عزالدين الأصبحي رغم كل الفقر والامكانات المحدودة إلأ ان هناك ابداعاً كان يعانق السماء !! هذ الامل الرائع بالمستقبل الذي يملأ النفوس كان وراء تلك الاشراقات الرائعة. اعود واستمع الى موسيقى واغاني واناشيد سنوات خلت وحتى الثمانينات واندهش ؟!! اي ردة نعيشها فناً وابداعاً ؟ كيف سرقت منا احلى ايام العمر ؟ ومر جيل في لحظة سرقة من الزمن ( كيف تمكن سارقو الفرح من سرقة فرحنا !!) كيف انكسر الحلم وتبخرت الاحلام وضاع المشروع ! هل يتذكر الآن جيلنا كيف كانت فرقة الفن الرائعة بعدن تلهب مشاعر الحب والحماس؟ هل نتذكر جعفر حسن القادم من العراق يحمل حلماً أممياً وكيف كانت كلمات عبدالعزيز المقالح المشرقة تلهم اللحن جماله ! هذه فرقنا قبل اكثر من ثلاثين سنة ؟ لن اعلق على ما يجري بغير بقاء الغصة في الحلق اعيد للتذكير اغنية الصمت عار التي كتبها المقالح ولم تزل في ذاكرتنا ولحنها جعفر وما نسيناها ورددتها عدن فبقيت جزءاً من القلب . للاصوات الجميلة والفتيات المملوءات بالحياة المغنيات بهذه الفرقة ولجزء من عمر الطفولة رأيت ان اتذكرها بغير موعد وهل تشبثنا بالامل يحتاج الى سبب وموعد يا فتى؟ الصمت عار الخوف عار من نحن؟ عشاق النهار نحيا ..نحب ..نخاصم الاشباح نحيا في انتظار.. سنظل نحفر ..نحفر..في الجدار إما فتحنا ثغرة للنور او متنا على وجه الجدار لا يأس تدركه معاولنا ولا ملل انكسار وليد الاباره أعراس خشبية حين تغني البنادق اناشيد الانتصارات الزائفة تدفعهم ألحان القوارح الى الرقص في مجموعات دائرية الشكل تسمى “البرع “ اجسادهم النحيلة مدججة بالاسلحة كأنهم جيش لا نظامي يعود للعصر ما قبل الروماني، فالموروثات لقنتهم صغاراً ان الحياة معركة لاتنتهي لذا فهم في تأهب دائم ،حتى وهم يعلمون ان الحرب تلاشت نيرانها والاسلحة اندثر زمانها الى غير رجعة . ولأنهم يعيشون في معركة الحياة المستمرة فإنهم يخوضون افراحهم كما لو انها عين جالوت،والعروس ذات الاربع عشر ربيعاً لم تشفع الطفولة لها ولم تنج هي الأخرى من طقوس القبيلة ، فالعروس جرت العادة ان تزف الى مقر اقامة الزوج على ايقاع البارود والكر والفر لفرسان الموكب الزفافي حوالي الهودج الميكانيكي يستعرضون قدرات محركات السيارات التي يقودونها بكل شراهة مطلقين العنان لابواقها الحادة . الفرسان يستعرضون مهاراتهم في سد كل الفراغات على المارة العابرين اذ ان احتلال الشارع بالكامل من قبل كتائب الموكب يوحي للعوام ان العرس لشخصية نافذة وهو ما يعكس الرضى لدى الفرسان المتحمسين خصوصا ان الاغلبية عادة ما يكونون اقرباء العروس وبينما البواريد ترتل اذكار العتمة في خشوع فرت العروس الى احلامها بحثاً عن هدوء وكان المشهد قد خيل لها لبرهة انها “أّخيل” مروض الاحصنة ، وقعت الكارثة أردى الفرسان المتنمرون احد شرطة المرور كان قد حاول ايقاف الموكب وهو ما اعتبروه اهانة لا يمكن السكوت عليها . صعقت المسكينة ولطخ الحناء ثيابها الانيقة وتفتت انوثتها على معاول العادات الغجرية وتحول العرس الى مأتم . العريس هو الآخر تنتظره منازلة اسطورية اذ ان انظار العائلة مصوبة عليه ،فالعائلة ترجو ان لا يجعلها تنكس رأسها امام رجالات القبيلة ،وهنا لا سبيل امامه سوى النصر ، النصر على الوردة “العروس” وحين جن الليل ودخل العريس على عروسته ظلت العائلة ترقب البشارة على نار من القلق والخوف ،وكأن كل دقيقة عام ,وحين بدأ الفجر يلوح في الافق زغرد كلاشنكوف العريس وبعدها مباشرة اقبلت الجدة تحمل في يدها بشارة النصر قطعة من القماش الابيض ملطخة بالدم القاني كدليل على عذرية الفتاه وفحولة الشاب . كم هي الموروثات غنية بالمآّتم والمسرات التي تحتاج من السلطات والجهات المعنية والمهتمة والباحثين اعادة النظر في الكثير من تفاصيلها فالغد ينتظر منا الجرأة للقيام بالكثير من التغييرات بما فيها طرائق التفكير..