Habib Abdulrab موقع العلم يختلف كثيراً في حياتنا وحياتهم. أمثلة: 1) في استفتاء شعبي بديسمبر الماضي عن أهم الأحداث (على مختلف الأصعدة) التي عرفها العالم منذ بدء الألفية الثالثة، كان الحدثان الأول والثاني اللذان اختارهما الناس هنا: اكتشاف جسيم بوزون دو هيجز العام الماضي، ووصول روبوت كيريوزيتي للمريخ في صيف نفس العام. 2) في استفتاء أمس عن أهم برنامج إذاعي في إذاعة فرنسا الدولية، كان الاختيار الأول: برنامج “على أكتاف داروين” (برنامج يذاع كل سبت من 11 إلى 12، يشرح كل جديد الاكتشافات العلمية، وبشكل خاص اكتشافات البيولوجيا الحديثة، المؤسسة على نظرية داروين، الذي يعتبر في الغرب، مع آينشتاين، أعظم من رفدا العلم الحديث...) كان الاحتفال بعام داروين، 2009 (قرنان على ميلاده وقرن ونصف على ظهور “أصل الأنواع”)، مملؤا بنشاطات علمية وثقافية لم أعرف مثيلا لها... (فاقت كماً ونوعاً احتفالات 1989: مرور قرنين على الثورة الفرنسية!). 3) “الأدب أيديولوجية العلم” هو التعريف السائد. يحتاج ذلك إلى شرح مطول، سأعود له مرة أخرى... 4) بس الأمتع: أحد زملائي في العمل اشترى لجده الذي فقد بصره (97 سنة)، قبل أشهر، كتاب “أصل الأنواع” مقروءا على سيدي روم، ليسمعه جده بعد أن فقد البصر... بالنسبة لي أرى أنه بالغ قليلا... في محل جده، أفضل أن يهديني حفيدي سيدي روم تتلى فيه الإلياذة، أو ألف ليلة وليلة، أو الأوديسة، أو رسالة الغفران، أو الكوميديا الإلهية... سماع هذه الكتب قبل النوم أفضل في رأيي من سماع “أصل الأنواع”، حتى وإن سافرنا في صفحاته عبر سفينة يبجل حول الأرض، وتوقفنا في لحظة جوهرية حاسمة في أرخبيل الجلاباجوس!... وليد الاباره الذاكرة السمينة إنه عصر إمبراطورية الاعلام المعولم ،كل شيء حولنا اصبح له لسان يثرثر به ويقرأ على مسامعنا الاخبار المحلية والدولية ،وموجز الساعة والمنتصف والدقيقة والثانية ، الخ. فضائيات وصحف وإعلام الكتروني بعدد همومنا ومشاغلنا اليومية تحشر يومياً في اّذاننا مئات الجمل المسمومة واّلاف الكلمات الغنية بالكلسترول . الوجبات السريعة المعدة في أفران الشركات التابعة لآلة السوق الاوحد تصيب الذاكرة بالسمنة المفرطة ،لدرجة أنه قد يخيل لأحدنا ان مؤخرة جاموس بري حلّت محل الذاكرة في الجمجمة المستديرة . وللتخلص من الدهون كان لابد من اتباع نظام الحمية الاعلامية للحيلولة دون إجراء العمليات الجراحية بالغة التكلفة والخطورة . الحمية الاعلامية تعني ان كنت تريد ان تعرف حال المواطن والوطن فما عليك سوى الاستماع لبكائيات البردوني ،ان كنت تريد ان تعرف حال القدس وحيفا فاصغي جيداً للدرويشيات ،ان كنت تبحث في امتداد الخارطة العربية عن دمشق و بغداد ولم تجدها فأبحث عنها على أمتداد ابيات شوقي والجواهري ولن تخطئهن البتة. الانبياء هم رسل الحقيقة وضمير الانسانية ،والكتب التي تطوي صفحاتها أنات المكلومين وسبل التخلص من الاغلال والظلام تغدو فراديس الحياة اللائقة بعدالة العادل جلّ شأنه .