سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    وكالة دولية: الزنداني رفض إدانة كل عمل إجرامي قام به تنظيم القاعدة    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الألغام.. الموت المتربص بأجساد الأبرياء وأرواحهم
نشر في المصدر يوم 29 - 05 - 2013

لعل الحديث عن حقوق الإنسان في أغلب دول العالم الثالث، هو حديث مؤلم جداً، أو حديث عن فصول مآسٍ يومية، أشبه بالأعاصير المحلية التي تهدأ لتنبعث من جديد بشكل جنوني ومخيف، تحصد البشر أولاً، تم تدمر إمكانيات الحياة، والعنف دائماً أشبه بحركة موجات البحر، حيث تكون القادمات إلى الساحل أكثر من الموجات المتكسرة كموجات مرتدة أو عنف مضاد.

العنف سلوك إنساني يمارسه الفرد ضد فرد أفراد آخرين، لكن الأخطر من أنواع العنف، هو العنف المنظم الذي تمارسه جماعة منظمة أو غير منظمة ضد جماعات أخرى أو أفراد من المجتمع، بهدف إخضاع هذه الجماعات أو الأفراد لسيطرتها بغية تحقيق أهداف اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية تعطيها الهيمنة على هذه الجماعة. وهذا السلوك العنيف هو الذي أسس الدولة العصبية أو الإمارة السلطانية القائمة على أسس دينية، طائفية، أو مذهبية أو على أساس سلالي عرقي، أو وقومي، ولعل التطور الحديث حين يعُرف الدولة على أنها المحتكر الأكبر للعنف والمالكة لأدواته وتعيد تنظيم ممارسة العنف وفق نص مرجعي مجمع عليه، بهدف الحفاظ على المصالح العليا الجامعة لكافة الفئات، أنه العنف المقنن.

خلفية قانونية
كفلت الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها اليمن حق الإنسان في الحياة والأمن والسلامة الشخصية والجسدية
كفلت الاتفاقيات الدولية التي وقعت وصادقت عليها الجمهورية اليمنية حق الإنسان في الحياة وحقه في الأمن الشخصي والسلامة الشخصية والسلامة الجسدية، وكفل الدستور والقوانين اليمنية هذا الحق وأعطاه قداسة استناداً إلى القداسة التي أعطاها الإسلام للإنسان أياً كان دينه أو مذهبه أو جنسه أو أصله أو بلده.

فالمادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948م نصت على أن «لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمن على شخصه»، ولم يخف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية هذا الحق إذ نصت المادة (6) منه على أن «الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، وعلى القانون أن يحمي هذا الحق، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً» وبالتالي فإن الحق في الحياة مكفول لكل إنسان دولياً وهو مكفول شرعاً ودستوراً وقانوناً، ما لم يكن هذا الإنسان مرتكباً لجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الإبادة الجماعية، وبالتالي فإن النفس بالنفس والعين بالعين والجروح قصاص وتلك هي عدالة الإسلام الحنيف.

الحكومة والجماعات المسلحة لم تعط خرائط توضح أماكن زرع الألغام وهو ما أوقع -وما يزال- المئات من الضحايا
لكن ما يحدث في محافظة صعدة، وحجة، وأبين، والمناطق الوسطي وأرحب ونهم وبني جرموز وغيرها من المناطق اليمنية، سواء من قتل مباشر من قبل أشخاص ضد آخرين أو غير مباشر عبر زرع الألغام في كل هذه المناطق والتي يعود زراعة الألغام فيها إلى الحروب بين شطري اليمن سابقاً في سبعينات وثمانيات القرن الماضي أو بعضها زرع حديثاً كما هو حاصل في صعده وحجة وأبين وأرحب ونهم وبني جرموز بسبب الحرب التي خاضتها القوات الحكومية ضد جماعة الحوثي أو ضد القاعدة في أبين أو ضد قبائل أرحب ونهم وبين جرموز، وهو ما أضطر معه طرفا الصراع إلى زرع ألغام كي يعرقل توسع وتمدد الآخر حتى لا يقتحم عليه حصونه ومعاقله، وهنا سقط ولازال يسقط العشرات بل والمئات من الأبرياء خاصة وأن الحكومة أو الجماعات المسلحة لم تعط خرائط توضح فيها زرعها للألغام وهو ما أوقع المئات ولايزال يقع الكثير بين قتل وجريح ومعاق، وما أكثر من قتل أو بترت أحد رجليه أو كلتيهما أو فقد جزء من أعضاء جسده كاليد أو الاثنتين أو عينه أو عينيه أو غير ذلك من الأعضاء، وهم لا يدركون على ماذا يعاقبون خاصة الأطفال والنساء الذي يشكلون الغالبية في إعداد الذين يسقطون بسبب هذه الألغام، وهذا التصرف المشين والذي يشكل جريمة ضد الإنسانية جعل اليمن من أكثر بلدان العالم زراعة للألغام ومن أكثر بلدان العالم إعاقة بسبب هذه الألغام، خاصة أن كثيراً منها مزروعة في مناطق ريفية أو نائية وبالتالي يجهل الناس في هذه المناطق وجودها وكيفية التعامل معها، فضلاً عن عدم اهتمام الدولة بهذه المناطق وبالتالي يسقط الكثير من الفتيان والفتيات (خاصة رعاة الأغنام) ضحايا الألغام هو الموت الكامن والمتربص بأجساد الأبرياء وأرواحهم، على الرغم من التوعية المستمرة التي ينفذها المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام.

بات الموت المجاني يوزع على كثير من أبناء حجة بسبب الألغام التي زرعها جماعة الحوثي
صحيح أن الدستور اليمني قد التزم في مادته السادسة بالمواثيق الدولية والذي نص على «العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدولة العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها عامة» فإن هذا الالتزام لم يكن فاعلاً على الأرض إذ أن الدولة تخلت عن مهمتها الأساسية في حماية حق الإنسان في الحياة والعيش الكريم والأمن الشخصي والسلامة الجسدية، وبات الموت المجاني يوزع على كثير من أبناء حجة بسبب الألغام التي زرعها جماعة الحوثي - بحسب تقرير منظمة وثاق للتوجه المدني - أو بسبب الألغام التي زرعتها القوات الحكومية أثناء حربها على محافظة صعده، أو الألغام التي زرعها اللواء (63) التابع لما كان يعرف بالحرس الجمهوري في مناطق أرحب ونهم وبني جرموز أو بسبب الألغام التي زرعها طرفا النزاع في أبين (القوات الحكومية وتنظيم القاعدة) وهذه الألغام مضى على بعضها أكثر من ثمان سنوات وبعضها زرعت من عام أو عامين، لكن الألغام التي زرعت وفي المناطق الوسطى من الجمهورية اليمنية (ريمة- تعز- النادرة- وصاب وغيرها) زرعت منذ ما قبل أربعين عاماً من الآن حين كان اليمن يمنان وكانت تدور معارك وحروب بين شطري وكانت المناطق الحدودية بين الشطرين عادة ما تزرع بالآلاف من الألغام ولم يتم إزالتها حتى هذه اللحظة وهي لا تزال تحصد العشرات، بل المئات سنوياً.

زرعت ألغام في المناطق الوسطى لليمن قبل نحو أربعين عاماً ولم يتم تطهيرها حتى الآن وما تزال تحصد المئات سنوياً
وبالعودة إلى الدستور اليمني فقد نص في مادته السابعة والأربعين على أن «تكفل الدولة للمواطنين حريتهم الشخصية ونحافظ على كرامتهم وأمنهم ويحدد القانون الحالات التي تقيد فيه حرية المواطن..» ويحظر قانون الإجراءات الجزائية أنواع التعذيب، إذ أكد القانون في الباب الثاني المهام الأساسية على ما جاء في الدستور من شخصية المسؤولية الجزائية وكون المتهم بريئاً حتى يدان وحظر أنواع التعذيب..» ولعل الألغام جزء من التعذيب الجسدي والنفسي لمن يتعرضون له.

وتحظر المادة (50) من اتفاقية جنيف الأولى والمادة (51) من اتفاقية جنيف الثانية والمادة (130) الاتفاقية الثالثة، والمادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة جميع أعمال القتل المتعمدة ضد أشخاص محميين مدنيين وغيرهم، وتنص اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج الألغام المضادة للأفراد في مادتها الثانية ب«‌تتعهد كل دولة طرف بألا تقوم تحت أي ظرف ب:
أ. استعمال الألغام المضادة للأفراد.
‌ب. باستحداث أو إنتاج الألغام المضادة للأفراد أو حيازتها بأي طريقة أخرى، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها أو نقلها إلى أي مكان، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
تحظر اتفاقية جنيف التي صادقت عليها اليمن استعمال الألغام المضادة للأفراد أو حيازتها وتخزينها
‌ج. بمساعدة أو تشجيع أو حث أي كان، بأي طريقة، على القيام بأنشطة محظورة على دولة طرف بموجب هذه الاتفاقية.
‌د. تتعهد كل دولة طرف بأن تدمر جميع الألغام المضادة للأفراد أو تكفل تدميرها وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية، كما تنص المادة (5) من الاتفاقية على تدمير الألغام المضادة للأفراد في المناطق الملغومة.
1. تتعهد كل دولة طرف بتدمير أو ضمان تدمير كل الألغام المضادة للأفراد في المناطق الملغومة المشمولة بولايتها أو الخاضعة لسيطرتها، في أقرب وقت ممكن، على ألا تتعدى ذلك عشر سنوات من بدء إنفاذ الاتفاقية بالنسبة إلى تلك الدولة الطرف.
2. تبذل كل دولة طرف كل جهد لتحديد جميع المناطق المشمولة بولايتها أو الخاضعة لسيطرتها التي يعرف أو يشتبه في أنها مزروعة بالألغام المضادة للأفراد، وتقوم في أقرب وقت ممكن بضمان وضع علامات حول الحدود الخارجة لكل حقول الألغام المضادة للأفراد في المناطق الملغومة المشمولة بولايتها أو الخاضعة لسيطرتها، وضمان رصدها وحمايتها بسياج أو غيره من الوسائل، لكي تكفل فعلياً استبعاد المدنيين من دخولها، متمشياً، على الأقل مع المعايير المحددة في البروتوكول المتعلق بحظر أو تقييد استعمال الألغام والفخاخ المتفجرة والأجهزة الأخرى، بصيغته المعدلة في 21 أيار / مايو 1966م والمرفق باتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر.
3. إذا اعتقدت دولة طرف أنها لن تكون قادرة على تدمير أو ضمان تدمير كل الألغام المضادة للأفراد المشار إليها في الفقرة (1) في حدود تلك الفترة الزمنية، جاز لها الآن تطلب من اجتماع للدول الأطراف أو من مؤتمر استعراض تمديد الموعد الأخير المحدد لإتمام تدمير تلك الألغام المضادة للأفراد لفترة أقصاها عشر سنوات».

وإذا كان الدستور والقوانين اليمنية والاتفاقيات الدولية التي وقعت وصادقت عليها الجمهورية اليمنية تفرض على الدولة حماية المواطنين، فإنها لم تقم بواجبها في حماية المواطنين المدنيين الذين يتعرضون لأعمال القتل والتهجير القسري وعدم حمايتهم وحماية أمنهم واستقرارهم وحمايتهم من كل أعمال الانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون الأبرياء بسبب الألغام المنتشرة في كثير من محافظات ومديريات وقرى الجمهورية اليمنية.

الحق في الحياة
الحق في الحياة حق من حقوق الإنسان الأساسية التي لا يجوز المساس بها والتعرض لها مطلقاً وحماية هذا الحق لا يقتصر على المساس به من قبل الدولة وسلطاتها العامة، بل هو حق يتطلب ضمانة التزام الدولة بمنع حدوث الاعتداء من جانب الأفراد والهيئات والجماعات، ووضع القوانين التي تحقق هذه الحماية بصورة فعلية وتوقيع الجزاء على من يعتدي على هذا الحق بأي شكل من الأشكال.

سعت الشرعة الدولية إلى دفع الدول لإيجاد ضمانات كافية وفعلية لحقوق الإنسان عبر تلك الضمانات المتمثلة في الدستور والقوانين التي تكفل الحقوق
وقد سعت الشرعة الدولية إلى دفع الدول لإيجاد ضمانات كافية وفعلية لحقوق الإنسان عبر تلك الضمانات المتمثلة في الدستور والقوانين التي تكفل الحقوق بالنص عليها وحمايتها والعمل على عدم المساس بها بأي حال من الأحوال إلا في حالة الضرورة أو القصاص، إما أن يتوزع الموت المجاني على كثير من المواطنين من قبل جهات في الدولة أو من قبل جماعة أو أفراد دون أن تلقى العقاب ولا حتى استنكار من قبل الدولة، فهذا الضعف الذي أظهرته الدولة جعلت كثير من القوى والجماعات الخارجة عن الدولة وحتى الأفراد وبعض القبائل يتمادون في انتهاكاتهم تجاه الأبرياء بزرع الألغام في كثير من المناطق هو تعدي واضح على حق الإنسان في الحياة.

صحيح أن حق الإنسان في الحياة مكفول دستوراً وقانوناً، وإن اليمن وقعت وصادقت على الاتفاقيات الدولية، ولأن هذا الحق يُنتهك في وضح النهار، فضلاً عن تهجير الآلاف من المواطنين من الرجال والنساء والأطفال بسبب خوفهم على أنفسهم وأمنهم وحياتهم من القتل سواء القتل المباشر بالرصاص الحي أو القتل غير المباشر بزرع الألغام، وبالتالي فقد فضل هؤلاء النجاة بأرواحهم إلى مناطق آمنة.

الموت المتربص بأجساد الأبرياء وأرواحهم
تقرير: 37 شخصاً قتلوا بسبب الألغام التي زرعها مقاتلو الحوثي في مديريات بمحافظة حجة
في تقرير أصدرته مؤسسة وثاق للتوجه المدني في مارس 2013م عن ضحايا الألغام في محافظة حجة، قال التقرير أن (37) شخصاً قتلوا بسبب الألغام التي زرعها مقاتلو جماعة الحوثي في مديريات المحافظة (كشر، مستبأ والغارة) بعد اقتحام جماعة الحوثي هذه المديريات وأن (45) شخصاً بينهم أربعة أطفال أصيبوا بالألغام، لم يكن قدرهم أن يموتوا لكنهم أصيبوا إصابات بالغة وتعرض ستة أشخاص من هؤلاء لإعاقة دائمة بينهم طفلين إعاقتهم دائمة والبقية إعاقتهم جزئية وتسببت الألغام ببتر الرجلين والكفين والإصابة البالغة في العمود الفقري والوجه والعينين والبطن وأماكن متفرقة من الجسم، ولم يجد هؤلاء المصابون والجرحى والمعاقون من يهتم بعلاجهم، ويقوم على رعايتهم، لأن الدولة غائبة تماماً ليس في علاج الجرحى والمعاقين فحسب، بل في بسط سيطرتها على أراضي محافظة صعده وكثير من مديريات محافظة حجة.

ويضيف التقرير أن مثل هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي ترتكب بحق الرجال والأطفال والنساء على حدٍ سواء في مديرية كُشر ومستبأ لا شك أنها تنتهك حقهم في الحياة والأمان الشخصي والسلامة الجسدية وحقهم في العيش الكريم بحرية دون أي تدخل من أحد وبدون منغصات، وهذه الحقوق يفترض أن تحميها الدولة، لكنها للأسف غائبة تماماً من أن تحمي حقوق الإنسان والعمل على الحد من هذه الانتهاكات أو إنهائها تماماً لكي يتمكن الناس في هذه المديريات من العيش بأمان وأمن، وهنا من واجب الدولة العمل بشكل عاجل على نزع الألغام التي زرعها الحوثيون في قرى ومديريات محافظة حجة، بسبب الحرب التي شنها مقاتلو جماعة الحوثي على مديريات مستبأ وكشر والغارة في محافظة حجة، وهجر الكثير من المدنيين قسراً من منازلهم وقراهم، واتجه بعضهم إلى مناطق أخرى».

واستحدث مخيم يأوي حوالي (500) أسرة في المديريات الآمنة في نفس محافظة حجة، بحسب تقرير وثاق، ويعرض التقرير عديد قصص للضحايا كيف قضوا بسبب هذه الألغام بينهم أطفال، وحين طُلب بحسب «وثاق» من جماعة الحوثي خارطة زرع الألغام في مديريات محافظة حجة قالت الجماعة أن من لديه خارطة الألغام قتل في المعارك التي دارت بين جماعة الحوثي وأهالي محافظة حجة.

عضو بجماعة الحوثيين يقول إنهم لم يزرعوا ألغاماً في حجة ويتهم مناوئيهم بأنهم وراء زرع هذه الألغام
لكن في المقابل فإن جماعة الحوثي تنفي نفياً قاطعاً زراعتها لأي لغم في حجة، وفي مقابلة مع أحد أعضاء جماعة الحوثي -طلب عدم ذكر اسمه- قال انهم «لم يزرعوا أي لغم لا في حجة ولا في سواها وأن ما هو موجود من ألغام في بعض مناطق حجة بسبب الحروب الستة التي خاضتها الحكومة ضدنا منذ منتصف العام 2004م وحتى 2010م في ستة حروب ظالمة»، ويتهم الحكومة والموالين لها من القبائل التي هي على النقيض من فكر الجماعة، بأنها وراء زرع هذه الألغام، وأن القصص التي أوردتها إحدى المنظمات الناشئة ما هي إلا مفبركة -حد قوله- وأن ما نشرته في تقريرها ما هو إلا امتداد للحملة الظالمة على جماعة الحوثي والذي تبنته الحكومة ومعها القبائل الموالية لها وبعض الأحزاب السياسية، التي ما فتئت تشوه بسمعة جماعة الحوثي وتتهمها بالقتل، وهي تدافع عن نفسها بعد ستة حروب ظالمة شنتها الحكومة على صعده وزرعت الألغام فيها ودمرت المنازل والبيوت والمزارع وقضت على الحياة في صعده، وهم اليوم -والكلام له- يريدون أن يحملونا ما قاموا به من قتل في صعده وحجة، بل وحتى ما قامت به الحكومة في أبين -يقول ساخراً- ونحن لا نمتلك سوى سلاحنا الشخصي، لكننا أصحاب حق ودافعنا عن أنفسنا من الموت الذي كانت تمطره الطائرات والصواريخ والمدافع وكل أنواع الأسلحة التي استخدمت ضدنا وسقط منا المئات فضلاً عن الجرحى المعاقين والمهجرين بسبب هذه الحرب، وكذا سقط العشرات بين قتيل وجريح ومعاق بسبب الألغام التي زرعتها الحكومة في حربها ضدنا ولدينا العديد من الذين بُترت أرجلهم وأيديهم وأجزاء من أجسامهم بسبب الألغام لكن لم يسلط أحد الضوء على هذه الجرائم التي ارتُكبت بحقنا».

زرع اللواء 63 الذي كان يتبع ما عُرف بالحرس الجمهوري ألغاماً في مناطق جبلية شمال صنعاء ما خلف عشرات الضحايا من المدنيين
وفي مديريات أرحب ونهم وبني جرموز سقط ولازال يسقط عديد أشخاص بسبب زرع اللواء (63) التابع لما كان يسمى بالحرس الجمهوري المئات من الألغام في مديريات أرحب ونهم وبني جرموز وسقط ولايزال يقسط إلى اليوم المئات من الأبرياء من الأطفال والنساء، وعلى الرغم من انتهاء الحرب بين قبائل هذه المديريات والحرس الجمهوري (اللواء 63) بسبب الثورة الشبابية الشعبية السلمية 2011م وكل طرف يحاول اقتحام مقر الآخر، فالقبائل حاولت اقتحام معسكر اللواء (63) واللواء (63) يحاول اقتحام هذه المديريات لأنها وقفت مع الثورة الشعبية 2011م ومنع اللواء من اقتحام ساحة التغيير بالعاصمة صنعاء، على الرغم انتهاء هذه الحرب إلاًّ أن آثارها مازالت قائمة إلى اليوم ولاتزال مئات الألغام مزروعة في مديريات أرحب ونهم وبني جرموز - تبعد 50 كيلو متر عن العاصمة صنعاء- وتحصد العشرات من أبناء هذه المناطق، تقرير لمنظمة رقيب لحقوق الإنسان مايو 2013م قال أن أول ضحايا الألغام سقط في 26/9/2011م قتل ناجي عبدالله الأقرع (35) سنة جراء انفجار لغم فردي بالقرب من معسكر (63) حرس جمهوري سابقاً إثر الاشتباكات مع الحرس، وبترت القدم اليمنى لهلال فلاح معصار (31) عاماً ويعمل مدرساً وكليهما من أهالي منطقة نهم بمحافظة صنعاء، وفي 9/11/2011م وبينما كان واصل علي واصل (41) عاماً مزارع متوجهاً في قرية الغربي لزيارة أقاربه ثالث أيام عيد الأضحى وعلى متن سيارته عدد من أولاده انفجر لغم أرضي بالسيارة فأصيب واصل بشظايا أثرت على نظره، كما أُصيبت الطفلة صبرية واصل (9) سنوات بشظايا سببت لها إعاقة بصرية وسمعية، بحسب التقارير الطبية وأصيبت سمية واصل (16) سنة والطفل أحمد محمد واصل (8) سنوات بجروح شديدة في أنحاء متفرقة من جسمه، أما واصل فهو الآن يعاني من حالة نفسه شديدة، أما أبنه عبدالحميد واصل (7) سنوات فقد قتل على الفور، وبحسب تقرير الطبيب الشرعي المكلف من النيابة يقول التقرير شاهدنا على الجثة من الآثار الإصابة التالية، جروح نارية حيوية ناتجة عن شظايا مواد متفجرة الأحجام والأشكال منتشرة في عموم جثة المجني عليه في مناطق الرأس والعنق والصدر والبطن والأطراف العلوية والسفلية وبشكل أكثر كثافة في المناطق الأمامية من الجسم خاصة الفك السفلي والساقين، ويضيف التقرير في بند الرأي الطبي الشرعي، أن الجروح الواردة أعلاه عبارة عن جروح نارية حيوية ناتجة عن شظايا ومواد متفجرة متعددة الأحجام والأشكال ومنتشرة في عموم جثة المجني عليه ومن المعتاد مشاهدتها في حالة الوفيات الناجمة عن الإصابة بمواد متفجرة كالقنابل والألغام وما شابه، وقد أدت إلى إصابة أعضاء داخلية حيوية سببت الوفاة.

وفي 21/11/2011م حصدت الألغام ما يقارب 14 فرداً بين قتيل وجريح منهم حالة وفاة واحدة و(13) حالة إعاقة، إذ قتل مبارك طعيمان (26) عاماً، ووقع يحيى محمد قرندل (24) عاماً ومراد ناصر حطروم (20) عاماً في حقل ألغام جوار مسجد على طريق صنعاء في منطقة "دباشة" إحدى قرى بيت دهرة بمحافظة صنعاء، عندما حاولوا إسعاف بعض الجرحى الذين سقطوا جراء تلك الألغام، وأصيب كل من أفراد الطاقم الإسعافي للمستشفى المحلي في نهم، وهم إبراهيم عبدالله حسن حطروم (24) عاماً، أحمد رفيق القصيلي (24) عاماً، وليد منصور الجرادي (23) عاماً بسبب وقوعهم في ذات الحقل، وبترت أقدامهم، وبترت القدم اليمنى لمحمد علي طواف (38) عاماً والقدم اليسرى لدرهم حسين الهيثمي (25) عاماً وكذا القدم اليسرى لعبدالله علي جعبان (27) عاماً بترت جراء إصابته بلغم فردي زرع في منطقة أرحب.

وفي 22/11/2011م بترت القدم من أسفل الركبة للطفل ظافر محمد الربوعي (17) سنة من أهالي قرية الحرة في منطقة الصعيدة بنهم محافظة صنعاء والتي تبعد حوالي (50) كيلومتراً عن العاصمة صنعاء، ولاتزال عشرات الألغام مزروعة في مناطق نهم وأرحب وبين جرموز بمحافظة صنعاء بسبب الحرب التي دارت بين القبائل واللواء (63) فيما كان يسمى سابقاً الحرس الجمهوري بحسب تقرير منظمة رقيب لحقوق الإنسان.

غالباً ما يسقط الأطفال فرائس سهلة للألغام وهم الأكثر عرضة لفخاخها
وغالباً ما يسقط الأطفال فرائس سهلة للألغام وهم الأكثر عرضة لفخاخ الألغام، وفي 25/11/2011م وبينما كان الطفل حسين يحيى صالح حصن (15) عاماً يرعى الأغنام في قرية الخبشة بنهم هو وأحد أقاربه انفجر لغم أرضي به وتسبب في بتر قدمه اليسرى من أعلى الركبة، كما تسبب في أضرار بالغة في جهاز المسالك البولية، فر صديقه عندما رأى الانفجار وبالكاد استطاع الأهالي الوصول إلى حسين وانقاذه " كان حسين عندما زرناه جالساً في ظل بيت على طرق القرية الخبشة بنهم، مفترشاً التراب وملتحفاً السماء، وعكازيه أمامه، بدأ هادئاً مغرقاً في التكفير عندما سألنه عن حاله رد بهدوء «دمر علي عبدالله صالح حياتي لا فائدة من حياتي أصبحت عالة»، ولايزال حسين إلى الآن يتلقى العلاج، وقد توجه إلى مصر مرتين على نفقة أسرته ويحتاج إلى رجل صناعية.

إن المخيف يقول عبدالله الشليف رئيس منظمة رقيب لحقوق الإنسان هو أن معسكر بيت دهرة اللواء (63) حرس جمهوري سابقاً يتوسط خمس قرى هي (الحره- الخبشة- دهرة- المناهم- الهجرة) وبعض البيوت لا تبعد سوى 20 متراً من المعسكر، وقد زرع جنود اللواء الألغام في محيط المعسكر وهو يقع بالطبع في محيط القرى والمزارع المتاخمة له «ورصدت حقول ألغام تبعد عن المعسكر بعديد كيلومترات إذ أكد عدد من أفراد اللواء الذين التقينا بهم» أن الألغام زرعت في 6 كيلومترات من محيط المعسكر بالقرب من المواطنين، وعند زيارتنا لبني جرموز أرانا أحد المواطنين عدد من الألغام الفردية في كرتون كانت تقريباً خمسة إلى ستة ألغام – والكلام للشليف- بدت بلاستيكية سوداء.

زرعت الألغام في ستة كيلومترات من محيط معسكر بالقرب من المواطنين شمال صنعاء
وفي 6/7/2012م انفجر لغم أرضي بعبير يحيى أحمد دهرة من أهالي قرية بيت دهرة أسعفها أهلها إلى مستشفى «48» التابع للحرس الجمهوري سابقاً كي يوصلوا رسالة إلى قيادة الحرس أن المعسكر 63 التابع له يقتل النساء، قال التقرير الطبي الخاص بها أنها تعاني من بتر في القدم اليسرى من مستوى الثلث السفلي للفخذ الأيمن معا، وجود عدة جروح في الساعد الأيمن والأيسر وتم تنظيف كافة الجروح وبتر القدم من أسفل الساق اليسرى وأجريت لها عملية تجميل (زراعة جلد للفخذ الأيمن)، و13/3/2013م انفجر لغم بالطفل فواز احمد صالح حصن (9 سنوات) ما تسبب في بتر قدمه اليمنى وجراح في يده اليسرى، فواز كان مع صديقه نشمي محمد حصن وسبب ذلك الانفجار هلعاً شديداً لديه وهو الآن بحالة نفسية سيئة.

اعتراف رسمي
خلال لقاءه بوفد الجنة العسكرية وبحسب شهود عيان كشف قائد اللواء 63 حرس جمهوري سابقا أن قواته زرعت (8000) لغم بمساحة 6 كم2 من محيط معسكر بيت دهره في أرحب محافظة صنعاء يضيف تقرير منظمة رقيب لحقوق الإنسان – وهو ما يعني أن الأودية والمزارع والقرى المحيطة بالمعسكر باتت قبور مفتوحة للمواطنين، ولم يعرف بشكل دقيق وصحيح عدد الألغام المزروعة حول القرى والمزارع ومقاطع الأحجار في مناطق أرحب غير أن ثمة المئات من الألغام ما تزال مزروعة إلى اليوم ولعل ضحاياها سيكون الكثير إذا لم تسارع الحكومة وعبر خبراء بنزع الألغام وتدميرها كي لا تتسبب بقتل المزيد وبتر الأعضاء من أجساد المواطنين الأبرياء.

نقل تقرير حقوقي عن قائد سابق للواء 63 قوله ان قواته زرعت ثمانية آلاف لغم في مساحة ستة كيلومترات
ويضيف التقرير عن تعرض عدد من أعضاء اللجنة العسكرية وجنود المعسكر للإصابة إذ أصيب الجندي من معسكر اللواء 63 حسين الحيمي (27) وهو احد أفراد اللجنة العسكرية، وقد نزعت (450) لغم فردي بعد أن تبرع حسين الحيمي بذلك وقبل أن ينفجر أحدها به وتسبب في بتر رجله اليمنى من أعلى الركبة.

الأمطار خطر متزايد
المناطق الشمالية من العاصمة صنعاء أرحب ونهم وبني جرموز وغيرها من المناطق التي تبعد حوالي 50كم عن العاصمة صنعاء يزيد فيها تساقط الأمطار وخاصة في فصل الصيف، وتكشف الرياح التي تهب على هذه المناطق كثيرا من حقول الألغام، وكذلك هطول الأمطار زاد من كشف الألغام، بل أن السيول تجرف الكثير منها إلى المناطق الزراعية وهو ما يزيد من احتمال قتل المزارعين حتى لو كانوا بعيدين عن المناطق المزروعة فيها الألغام، لكن الأمطار والسيول الجارفة تنقلها إلى مزارع المواطنين البعيدة ما يتسبب في قتل وبتر أعضاء هؤلاء المزارعين وهو خطر يهددهم وأطفالهم ونسائهم وحتى مواشيهم، وقال المواطن مبروك الجرموزي أن كثيرا من المواطنين اجبروا على ترك مزارعهم وحرموا من جني ثمارهم، بل أن الأراضي الصالحة للزراعة هجرت وأهملت ولم يعد أصحابها يزرعونها خوفا من خطر الألغام.

يقول يحيى صالح حصن أن كل يوم يذهب المزارع إلى مزرعته يضل أهله في خوف ورعب شديدين عليه حتى يعود، ويحاول المواطنين نزع وإزالة الألغام من مزارعهم وهي مخاطرة كبيره بسبب تقاعس الحكومة عن فعل ذالك، إذ يقوم الأهالي برمي الأحجار على الألغام كي تنفجر ويقوم الآخرين برفعها بأسياخ حديده طويلة، وهو ما يجعل الموت حاضرا بقوة، وحاول عبدالله محمد حسين حصن (31) سنة في 26/11/2011م من إزالة أحد الألغام غير أن اللغم انفجر له ما سبب في إصابته إصابة بالغة في وجهه وصدره لكنه نجا من الموت بأعجوبة.

وفي أبين
زرع طرفا الصراع في أبين آلاف الألغام ولم يتم نزعها بالكامل حتى اليوم ما يهدد مئات آلاف السكان
زرعت الآلاف من الألغام بسبب الحرب التي شنتها (وزارة الدفاع) على أنصار الشريعة – تنظيم القاعدة في أبين، وزرع طرفي الصراع الآلاف من الألغام ولم يتم نزعها إلى اليوم وهو ما يهدد مئات الآلاف من السكان والمسافرين من محافظة أبين أو عبرها إلى محافظة عدن أو حضرموت أو البيضاء خاصة إذا وقف المسافرون على قارعة الطريق لأخذ استراحة بسيطة ولا يوجد إلا الألغام الكامنة والمتربصة تنتظر إي شخص يضع قدميه عليها، لكن لا أحد يعرف عدد الألغام المزروعة وأماكن زرعها بالتفصيل إذ لا خرائط معروفة توضح أماكن زرع هذه الألغام إلى الآن ولم يكشف أي من طرفي الصراع أو يعطي خرائط زرعها إلى الآن.

مزارع الألغام في حجة وصعده وأبين وأرحب ونهم وبني جرموز مازالت حديثه عهد بزرعها، لكن الآلاف من الألغام مازالت مزروعة في المناطق الوسطى في إب والضالع وغيرها منذ سبعينيات القرن الماضي، ويتهم الأهالي الحكومة بالإهمال كما يتهمون معمر القذافي بأنه من مول ودفع مقابل زرع هذه الألغام بسبب الحروب التي كانت تقام بين شطري اليمن سابقا وكان منحازا لطرف ضد أخر، وقد رفعت دعوى قضائية في إحدى محاكم العاصمة صنعاء ضد معمر القذافي قبل حوالي عقد من الزمن طالبت الدعوى من معمر القذافي تعويض أهالي المناطق الوسطى بسبب دعمه ومساعدته في تمويل زراعة الألغام، وجمدت الدعوى، وربما تحفظ نهائيا بسبب أطاحت الثورة الليبية بمعمر القذافي في 20 أكتوبر 2011م، لكن الألغام مازالت مزروعة في المناطق الوسطى تبحث عن الحكومة لنزعها وتدميرها.

غياب الحكومة: التنصل من المسؤولية
يحضر الموت والخوف بقوة في مناطق يمنية لكن الحكومة هي الغائب الأبرز رغم انها تتحمل المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية
يحضر في صعده وحجة وأبين ونهم وبني جرموز وأرحب بمحافظة صنعاء وفي المناطق الوسطى من اليمن العنف والجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان وحرمان الإنسان من حقه في الحياة ويحضر الخوف كما يحضر الموت بقوة، لكن الغائب الأبرز في كل ذالك الحكومة اليمنية، والتي تتحمل المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، وقبلها المسؤولية السياسية وحماية المواطنين وأمنهم واستقرارهم باعتبارها مكلفة ومفوضة من قبل الشعب، لكنها لم تبد أي تعاون بخصوص نزع الألغام التي تحصد أرواح الأبرياء، يقول مواطنو نهم وأرحب وبني جرموز، لا بل أنها سكتت عن زراعتها من قبل الجماعات الخارجة عنها، أو أنها شريكة في زراعة الألغام وخاصة عند ما كانت تقاتل جماعة الحوثي في صعده، أو يقاتل اللواء 63 حرس جمهوري سابقا في أرحب ونهم وبني جرموز أو أثناء محاربتها للقاعدة في أبين، وعدم تعاملها بشكل جدي مع الألغام التي يفوق عمرها اليوم أربعة عقود في المناطق الوسطى.

وبالتالي فهي اليوم شريكة في الجرائم التي تحدث للأبرياء بسبب عدم استطاعتها منع زرع الألغام أو بسبب زرعها هي للألغام عبر المعسكرات، ويتحتم عليها اليوم المسارعة في نزع الألغام وتدميرها عاجلاً خاصة في حجة وأرحب ونهم وبني جرموز وأبين.

مراحل تأثير اليمن بالألغام
منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م في شمال اليمن وثورة 14 أكتوبر 1963م في جنوبه، دخلت اليمن شمالاً وجنوباً بعديد صراعات سياسية خلال الخمسة عقود الماضية من عمر الثورتين أفضت كثير منها إلى حروب بين الشطرين في سبعينيات القرن الماضي – وقعت حربين بين الشطرين الأولى 1976م والثانية في 1979م، هاتين الحربين أفضت إلى زرع آلاف الألغام وسقط الآلاف من الأبرياء ما بين قتيل وجريح ومعاق.

وبالنسبة لمراحل تأثير اليمن بالألغام فقد صنفت المرحلة الأولى من العام 1962م إلى العام 1967م، فيما صنفت المرحلة الثانية، من العام 1973- حتى العام 1979م، والمرحلة الثالثة هي بسبب حرب صيف 1994م، والتي زرع فيها الآلاف من الألغام الفردية، أما المرحلة الرابعة فصنفت من العام 2000م حتى العام 2012م هذه المراحل الأربع والمصنفة من قبل المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام أوقعت ثلاثة آلاف قتيل وألفين ومائتين جريح إصاباتهم مختلفة في بتر الأطراف (الرجلين أو اليدين أو غيرها من أعضاء الجسم) وإذا ما أضيفت إلى هذه الأرقام عدد خمسة وثمانون قتيلاً و(150) جريحاً، يضاف إلى العدد السابق فأن من سقطوا خلال الخمسة عقود الماضية بلغوا (3058) قتيلاً و(2350) جريحاً خلال كافة المراحل، وفقد الجرحى بسبب هذه الألغام إما أحد أطرافهم العلوية كاليدين أو إحداهما أو الأطراف السفلية كالرجلين أو إحداهما أو تسببت بالتشوه بالوجه وفقدان العين أو الأنف أو غيرها من أجزاء الجسم.

المساحات المتأثرة بالألغام من اليمن
مركز التعامل مع الألغام: 923 مليون متر مربع من الأراضي اليمنية متأثر بالألغام
في مسح نفذه المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام بالمناطق المتأثرة بالألغام قالت نتائج المسح أن 923 مليون متر مربع من الأراضي اليمنية متأثرة بالألغام وأن 234 مليون ظهرت كمساحة جديدة في محافظتي أبين وصعده ومازال المسح جارياً للمساحات المتأثرة بالألغام، تم تطهير مساحات تقارب 810 مليون متر مربع ومازال المسح جارياً وتم تأشير حقول فعلية ملغومة في الساحات المتأثرة قدرت ب43 مليون متر مربع تم تطهير منها حتى الآن اثنين وثلاثين مليوناً وثلاثمائة وتسعة وثلاثون متراً مربعاً ولا يزال التأشير والتطهير مستمران والمركز يعمل بشكل مستمر منذ إنشاءه وبداية عمله في العام 1998م بكوادر فنية مؤهلة ومدربة تدريباً جيداً، وبإشراف خبراء يمنيين استفادوا من الخبرات الأجنبية حين بدءوا العمل في المركز.

المناطق المزروعة بالألغام
يقول نائب مدير المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام علي عبدالرقيب أنه لا يوجد عدد واضح أو رقم محدد لعدد الألغام المزروعة في المناطق اليمنية، لأن الألغام زرعت زرعاً عشوائياً، وبالتالي ليست هناك إحصائية بالأعداد، أما بالنسبة لزراعة الألغام المنظمة فيوجد لها خرائط، أي أن زارعي هذه الألغام لديهم خرائط بالأماكن التي زرعوا فيها الألغام.

ويضيف أن البرنامج انتهى من نزع وتدمير الألغام في محافظات عدن، صنعاء، حجة، الحديدة، ذمار، ريمة، المهرة، البيضاء، وسلمت رسمياً محافظتي عدن والحديدة -أي أعلن عن خلوها وتطهيرها من الألغام- وطهرت تماماً محافظتي البيضاء وحجة في السابق لكنها لم تسلم أو تعلن رسمياً خلوها من الألغام، إلا أن محافظة حجة زرعت فيها الألغام من جديد بسبب الصراع هناك بين القبائل والحوثيين وبالتالي فسيتم العمل فيها من جديد.

وكانت محافظة حجة طهرت في العام 2005م وكان ينتظر تسليمها رسمياً، إلا أن الظروف الأمنية اليوم وعدم استتباب الأمن في حجة أوقف المسح الأول لجمع المعلومات عن المناطق المزروعة بالألغام ومن ثم نزعها وتدميرها، لكن حتى هذه اللحظة ليس لدينا معلومات عن ذلك حتى يتم إجراء المسح بحسب كلام علي عبدالرقيب.

مسؤول حكومي: جميع المحافظات اليمنية كانت مزروعة بالألغام باستثناء محافظة المحويت لعدم وجود صراعات فيها
ويؤكد أن جميع المحافظات اليمنية كانت مزروعة بالألغام باستثناء محافظة المحويت لعدم وجود صراعات أما المحافظات الباقية فالألغام فيها موجودة ولكن بنسب متفاوتة، ولعل محافظتي الضالع وإب هما أكثر المناطق المزروعة فيها الألغام، ونعمل فيها -والكلام لعلي عبدالرقيب- بحسب الأولوية وبحسب الخطورة العالية، ثم الخطورة المتوسطة ثم الأدنى، باعتبار أن الخطورة العالية للألغام لا تؤثر على المواطنين وتوقع الضحايا البشرية فحسب، بل توثر أيضاً على المواد الزراعية والمعدات، والزراعة وغيرها.

وعن الألغام التي زرعت في مناطق أرحب ونهم وبني جرموز بمحافظة صنعاء يقول نائب مدير المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام أن ما ينطبق على محافظة حجة ينطبق على هذه المديريات (أرحب – نهم – بني جرموز) وهو عدم استتباب الأمن، لكنه يؤكد أن لديهم خطة جاهزة للنزول وإجراء المسح الأولي، ومعرفة الأماكن المزروعة فيها الألغام ، وفيما يخص المناطق الوسطى من اليمن والمليئة بالألغام منذ سبعينات وثمانينيات القرن الماضي يؤكد علي عبدالرقيب أنهم أعطوا هذه المناطق أهمية كبيرة بحكم أنها مناطق عالية التأثير بالألغام والفريق الفني لازال يعمل إلى اليوم منذ أن بدأ البرنامج في العمل في العام 1998م.

صحيح أن المركز هو الجهاز التنفيذي للتعامل مع الألغام ويتبع اللجنة الوطنية للتعامل مع الألغام، إلا أنه يعمل بشكل مستقل في الميدان بإشراف من اللجنة الوطنية للتعامل مع الألغام، وثمة جمعية للناجين من الألغام، تعمل هي الأخرى على تقديم التأهيل والتدريب للناجين من الألغام ويتم إعادة تأهيلهم في مجال التعليم والتدريب وتعليم المهن الحرفية واليدوية وغيرها وبالتالي فإن العمل متكامل بين اللجنة الوطنية والمركز التنفيذي وجمعية الناجين من الألغام.

خدمات للناجين من الألغام
يقدم مركز التعامل مع الألغام خدمات للناجين من الألغام بدعم من المانحين
يقدم المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام عديد خدمات للناجين من الألغام لعل أهمها تقديم الإسعافات الأولية حال وقوع الانفجار والإصابة، ثم إعادة الفحص، ولعل هذه الخدمات التي تقدم تتمثل في المسح الطبي، إذ يقوم المركز بجمع المعلومات حول الضحايا والذين لم يتم الوصول إليهم وجمع الاستبيانات حولهم، ثم الفحص الطبي وما هي احتياجاتهم وبعدها يقدم لهم الدعم الطبي كالعلاج والأطراف الصناعية، والنظارات والسماعات وإعادة الجراحة وبتر الأطراف إذا تطلب الأمر، وكذا الكراسي والعكاكيز وتقديم العلاج وغيرها من الاحتياجات، ثم التأهيل والتدريب وبالتالي فهناك خدمات أربع تقدم للناجين من الألغام هي بالترتيب المسح الطبي، الفحص الطبي والدعم والتأهيل والتدريب، وهي مراحل متكاملة وخدمات تقدم للناجين من الألغام، وفيما يخص الدعم فإن المركز يتلقى الدعم من المانحين الدوليين، يتمثل بتقديم المعدات مثل أجهزة كشف الألغام والسيارات، وتحسين الغذاء للعاملين في البرنامج والوقود – وبحسب علي عبدالرقيب – فإن هذا هو الدعم المقدم من المانحين أما الدعم المالي والرواتب والأجور فهي من الحكومة ممثلة بوزارة الدفاع.

توعية بمخاطر الألغام
لاشك أن مخاطر الألغام المنتشرة في كثير من المناطق يجهلها أو يجهل وجودها الكثير من المواطنين وبالتالي فهذا يتطلب توعية شاملة بأماكن زرع الألغام وانتشارها والتوعية بمخاطرها، ونفذ المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام توعية شملت مليوناً وأربعمائة واثنين وثلاثون ألف نسمة في (1032) قرية في مختلف المحافظات منهم (866) ألف من الذكور و(789) ألف إناث، توعية المجتمعات المحلية من مخاطر الألغام باستخدام اللافتات والبرشورات والتحذيرات وطرق السلامة من الألغام وغيرها من الإرشادات التوعوية بمخاطر الألغام، وتم دعم (2059) ضحية ومازال مسح الضحايا جارياً لكن الرقم يتزايد رغم التوعية المستمرة من قبل المركز.

الحاجة إلى قانون
تحتاج اليمن بشكل عاجل إلى قانون يجرم ويعاقب من يستخدم الألغام الفردية التي تقتل الأبرياء
صحيح أن الدستور اليمني والقوانين تكفل للمواطنين الحق في الحياة وحقهم في العيش بأمان وسلام كما أنها موقعة ومصادقة على الاتفاقية الدولية (أوتاوا) التي تلزم الحكومة أخلاقيا على الأقل بالعمل على احترام الحق في الحياة والسلامة الجسدية، إلى أننا اليوم بحاجة إلى قانون بشكل عاجل يجرم ويعاقب من يستخدم الألغام الفردية التي تقتل الأبرياء، سواء استوردها أو أتت إليه بطريقة أو بأخرى أو صنعها محليا، ومحاسبة كل الجهات الرسمية وخاصة المعسكرات التي تزرع الألغام في طريق المواطنين، وتعمل على قتل الأبرياء وبالتالي فوجود قانون ملزم سيحفظ أرواح الكثير من المواطنين الذين لا ذنب لهم، بل لا ناقة ولا جمل في كثير من الصراعات الداخلية سواء بين ما كان يعرف بالشطرين أو بين الحكومة وجماعة الحوثي، لكنهم هم الأكثر عرضة للقتل والإعاقة وبتر الأعضاء، فوجود القانون الملزم – والدولة القوية – يعني الحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم، وبات لزاما اليوم على الحكومة قبل سن هذا القانون حصر مناطق زرع الألغام ومحاصرتها ومنع الناس من المرور من هذه الأماكن لتبدأ بتطهيرها وعدم فتح جبهات قتال أخرى كي لا تنتشر الألغام أكثر ومن ثم حين يصدر القانون على الأقل سنكون قد سيطرنا على أماكن زرعها ونزعها، وحين توجد الدولة وتبسط سيطرتها على كل الأراضي اليمنية بالتأكيد ستقل كثيرا زراعة ألغام الموت، هذا المطلب هو مطلب القائمين أيضاً على المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام، إذ طالب نائب المدير التنفيذي للمركز علي عبدالرقيب بقانون يحرم ويجرم زرع الألغام والجهات التي تزرعها ومنعها من ذلك بقوة القانون وبالذات الألغام الفردية، وعلى الرغم من اليمن صادقت على اتفاقية أوتاوا لنزع الألغام إلا أننا بحاجة إلى قانون يمنع زرع الألغام الفردية إلى جانب الاتفاقية الدولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.