ثم يؤتى بصاحب النحت فيؤمر أن ينفخ فيه الروح فلا يفعل. هكذا دشن الفقهاء موقف الاسلام من الفن. بينما كنت مأخوذاً بالتراث الإنساني الفائق في متحف اللوفر، باريس، قررت زيارة جناح الفن الاسلامي. كنت قد زرت أجنحة الفن الاسلامي في عديد متاحف عالمية. لم تختلف المحتويات الاسلامية في اللوفر عن متاحف برلين. إبهار إسلامي يأخذ الألباب، لكنه لا يتعدى “السيوف، الأطباق، والسجاد”.. كانت الحضارات الأخرى متجسدة ناطقة، ثرية، تسرد التاريخ في منحوتة واحدة. جوارها تعبر الحضارة الاسلامية عن نفسها:سيوف وأطباق. حتى حسان بن ثابت. سئل عن انهيار قدراته الشعرية فعزا الأمر إلى الإسلام. لم يقف المسلمون من الفن عند هذا المستوى. فقد راحوا ينحتون أحاديث مدمرة طالت حتى امرىء القيس نفسه: أبوك أمير الشعراء وقائدهم إلى النار. بقي العالم الاسلامي على هامش عالم الفن، لا ينتج المسرح ولا الملحمة، لا التشكيل ولا النحت، ولا الرواية.. الخ. قالوا إن لبيد قرأ البقرة وترك الشعر، أما شعراء العصر العباسي كالمعري وأبي نواس فكانوا إما ملاحدة أو مثليين. في اربعينيات القرن التاسع عشر سافر طهطاوي الى فرنسا. ألف تخليص الإبريز في تلخيص باريز. أفرد فصلاً مطولاً عن المسرح ودوره في صناعة الأخلاق. تحدث عن الدراما التاريخية كفن وتمنى أن يرى مثله في مصر. بعد قرن من رحيل طهطاوي يتدارس الإخوان المسلمون كتباً تنظيمية تقول لهم إن جائزة أوسكار تنسب إلى أكبر مروجي الجنس والإباحة في التاريخ المعاصر،أوسكار. بينما يتدرب المبتدئ في الإخوان على كتاب الدعوة الإسلامية فريضة شرعية وضرورة بشرية. يشن الكتاب حرباً خاطفة ضد الغزو الفكري الذي يتهدد الهوية والثقافة ومن تجلياته قصيدة التفعيلة أما مسلمو السعودية فيقاتلون بكل وسائل المواجهة الفكرية ضد فكرة “المجاز في القرآن”. المجاز واحد من ظواهر البديع، الفن. ابن تيمية ألف أعمالاً تنفي المجاز عن القرآن. يقرأ مسلمو السعودية كتاباً للشنقيطي يقاتل المجاز في القرآن. ضد الفن، بكل تجلياته. لا النحت فقط. بعد موت شعراء العصر العباسي الثاني ينتقل شارحو الأدب العربي فوراً إلى الإحياء والبعث، مع البارودي. لا تدري ما الذي حدث في الألف عام التي تفصل البارودي عن المعري. إنها قصة فن، لا تستحق الانتباه. سيقول البراغماتيون الإسلاميون: بلى، يوجد. ستقرأ أدبياتهم في القرن الأخير، لا وجود لأي حضور للفن، للإبداع. باستثناء عمل يتيم ساهم به محمد عماره “الفنون الجميلة في الاسلام”. لم يحظ بتقدير التيارات الاسلامية المنضبطة. بدلاً عن ذلك يخوض الاسلاميون الشيعة معركة ضد سلمان رشدي لأنه أهان الآيات القرآنية. كان رشدي في عمله الشهير “آيات شيطانية”قد جسد الخميني بطريقة ليست شديدة التهذيب. أهدر الخميني دمه لأنه هزىء بالقرآن. أما الأزهر فقد أخرج طلبته ضد رواية “وليمة لأعشاب البحر” في العام 2002. كانت الرواية قد صدرت في سوريا سنة 1983ولم تقيد ضدها حالة ارتداد عن الاسلام ولا هزة في الضمير الأخلاقي. لا يكتب الاسلاميون الروايات. وعندما كتب شيوخهم قصائد الغزل فقد كانوا يختمونها بالصلاة على النبي. لا ينتجون المسرح، ولا الملحمة. يحرم السلفيون التمثيل. أما حديث تمثل جبريل بأعرابي، الحديث المتواتر الذي روي عن أربعين جهة، فيكيفونه بهذه الطريقة الكاريكاتورية: يجوز تمثيل شخص من عالم الغيب شخص آخر من عالم المشاهدة. ولا يحوز أن يمثل شخص من عالم المشاهدة شخصاً من نفس العالم. هكذا تحدث صالح الفوزان، أحد كبار العلماء والمرجعيات. حتى الموقف العنيف من المرأة، استبعادها وعزلها يأتي متناغماً مع موقفهم الكلي من الجمال والفن باعتبار المرأة في الأساس كياناً جمالياً، فنياً.