التدريب نشاط مخطط، يهدف إلى إحداث تغييرات إيجابية في معلومات الفرد وخبراته ومهاراته، وتوجيه سلوكه، وطرق عمله، ومعدلات أدائه، وهو عملية قديمة متجددة، ومتسارعة في كل مجالات الحياة، ونتيجة لذلك كان من الضروري أن تتطور الشركات والمؤسسات، لتواكب التغيير في بيئتها الداخلية والخارجية، بانتهاج أساليب علمية، ووسائل وأدوات تيسر لها تحقيق أهدافها في الإنسان والمادة والآلة.. ومن الأساليب الحديثة لإحداث التناغم بين الإنسان ومتطلبات الوظيفة، وفقاً لاستراتيجيات العمل، أسلوب الكفايات المهنية أو ما يعرف بالجدارات الوظيفية “Competency” وهي لغة مشتقة من “جَدِيرٌ بكذا ولكذا أَي خَلِيقٌ له، وجمعها جَدِيرُونَ وجُدَراءُ، والأُنثى يقال لها جَدِيرَةٌ، وجمعها جَدِيراتٌ وجَدائِرُ”، واصطلاحاً هي مجموع المهارات والمعارف والسلوكيات التي تؤدى للأداء الفعَّال في الوظيفة، أوهي الخصائص الشخصية كالمعارف والمهارات والأنماط الذهنية والدوافع الكامنة التي تمكن الفرد من تحقيق الأداء الناجح. وظهر هذا الأسلوب بخطوات علمية حديثة عام 1971م في الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا، كرد فعل على الأساليب التقليدية، التي كانت سائدة آنذاك، حيث صادفت وزارة الخارجية الأمريكية مشكلة تتعلق باختبارات القبول لشغل إحدى الوظائف الحساسة، إذ كانت المقابلات غير كافية لعمل اختيارات صحيحة بين المتقدمين لشغل الوظيفة، وثبت بعد سنوات ضعف العلاقة بين نتائج الاختبارات وبين مستوى الأداء الفعلي للناجحين بعد التعيين في ميدان العمل، فلجأت الخارجية الأمريكية إلى الخبير الإداري (ماكليلاند) للمساعدة في حل المشكلة، إذ طلب قائمتين الأولى تتضمن أسماء موظفين مشهود لهم بالتفوق الفعلي (بغض النظر عن نتائجهم في اختبارات القبول) بينما تشمل الثانية أسماء ذوي الأداء المتدني فقط. ثم قام بدراسة ميدانية للتعرف على الخصائص المشتركة التي يتمتع بها المتفوقون في العمل ولا يتمتع بها الآخرون، واستنبط بذلك قائمة الخصائص (الجدارات أو الكفايات) التي تميز المتفوقين عن الباقين، وأطلق عليها لاحقاً بنموذج الجدارة لتلك الوظيفة، وتواصلت الدراسات بعد ذلك في هذا المجال وبخاصة من علماء النفس والتربويين. والجدارة تشمل مكونين رئيسيين في الفرد، أحدهما داخلي أو ضمني: وهو يشكل شخصية الموظف وتفكيره وانطباعاته وقيمه ودوافعه المخفية والتي تظهر في مواقف مختلفة، ولا يمكن التنبؤ بها أو بنواتجها، والآخر خارجي أو علني: وهو يشكل السلوك والمهارات والقدرات الظاهرة للموظف ، والتي تنبئ عن نتائج أداء العمل. ويمكن قياس هذين المكونين بمقارنتهما بمرجع معياري مثالي (يمثل جدارات الوظيفة في وضعها المثالي)، مع التأكيد إلى أن هذا المعيار ليس وصفاً أو حكماً نهائياً على قدرات وإمكانيات الإنسان ، فمن الصعوبة بمكان تقويمه وتفسيره والتنبؤ بقدراته، وإنما هذا الإجراء هو جهد إنساني لقياس الأداء في مرحلة ما ، وتحديد جوانب القوة وجوانب الضعف فيه. ومن المعايير الأكثر استخداماً في دراسات الجدارة: الأداء المتفوق: وهو مساو تقريباً للمستوى الذي يحققه صاحب أعلى أداء ضمن عشرة أشخاص في مجال عمل معين.. والأداء الفعال: وهو أدنى مستوى مقبول من العمل أو الحد الأدنى الذي لو انخفض عنه أداء الموظف لم يعتبر ذا جدارة لإنجاز هذا العمل، وتنقسم معايير الجدارة إلى عدة مجموعات، هي: (1) الإنجاز والتصرف، وتشمل: التوجه نحو الإنجاز، الاهتمام بالنظام والجودة والدقة والمبادرة، البحث المعلوماتي. (2) المساعدة والخدمات الإنسانية، وتشمل: تفهم الآخرين، التوجه لخدمة العملاء. (3) الأثر والتأثير، وتشمل: القناعات والانطباعات، الإدراك التنظيمي، بناء العلاقات. (4) الإدارية، وتشمل: تطوير الآخرين، الحزم والالتزام، العمل الجماعي والتعاون، وقيادة الفريق. (5) الذهنية، وتشمل: التفكير التحليلي، التفكير الإدراكي. (6) الفعالية الشخصية، وتشمل: التحكم في الذات، الثقة بالنفس، المرونة، الولاء للمؤسسة. وعموماً فإن هذا الأسلوب يضع خطاً فاصلاً بين الموظف الممتاز والموظف المتواضع، مع ملاحظة أن مصداقية أسلوب الجدارة لا يتحقق إلا عندما يتمتع الموظف بدرجة عالية من القدرة على الابتكار والإبداع والحرية. ومن تطبيقات الجدارة في الجانب العملي : التوجيه للإنجاز، وخدمة العميل، والتأثير، والتفهم في إطار أعمال الموارد البشرية، والمبيعات، والإنتاج، ضمن بيئة الأعمال المستقبلية والتي ستشهد معها تغييرات اقتصادية واجتماعية وتقنية تنافسية، مما يتطلب معه وجود موظفين يتميزون بمهارات ومعارف تخصصية عالية، ولهذا فإن دراسات وبرامج الجدارة الوظيفية تختلف من شركة أو مؤسسة إلى أخرى، ومن وظيفة إلى أخرى، وذلك تبعاً لاستراتيجيات وخطط عملها، وذلك سيساعدها في عمليات الاستقطاب والاختيار، والتدريب والتنمية المهنية، وتخطيط وإدارة المسار الوظيفي، وتقويم الأداء، استناداً إلى بيانات موثوق بها، وإلى خريطة القدرات والإمكانيات التي تحدد ما يمتلكه الموظف من جدارات، وما تحتاجه الوظيفة، وتوجيه الجهود التدريبية والإدارية لسد فجوات الأداء، ووضع مؤشرات قياسية متدرجة لتقويم الأداء بطرق حديثة. دكتوراه الفلسفة في التدريب والتنمية الإنسانية. [email protected]