{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} «71» «سورة مريم» في معنى دقيق جداً هوَ أنَّ وُرودَ النار غيرُ دخولِها، ورودُ النار أن تطلِعَ عليها دونَ أن تتأثّرَ بِوهجِهِا، ما فائِدةُ أن يطلِعَ المؤمِنُ على النار قبلَ دخول الجنة؟ من أجلِ أن يرى عدلَ الله لأنّهُ في الدنيا أسماءُ الله كُلُها محققة إلا اسم العدل، الدنيا دار ابتلاء والامتحان نتائِجُهُ يومَ القيامة فأنتَ قد تجد إنسان غني وغارق في شهواتِهِ وفي معاصيه وعايش في بحبوحة كبيرة جداً وفي عِز وقد يموتُ على هذهِ الحال، وقد تجد إنسان ضعيف فقير غارق في الطاعة ومع ذلك حياتُهُ خَشِنة وقد يموتُ الاثنان، طيّب أينَ الجزاء؟ اللهُ يُكافئ بعض المُحسنين تشجيعاً للباقين، ويُعاقِب بعض المُسيئين ردعاً للباقين، ولكن الحِساب الدقيق الكامل يومَ القيامة: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.(سورة آل عمران الآية 185) فالإنسان: اسم القوي مُجسّد في الكون، اسم الغني واضح، اسم القدير واضح، اسم الرحيم واضح، لكن اسم العدل؟ الآن كما ورد عن رسول الله: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُمْلأُ الأَرْضُ ظُلْمًا وَجَوْرًا ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلأُ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلا * تجد شعوب بأكمَلِها تُشرّد من بيوتِها في البرد، في العراء، في الثلج، بِلا طعام ولا شراب ولا مأوى، ماذا أذنبت لأنّها قالت ربيَّ الله فقط، طيب معقول أن تنتهي الحياة هكذا، أُناس يعيشون في بحبوحة تفوق حد الخيال وأُناس يموتونَ من الجوع من دون ذنب ارتكبوه إطلاقاً، ففي الظاهر ظُلم شديد ويوم القيامة تُسوّى الحِسابات، تُسوّى ويُعطى كُلَّ ذي حقٍ حقّه، فمن أجلِ أن ترى بِعينِكَ عدلَ اللهِ عزّ وجل ترى في النار هؤلاء الذينَ عَصَوا ربهُم، هؤلاءِ الذين تجبّروا وتكبّروا، هؤلاءِ الذين عَتوا وبَغَوا تراهُم في النار، وفي معنى أبلغ: وقد يرى المؤمِنُ مكانَهُ في النار لو لم يَكُن مؤمِناً فتزدادُ سعادَتُهُ، يرى مكانَهُ في النار لو لم يَكُن مؤمِناً، هذا معنى قولِهِ تعالى: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا، يعني ورود النار غير دخولِها، دخولِها استحقاقاً أما ورودِها إطلاعاً، فمن أجلِ أن تزيدَ سعادة المؤمن في الجنة يسمحُ اللهُ لَهُ أن يرى حالَ أهلِ النار، هذا معنى هذهِ الآية. {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً (82)} (سورة مريم). يعني هذا من فِعلِ اللهِ عزّ وجل لِحكمةٍ بالِغةٍ بالغة، حينما تعتز بِما سِوى الله يُريدُ اللهُ أن يُؤدِبَ هذا الإٍنسان فيجعَلُ الأذى من قِبَلِ هذا الإنسان، هذا الذي عَبَدتَهُ من دونِ الله، يعني: “ما من مخلوقٍ يعتَصِمُ بي من دونِ خلقي أعرِفُ ذلِكَ من نيَتِهِ فتكيدُهُ أهلُ السماواتِ والأرض إلا جعلتُ لَهُ من بينِ ذلِكَ مخرجاً، وما من مخلوقٍ يعتصِمَ بمخلوقٍ دوني أعرِفُ ذلِكَ من نيَتِهِ إلا جعلتُ الأرضَ هويّاً تحتَ قدميه وقطّعتُ أسبابَ السماءِ بينَ يديه”. فقضية إنسان يعتز بِما سِوى الله كي يكونَ لَهُم عِزّاً، الذي سيكون أنَّ هذا الذي اعتززتَ بِهِ أنتَ أول ضحاياه ويُقاسُ عليها: “من أعانَ ظالماً سلّطَهُ اللهُ عليه”، قد تُعينُهُ بِشطرِ كلمة، قد تُعينُهُ بإيماءة (منيح هيك ساويت.. ماشي) هذهِ كلمة (ماشي) يعني أنتَ وافقتُهُ على عَمَلِهِ، سكتت تهيبتَ أن تنصَحَهُ، تهيبت أن ترفُض عَمَلَهُ، تهيبت أن تعترض، فوافقت ولو بالإيماءة “من أعانَ ظالماً سلّطَهُ اللهُ عليه” حتى العلماء قالوا من أعطاهُ قلم كي يوقّع أعنتَهُ، أعطاهُ ورقة أعنتَهُ،.. أبداً.. إذا في ظُلم ابتعد، لا تُعطيه لا قلم ولا ورقة ولا تهُز بِرأسِك ولا تعمل إيماءة موافق.. أبداً.. ولا أي كلمة.