ونحن قد استشعرنا رحمة ربنا ولمسناها فى أمور كثيرة ونرجو دوامها والفوز دائما بها . لماذا تسرع بالرحيل؟ ونحن قد زاد طمعنا كل ليلة فى مغفرة ربنا وكلنا فيه ثقة وكلنا نظن فيه الظن الحسن ولم لا وهو القائل : «أنا عند ظن عبدى بي». لماذا تسرع بالرحيل؟ ونحن قد وجدنا فى أنفسنا أماناً جَعلنا نرجو ربنا وندعوه أن يعم به على بلادنا وبلاد المسلمين أجمعين. لماذا تسرع بالرحيل؟ ونحن قد تلمّسنا نجاحاً وتوسمنا فى ربنا نجاة من نيرانه ومن عذابه ومن خزيه. ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسرع بالرحيل؟ ونحن الذين تعايشنا فيك مع المقصد العظيم منك وهو التزود بالتقوى .فأنت الهُدى للمتقين وأنت الهدى للسالكين وأنت الطريق لأصحاب الميامين .مهلاً نريد أن نعيش حياة فيك مع التقوى التى جمّلَها إمام المتقين عليا رضى الله عنه وأرضاه بقوله : التقوى: الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والقناعة بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل .أمهلنا أيها الحبيب نريد أن نوثّق خوفنا من الله نريد أن ننتهى عما نهانا ونتدرب على كيف يكون الخوف من الجليل . أمهلنا أيها الحبيب نريد أن نعمل بتنزيل ربنا بقرآنه العظيم الذي نزل فيك , أمهلنا قليلاً نعيد ختمه ونتشرب معانيه ونتزود بأخلاقه .أمهلنا أيها الحبيب نريد أن نتدرب فيك على أن نقنع بما يعطيه لنا ربنا ونعتقد أن ماأعطانا خالقنا ماهو إلا المكتوب لنا وأن أهل الأرض لو اجتمعوا على أن يضرونا بشيء فلن يكون إلا بالذي قد كتبه ربنا علينا ولو اجتمعوا على أن ينفعونا بشيء فلن يكون إلا بالذي أراده لنا . أمهلنا أيها الحبيب .. نريد أن أن نتدرب فيك على برنامج الاستعداد ليوم الرحيل من دنيا لاتساوي عندالله شيئاً , حقيرة ذليلة , من أرادها أعطاه الله إياها ومن تزهّد فيها ورغب فيما عندالله أعطاه الله خيري الدنيا والآخرة . دعنا قليلاً.. نستعد لتلك اللحظة الفارقة فى حياتنا والتى من بعدها سيتحدد المصير إما الى جنة – جعلنا الله والمسلمين جميعاً من روادها – أو إلى نار – أعاذنا الله وآبائنا وأمهاتنا وزوجاتنا وأبنائنا والمسلمين منها - ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسرع بالرحيل؟ فرُبّ كلمة بسيطة أو موعظة عابرة من إمام في المسجد بعد الصلاة أو قبلها أو بينها – رُبّ هذه الموعظة تحقق لنا آمالاً وتسعدنا سنين وتنجينا نجاة وتزحزحنا عن النار وتبعدنا.فالخطباء والعلماء والوُعّاظ فيك يتحفونا برقائق , ويلهبوا مشاعرنا فى دقائق , ويأخذوا بأيدينا لنرى المصفوف من النمارق , ويصعدوا بنا إلى السماء فوق الخلائق , ويقربونا إلى الله الكريم الخالق . دعهم قليلاً .. أيها الحبيب فمواعظهم فيك لها مذاق محسوس ملموس قد يختلف عن غيرك من الشهور.. فمجرد أن يصدح الواعظ بتوجيه أويوجه بإرشاد أو يُرهّب من نار أو يُرغّب فى جنه , تجد آذاناً صاغية ونفوساً كلها طواعية , وكأن الطير قد وقعت على الرؤوس وتجد الجميع يسرح مع رب عظيم كريم قدوس .ماذا فعلنا بك أيها الحبيب حتى تسرع بالرحيل؟ فالنافلة فيك بفرض والفرض فيك بسبعين ..أنجد خيراً مثل ذلك فى غيرك من الشهور؟ بالطبع لا ،إذن حنانَيك علينا صبراً قليلاً .. نريد زيادة الرصيد ليوم الحساب ليوم الوعيد . نريد التمرّس فى هذه الروضة العجيبة من الحسنات المجيدة .. دعنا أمهلنا انتظر قليلاً. نراك عزيزاً فى الوصول عزيزاً عند الإستضافة وكأنك تعمل بالحكمة التى تقول : زُر غُباً تزدد حباً. أتريد أن نزداد لك حباً؟ نحن والله نحبك ونعشقك ونحب لياليك وفجرك وظهرك وعصرك ومغربك وعشاءك ..لقد تيّمْتَنا فى حبك يارمضان .. ثم تفاجأنا هكذا بانصرام أكثر من نصفك ..ألست أنت الذي قَدِمْتَ حالاً ومن ساعات قليلة تُلقي علينا سلامك وتبهج أيامنا بعظيم مقامك وتسعد نفوسنا بجميل حنانك؟.