم يكن يخطر ببال (أحمد) ابن الاثني عشر ربيعاً أن اليوم هو آخر أيامه وأنها المرة الأخيرة التي يلعب فيها مع أصدقائه، كما لم يخطر ببال أسرته أنه آخر يوم لهم على هذه الدنيا. عاد أحمد لمنزله الريفي المتواضع وفي يده قطعة معدنية كبيرة ذات شكل غريب كان قد عثر عليها في التلة المجاورة للقرية، ولم يدر بخلده أنه حمل إلى المنزل أداة الموت التي ستفتك به وأسرته، حينما انفجرت فصرعته ووالده ووالدته. أحلام التي فقدت والديها وأخاها الوحيد في لمحة بصر، صدمتها الفاجعة وهي تجد نفسها تخسر أغلى ما في حياتها دون ذنب أو مبرر، مازالت تتذكر فاجعة انفجار اللغم ذلك الجسم الغريب الذي كان من مخلفات الأزمة الأخيرة في اليمن، والذي وجده احمد في أرضية خالية وهو يلعب مع أصدقائه واحضره للبيت وهو لا يعلم أنه أحضر موته القادم من المجهول. حكاية ليست أكثر من نموذج لمئات القصص التي تدمي القلوب، وتجرح الأفئدة لفواجع خلفتها الألغام المنتشرة في العديد من المناطق اليمنية، من مخلفات الصراعات والحروب، آلاف فقدوا حياتهم، وأضعافهم فقدوا أطرافهم نتيجة أدوات الموت التي تتصيد أهالي الريف في مناطق الرعي، أو الحقول والمزارع بعد أن جرفتها مياه الأمطار و السيول أو حتى تركت بعشوائية في أماكن الصراعات. كل هذه المآسي تحدث دون أن تواجه مشكلة الألغام بما تستحقه من اهتمام ومن جهد حكومي وشعبي يوازي حجمها وما تخلفه من نتائج، وما تتركه من أضرار، الألغام تحصد الأرواح دون رحمة ومنظمات المجتمع اليمني تتصارع عند أقدام السياسة دون أي التفات لهذه المشكلة التي تتطلب تضافر كل الجهود والقدرات والإمكانات، لحشد الناس في مواجهة شاملة تزيل أدوات الموت من باطن الأرض اليمنية. إن قراءة سريعة لإحصاءات ما خلفته الألغام خلال السنوات القليلة المنصرمة من ضحايا تجعلنا في حاجة ماسة؛ لأن ندعو لتنظيم حملة وطنية شاملة لنزع الألغام، تتناغم فيها الجهود الوطنية مع القدرات والخبرات الدولية، حملة تكون المجتمعات المحلية عمادها الأساس، ومنظمات المجتمع المدني، تشمل جهوداً ميدانية وبرامج توعية وتثقيف، وبرامج معالجة وتأهيل للضحايا والجرحى والمعوقين. وهمسة أخيرة: ألا يستحق ضحايا الألغام من الجرحى والمعاقين بأن يعاملوا معاملة جرحى الثورة، وأن يحظوا بالاهتمام والرعاية!؟ خاصة وأن الغالبية من الضحايا هم من الأطفال الذين يحصدون ما يزرعه كبارنا، الذين يدفعون حياتهم ثمن برأتهم وقلة خبرتهم وحب استطلاعهم.