كاريس عمل شعري جديد بل (واجد) للشاعر نبيل القانص الذي اقتنص اللحظة بتعابيره الدقيقة وتفاصيله المرهفة. لغة الصورة ! لكنها ليست الصورة التي نقرأها عبرآلاف الدواوين الشعرية والنصوص , فقد استطاع القانص نبيل أن يقتنص صوراً أجد في المشهد الشعري اليمني، فمن خلال هذا الديوان جعل من كل معزوفة شعرية، أي مقطع شعري نصاً مستقلاً بتعابيره وفكرته ولما تقرأه مرةً أخرى تجد ذلك الاتصال العميق فاستحق أن يكون الديوان المتصل المنفصل في آنٍ واحد: اللحظة الهجين حتى هي لاتساعدني على ا ل ت ج دّ د. في اعتقادي أن كاريس نص لنصوص متعددة ذابت في وحدة موضوعية فكونت سيلاً من التعابير الخفية التي تحول الشاعر فيها إلى عرّاف واستقصى التاريخ وخاطب لغة العقل فهاأنذا أقرأ تعداد المسلمين في نص كأني به يقول: إن هناك مليار ونصف ... أداة النداء الأخيرة منفيةً في قمقم لمدة مليار ونصف حلم . أول ماتبادر إلى ذهني أن لفظ مليار ونصف تنطلق من عدد سكان المسلمين في العالم فهل يتساءل نبيل عن أحلامنا أم أن سيكلوجيته قادته لهذا التعبير من خلال قضيته الكامنة في أعماقه الشاعرة بألم نازف عبّرعنه بانفعال رزين : الموقف عبثي ومرآتك تنتظركِ . بينما أقلب صفحات الكتاب جاءت الصفحة السابعة والسبعين وكنت قبلها أتابع مقتطفات من وقائع القمة العربية لهذا العام عبر الهواء جاءني ذلك المقطع الشعري ليرد عن كل تساؤلاتي: ماذا أرسم الآن مليء بالتجاعيد الهواء متخم بالشائعات فوضى حالكة ... اتهامات على المائدة وأخرى لا زالت تنضج في الفرن ... ليتم تقديمها على طاولة قمة عربية . أعتقد أن الشاعر ربط كل مواضيع عصره في كاريس ولكن عبر هدوء لافت ولغة ذاتية، أي إنه تحدث باسمه وأطلق لقلبه العنان أن يكون وصياً على الشعر، فنلاحظ أن كل مقطع يتحدث بلسانه ثم ينقلنا وبدون لفت انتباه إلى العالم الآخر, ولم نتمكن من الانتقال الموضوعي في النص لسبب واحد أنه جعل الحياة كلها في قصيدة واحدة وسرد بصمته المعتاد وتأملاته عينيه كل ما جادت به قريحته , فلم ينفعل وكأنه يقول: انظروا إلى ما تبقى من أحلامنا وينادينا تريثوا , لكن هذا الصمت كان قاتلاً بالنسبة للمتلقي، ذلك أن ما بين بطن القصيد أكبر من تأوهات حروفه الدافئة التي حملت هم جيلٍ بأكمله: إلى أيّ ربيع أتجه..؟ وأنت بوصلة لاتعترف إلا بالفقد الشتات ياله من محصول قميء كريه الرائحة هناك من يجنيه بعرق جبينه وهناك من يتلذّذ بطعم الوحدة. تساءلت كثيراً وأنا أقف على بعض المقاطع الشعرية لهذا النص الذي جعلني أتساءل هل أنا أمام مجموعة أقاصيص شعرية أم شعر قصصي أم أني أمام تجربة جديدة فريدة ومدرسة نبيلة من مدارس الجيل الألفيني هذا الجيل الذي أتشرف بالانتماء إليه فقد رأيته يصنع تحولاً غير مسبوق في تاريخ الأدب العربي، فهناك ثورة شعرية ومدارس جديدة يجب أن تأخذ طريقها إلى مناهج الصفوف هذه الثورة يقودها نبيل وأمثاله من الشعراء الشباب والأدباء الجُدد: منذ أول أجرٍ تقاضته وهي تؤدي هذا الدور المزعج لكنها تؤمن بأنها روح تقية في مظهر عصري . أعتقد أن هناك قضايا عدة من البوح الإنساني الذي حملة الشاعر على عاتقه تارةً بالرمزية الساخرة وتارة عبر صور أثبتت لنا جدارته على إيصال لغته الجديدة إلى كل المستويات : أشباح غير شرعية تحيط بكرسي لا يشعر بوجوده لم تكن تلك الأشباح وليدة الشعر الجديد بل وليدة الشاعر الأجد، نبيل القانص الذي وصفه الدكتورعبدالعزيز المقالح بقوله في تقديمه لكاريس ((أعترف أني معجب وفخور بهذا الشاعر, وأنتظر على يديه الكثير للشعر الذي بات ضرورياً للتخفيف من متاعب البشر وأحزانها).