في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي يعقد حالياً في العاصمة صنعاء، اعتاد فريق الهيئات ذات الاستقلالية والقضايا الخاصة استضافة المعنيين في الوزارات أو المؤسسات الحكومية الموضوعة تحت الدراسة التي ستوَصِّل إلى إبداء الرأي في تحويلها إلى هيئات مستقلة أو تركها كما هي تابعة للحكومة. استضافة قادة تلك الوزارات الغرض منها معرفة حاضرها وماضيها وفي نفس الوقت معرفة رأي قادتها في استقلالها من عدمه، ليبني الفريق رأيه أو رؤيته في تقريره النهائي على بيانات ومعلومات حقيقية لا خيالية. وفي هذا الاتجاه استضاف الفريق في يوم الأحد 5/5/ 2013 الأستاذ حمود محمد عباد وزير الأوقاف والإرشاد الذي أبدع في الدفاع عن استمرار وزارته كما هي، مدعماً رأيه في الورقة التي قدمها بأن الاستقلالية التي يريدها هي الاستقلالية التي تؤمِّن للوزارة القيام بواجباتها ومسئولياتها ووظائفها، والذي نعتبره جديداً هو مطالبة الوزير باستقلال وزارته من تبعية الحكومة، وإلحاقها بمؤسسة رئاسة الجمهورية بحيث تظل تحت نفس المسمى، فهو يريدها أن تتحرر من سطوة رئيس الوزراء، مثلها مثل جهاز الرقابة والمحاسبة وجهاز مكافحة الفساد، واللجنة العليا للانتخابات وغيرها من الأجهزة المستقلة من قبضة رئيس الحكومة إلى قبضة رئيس الجمهورية، وهنا نجد أن وزير الأوقاف موافق على استقلال وزارته لكنه يريدها أن تحتفظ باسمها كوزارة، وهذا نمط جديد لم تألفه اليمن ولا غير اليمن في ظل نظام الحكم المختلط أو البرلماني، قد يكون ذلك مقبولاً في ظل نظام الحكم الرئاسي الذي يرأس فيه الحكومة رئيس الجمهورية كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن هذا لا يعني استقلالها لأن رئيس الجمهورية هو رئيس الحكومة في النظام الرئاسي، وبالتالي فإن كل الوزارات تتبع رئيس الجمهورية لا وزارة الأوقاف بمفردها. فهل أراد وزير الأوقاف أن يقول لنا: إنه مع نظام الحكم الرئاسي الذي يجب أن تلحق به وزارته؟ أم انه يريد أن يرأس كل حزب الوزارات التي يديرها؟ وكيفما كان فإن ذلك هو رأي وزير الأوقاف، أما رأي الفريق المختص وبالتالي رأي مؤتمر الحوار بشكل عام فإنه لم يبلور بعد، ذلك أن الفريق لا زال يستقبل ويدرس الكثير من الرؤى والآراء، كما أنه سينفذ النزول الميداني لاستقصاء الكثير من الآراء. الموضوع الثاني الذي تناولته ورقة وزارة الأوقاف هو موضوع قيامها بالوعظ والإرشاد والدعوة، وتحفيظ القرآن، ولها في سبيل ذلك معهد عالٍ للتوجيه والإرشاد، يتخرج منه ما يطلق عليهم الخطباء والمرشدون والمرشدات، وفي الحقيقة أنه يخرج المتخصصين في تسيير وتسويق أفكار الحزب الحاكم والمتطرفين في نشر المذاهب المستوردة من خارج اليمن، لتضليل الناس وشغلهم بأمور لاهوتية تبعدهم عن التفكير في الواقع، ويتضح أنه تم إقحام هذه الوظيفة السياسية في عمل الأوقاف بدون أي ضرورة. وفي نظرنا أنه إذا كان لا بد من بقاء هذا القطاع الإرشادي بمعهده المتعلق بالآخرة، فليكن منفصلاً عن وزارة الأوقاف رغم أن إلغاءه أفضل، لأن أعمال الوعظ والإرشاد أو الدعوة ليس لها علاقة بوظائف الدولة المدنية التي تسير أعمالها بدستور وقوانين دنيوية عملية صارمة، ولا تحتاج إلى من يمسخها ويربطها بعقاب الآخرة. ومما قدمته ورقة وزارة الأوقاف نسخة من موازنة الوزارة لسنتنا هذه، فالشفافية في الورقة كانت متوفرة إلى حد ما، الملفت للنظر في هذا الجانب أن إيرادات وزارة الأوقاف لا تغطي نفقاتها، فمن خلال استعراض الموازنة نجد أن الدعم المقدم من الدولة لقطاع الأوقاف فقط وصل في سنتنا هذه 2013 إلى 306 ملايين ريال، وهذا الدعم غير مبرر بل يعتبر نوعاً من أنواع الفساد الرسمي المسيس، فالغرض من الأموال الموقوفة هو استثمارها لتوفير مبالغ نقدية أو أموال عينية لسد احتياجات الموقف عليهم، فإذا كانت نفقات الأوقاف أكثر من إيراداتها فإنه ينتهي مبرر الوقف، وبالتالي لا داعي له. كما أن الدولة تدفع تكاليف قطاع الإرشاد كاملاً والذي بلغ في ميزانية سنتنا هذه ملياراً ومائتين وخمسين مليون ريال، وهنا مربط الفرس يبين أن قطاع الإرشاد سياسي لا ديني، فلا علاقة له بالأوقاف مثلما لا علاقة للأوقاف بوزارة الخارجية. ما أعجبني في ورقة وزارة الأوقاف هو تطرقها إلى البيئة التشريعية والقانونية التي تخضع لها الوزارة، ابتداءً من النص الدستوري إلى قوانين ولوائح تنظيمها إلى القوانين ذات الصلة غير المباشرة بالأوقاف، فقد وجدنا أن للوقف علاقة صلة بأحكام ونصوص تسعة قوانين ليست أصلاً خاصة بالوقف، مثل القانون المدني، وقانون تحصيل الأموال العامة، وقانون الجمارك الذي يعفي واردات الأصناف والمنتجات التي تستورد للجوامع، وهي الثغرة التي استغلها الكثير من التجار لاستيراد الكثير من مواد البناء تحت غطاء بناء بيوت الله، ومن ثم تصريفها في السوق. قيام الوزارة باستنباط أو استخلاص المواد المتعلقة بالوقف من القوانين الأخرى يدل على ذهنية إدارية ناجحة، نأمل أن يتم الاقتداء به في جميع أجهزة الدولة سواء تلك المستقلة أو التي في الطريق إلى الاستقلال أو التي ستظل مرتبطة بالحكومة. وفي ختام هذه السطور يتبين من ورقة وزارة الأوقاف ومن الواقع المعيش أن أعمال الأوقاف متعلقة بتنفيذ وإدارة وصايا أفراد أحبوا أن ينقلوها من أملاكهم في الدنيا إلى أملاكهم في الآخرة، وقد بلغت مساحة ما قد تم حصره منها 2464234305 لبنة أو متر مربع، فوحدة المساحة أو تمييزها لم تذكر في الورقة، وبالتالي فإن وصايا الأفراد لا علاقة للدولة بها إلا من باب الإشراف الطوعي على تنفيذها لكثرتها، وبالتالي فمن الضرورة بمكان أن تكون إدارة أعمال الأوقاف منفصلة عن مهام الحكومة، والله الموفق.