موسيقانا وأغانينا اليمنية قديمها وحديثها مازالت حتى هذه اللحظة تعتمد على آلة العود والإيقاعات فقط دون غيرها من الآلات الموسيقية لماذا؟!. سؤال يحتل مساحة من تفكيري. أبحث له عن إجابة مقنعة ومنطقية منذ سنوات ومازلت لم أصل إلى جواب يفي بالغرض أو يقترب منه نظراً لازدحام الأفكار وتنوّعها وتقاربها حيناً وتباعدها حيناً آخر، وهذا ما جعلني أعود بالذاكرة إلى الوراء وأستعرض واقع الحركة الفنية الموسيقية والغنائية اليمنية خلال الأربعين سنة الماضية؛ أي من بعد قيام الثورة اليمنية المباركة، حيث يلاحظ أن هناك بدايات تبشّر بميلاد نهضة موسيقية وغنائية نشطة ومتسارعة النمو، والظهور بخطوات تسابق الزمن لتعويض ما فات ومواكبة مستجدات الحاضر، وتستشرف أفاق المستقبل؛ وذلك من خلال ظهور مجموعة من الأصوات الغنائية والملحنين والموسيقيين وشعراء غنائيين مبدعين أسهموا بفاعلية في وضع اللبنات الأولى لصرح الإبداع والتجديد نذكر من هؤلاء الرواد الفنان والشاعر والملحن محمد سعد عبدالله ومحمد مرشد ناجي ومحمد محسن عطروش واسكندر ثابت وعلي بن علي الآنسي ومحمد حمود الحارثي وعلي عبدالله السمة ومحمد صالح حمدون وفيصل علوي وعبدالكريم توفيق وأيوب طارش وغيرهم من الفنانين والملحنين المبدعين وهم كثيرون. وتلت هذه الخطوة خطوة أخرى مهمة وهي إنشاء العديد من الفرق الموسيقية على مستوى الوطن نذكر منها الفرقة الحديثة الموسيقية، الفرقة العربية، فرقة الشرق فيمحافظة عدن، فرقة الندوة اللحجية (لحج) وفرقة نادي الفنون الشعبية بمحافظة الحديدة، وفرق موسيقية أخرى في مدينة المكلا وسيئون بمحافظة حضرموت وأبين وتعز، ضمّت في عضويتها أمهر العازفين على مختلف الآلات الموسيقية، وقد أسهمت هذه الفرق في إثراء الساحة الفنية اليمنية بأروع الألحان والأعمال الغنائية المتميّزة من خلال مشاركتها في إحياء العديد من الحفلات والسهرات الفنية والمهرجانات الوطنية التي كانت تقام في الميادين والساحات العامة والمسارح ودور السينما في العديد من المحافظات اليمنية إضافة إلى مشاركة الفرق الموسيقية المذكورة في تمثيل اليمن في العديد من المهرجانات والفعاليات الفنية العربية والدولية. وهذا ما ساعد على خلق جو من التنافس والتسابق في تقديم كل ما هو جديد ومبتكر، وما تحتويه مكتبة إذاعة وتلفزيون صنعاءوعدن من كنوز فنية من تسجيلات سمعية ومرئية خير شاهد على ما تم إنجازه من إبداعات رائعة في السنوات الماضية، وما أشرنا إليه في السطور السابقة هو غيض من فيض لا يتسع المجال لذكر كافة التفاصيل والمراحل التي رافقت بدايات تأسيس النهضة الموسيقية والغنائية منذ قيام الثورة اليمنية المجيدة حتى بداية التسعينيات، وللإستزادة أدعو القارئ الكريم إلى قراءة «موسوعة الغناء اليمني» الصادرة عن دائرة التوجيه المعنوي والسياسي، للاطلاع على حجم الجهد المبذول وما أنجزه جيل الرواد من فنانين وملحنين وموسيقيين وشعراء من إبداعات رائعة تشكّل جزءاً مهماً في مسيرة تاريخ الموسيقى العربية المعاصرة. وما نشهده اليوم من خلال المتابعة واستقراء واقع الحركة الفنية الموسيقية والغنائية نجد أن الكثير مما يقدم الآن عبر الوسائل الإعلامية السمعية والمرئية أو ما تقدّمه شركات الإنتاج والتوزيع الفني الخاصة يشكل تراجعاً لافتاً يشوّه ويطمس كل ما هو جميل ورائع ومتجدد ومبتكر ولا يرقى إلى مستوى البدايات التي أسسها جيل الرواد، حيث كنّا السباقين في تصدير إبداعاتنا إلى دول الجوار معتمدين على مخزون هائل وموروث غنائي وشعري متعدّد الأولون والأشكال والقوالب اللحنية استفاد منها الغير وانطلقوا من خلالها إلى العالم، ونحن لم نتجاوز دائرة تفكيرنا المتراجع إلى الوراء.. ويبقى السؤال: تُرى من هو المسؤول؟!. 1 - هل هم أصحاب الشأن من فنانين وملحنين وموسيقيين وشعراء الأغنية ومثقفين ومهتمين؟!. 2 - أو وزارتا الثقافة والإعلام؟!. 3 - أو الإذاعات والقنوات القضائية اليمنية؟!. 4 - أو شركات الإنتاج والتوزيع الفني؟!. وفي الأخير نترك الموضوع مفتوحاً للنقاش حتى نصل إلى الإجابة الشافية التي تساعدنا على معرفة مكمن الخلل والخروج بتصوّر يتضّمن الحلول المقنعة والمنطقية.