وأنت ذاهب في طريقك إلى العاصمة الاقتصادية للجمهورية اليمنية“عدن” وأمام وادي الحسيني في محافظة لحج، بالقرب من عدن إذا بك تتذكر كلمات وألحان، كنت تسمعها في الصباح الباكر من راديو صنعاء، ألحان تسبيك سحراً، وتهديك عطراً حينما تسمعها، وتزداد شوقاً لرؤية الحسيني، وإمعان النظر بين جنباته، والمشي في (أسوامه) وبين جداوله، وليس المرور بالسيارة بجانبه فقط، وأنت تتمنى نزولك، لكن صاحب السيارة يمرق بها كمروق الرمح، وإذا بك تتنهد نهدة طويلة من قاع القدم والوجدان تتمنى النزول.. هذه الكلمات تغنى بها القمندان بلسان علوي وفنانين خليجيين ويمنيين: ياذي تبون الحسيني، عزمت بسري معاكم. مالي قدا قرة العين، ياسين يا زين ياسين أحمد فضل القمندان، شاعر الطبيعة الأول، شاعر الماء والخضرة والوجه الحسن.. القمندان طري بطراوة الجو كلما تلطف وأبدع، زكي وعطر بعطر الزهر كلما فاح، نقي كنقاء الماء العذب كلما ترقرق وأنساب. القمندان اتصف بكرم البادية، ونخوة البداوة، يمني أصيل سلم على أحبابه ومحبيه، حياهم، وأكرمهم، واستضافهم إلى ذلك الوادي الجميل ذلك الوادي الأثير وفي رحاب المانجو، والخوخ، والرمان، والموز، والفل، والكاذي، والورد بكل ألوانه، والزهر بشتى صفاته فقال لهم: سلام مني عليكم يا حبايب، يوم الهنا باتجونا للحسيني حيا بكم بانسوي كل واجب، أهلاً على الرأس يا أحبابي وعيني الفل والورد أشكاله عجائب، أبيض ووردي وأصفر وأرجواني شوف المطر في الحسيني اليوم ساكب ذي بلل الورد وأغصانه حواني. وما أن تسمع هذه الألحان من أي فنان كان، يمني أم عربي إلا وتتذكر من له الفضل في تلحينها لأول مرة، وأنت سابح في التذكر إلا ويطرق ذهنك ثنائية ثالثة بعد ثنائية الفضول وأيوب في تعز، وثنائية المحضار وبلفقيه في حضرموت، وهذه الثنائية الثالثة هي ثنائية القمندان وبن علوي في لحج الخضيرة.. القمندان الفنان اليمني العربي الذي ترددت كلماته العذبة بألسن الفنانين في جبال ووديان وسهول اليمن شمالاً وجنوباً، من شرقه إلى غربه. القمندان ذو إحساس مرهف، وشعور يبدع شعراً.. فهو صاحب الموهبة التي حباه الله إياها بكمالٍ دون نقصان. عاش متنقلاً بين الخضيرة لحج والحضارة عدن، وخلال فترة حياته كانت عدن تغزى بالأفكار والتيارات الفكرية الغربية المختلفة، إلا أنه ظل شاعر الطبيعة والمقاومة لا يختلف فيه اثنان، تفنن بالكلمة الشعبية اللحجيةوالعدنية فأعطاها للمستمع بكل عفوية ودون تكلف. ما أجملك يا قمندان وما أجمل من تغنى بكلماتك العذبة الرقراقة، ولحنك الشجي السلسبيل، يا ورد ياكاذي يا موز يا مشمش ياعنبرود، من علمك لما خلفت الوعود، هذه الأغنية بكلمات القمندان وألحانه، وغناء فيصل تغنى بها كل يمني وحضرت في كل أعراسه وفرأفر أفراحه ونشوته. إلى جانب الكثير والكثير من القصائد الغنائية والألحان الشجية التي تغنى بها فنانين كثر من اليمن والخليج. القمندان مدرسة تتلمذ منها كل فنان ردد كلماته، سجع فأطرب ودندن فأحكم، وغنى فأطرب، ورود الحسيني وزهوره تفتح منها شاعر فنان وملحن إنسان جمع بين بديع الكلمة وبيان التناسق والأوزان، ومعاني وعذوبة الألفاظ. رحم الله القمندان وبن علوي، والفضول والمحضار، واتمنى من الله الشفاء وطول العمر لبلفقيه وأيوب، ونأمل أن تتكرر تلك الثنائيات مرة أخرى في بلدنا اليمن، ولأن اليمن بلد المواهب لكن لا يوجد من ينمي ويشجع ويأخذ بيد تلك المواهب، ونظراً لعدم وجود مؤسسات رسمية تتبنى تلك المواهب نجد أنها تغور وتنقرض في دهاليز وكبت الحرمان، ومواجع البؤس والنسيان، كثير هم المبدعون في بلادي من شعراء، وأدباء، ومنشدين، وفنانين وغيرهم.