رحلتنا هذه المرة ستكون في أعماق قصيدة (الهرُّ الظريف) للشاعر/ الدكتور محمد عبده غانم, فرغم صغر حجم هذه القصيدة، إلا أنها لخّصت قضية اجتماعية تتكرر بين البشر في أكثر من مكان بشكل أو بآخر وكيف يذهب كثير من الناس ضحية مدحٍ كاذب، زائف يتدثّر بالصدق لكنه في الحقيقة عارٍ من الصدق.. تلخّص القصيدة مسألة هامة وهي كيف يتخذ بعض الناس من المدح والمجاملة والتزلّف والنفاق وسيلة لتحقيق مصالحه وغاياته وأكثر الناس جهلاً وأقلّهم حكمة ووعياً هم من يقع فرائس سهلة لهذه المدائح والإطراء الزائف الذي لا يمُت للصدق بصلة.. يقول الشاعر في قصيدته: رأى الليثُ هِراً صغيراً ظريفاً فقال له: أنت هِرٌّ ظريفْ ولم يكُ يعلمُ انّ الثناء سيجعل منه هُريراً سخيفْ يتيهُ إذا مامشى مُعجباً ويسحبُ أذيالهُ في الرصيفْ ويهملُ ما كان يصطادهُ من الفأر إنْ دار حول الرغيفْ ولو كان يعلمُ أنّ المديح سيطغيه كان اللبيب الحصيفْ فأمسك عن مدحِهِ مُشفقاً عليهِ من الكِبر غير اللطيفْ فكم قتل الكِبرُ هرّاً يُحاكي صيال الليوث العتيّ العنيف ما يحدث في عالم الحيوان من أشياء لا يختلف كثيراً عما يحدث في الوسط الإنساني .. هرٌّ ..صغير, ظريف ,لا حول له ولا قوة كلمة صغيرة من الليث صنعت من الهرّ حيواناً ضخماً, يملأه الزهو والخيلاء ,هو يعلم ذلك ولكن يحدث كثيراً أن ينساق الانسان ولن نقول الحيوان إلى كلام الإطراء, المنمّق ويأخذه التيه والكبر, لم يكن يعلم الهر أنه سيدفع ثمناً باهظاً لهذا الثناء الجميل .. صدَّق نفسه إنه ذو شأن فراح يمشي مزهوّاً ويسحب أذياله برفق على الرصيف ,حتى صيده الذي كان يقتات منه تخلّى عنه..ترك صيد الفئران الذي هو طعامه المفضّل ليتفرغ للاعتناء بنفسه بما يتناسب مع ظُرفه وجماله..لكن الليث أشفق على هذا الهر من ان ينتهي به الأمر الى ماهو أسوأ من هذا..فكفّ عن مدحه لكي لا يتبدّل به الحال وتضطرب حياته من جراء ذلك..ونصل في نهايه المطاف الى خلاصة مفادها :ان الكِبر سمٌّ زُعاف ذهب ويذهب ضحيته الكثيرون وما حدث للهر هو نفسه ما يحدث في المجتمع..فأصبح المدح والنفاق أقصر الطرق التي يسلكها بعض الناس لتحقيق رغباتهم وأطماعهم..وكم من بشر وقعوا ضحايا كالهرّ الذي استهواه ثناء الليث فصنع منه كائناً آخر. لذا ينبغي على كل إنسان ان يعرف حجم نفسه ومقداره..ولا يحاول أن يتقمّص شخصية غيره حتى لو كانت مثالاً نادراً للتميّز..يجب ان تعتزّ بنفسك وألا تظهر بغير مظهرك الحقيقي الذي يميّزك عن غيرك..بإمكان الانسان أن يسعى الى تغيير وتحسين وضعه الإجتماعي والثقافي والمعيشي عبر طُرق صحيحة تساعده على ان يتبوأ منزلة رفيعة في المجتمع..وهذا لا يتأتى عن طريق تقمّص شخصيات أخرى أو تقليد سلبي لا يزيد الأمور إلا سوءاً. [email protected]