سنّة كونية وفق نظام كوني دقيق تتبادل فيه الأحداث في حياة البشر بين فرح وحزن، حياة وموت، ضحك وبكاء، إنها تدابير القضاء والقدر التي يجب على كل إنسان أن يؤمن بها ويتعامل معها بذكاء وحنكة. التعامل مع المواقف المؤلمة في حياة البشر يتطلّب الوعي بالذات والإيمان بقوله تعالى: “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” واليقين التام أن الحياة الدنيا ما هي إلا دار ابتلاء. كثير من الناس حين يصابون بأذى يلجأون إلى وسيلة دفاعية سلبية تؤدّي بهم إلى المعاناة وزيادة نقطة الألم دون وعي منهم، والمكوث في دائرة مغلقة من الألم والحزن، واعتزال العالم والشلل التام عن ممارسة الحياة اليومية بالشكل المعتاد، وتعطيل أعمالهم. الإكثار من الشكوى والعيش في دائرة الألم من ألذ الأعداء للراحة والاستقرار والسلام الداخلي، حيث إن النفس البشرية تميل إلى التلذُّذ بتذكُّر تلك المواقف المؤلمة والعيش في اللوعة والدموع وتكرار سيناريو المشهد الحزين والمكوث ليالي طويلة في خشوع وتعبُّد للألم والحزن..!!. إيمان المرء الحقيقي يكمن في كيفية استجابته لتدابير القضاء والقدر والتعامل معها، إن الله سبحانه وتعالى يبتلي العبد ليُمَكِّنَه في الأرض، وبقدر قوة الصبر والتحمُّل تكون المنحة التي يحصل عليها. لو تأمّلنا قصص الأنبياء وسير الصالحين والعظماء من قبلنا والمعاصرين منهم ممن كان لهم شأن عظيم في هذه الحياة؛ وأصبحت آثارهم خالدة على مر العصور لوجدناهم أكثر ابتلاءً من غيرهم، نبينا يوسف عليه السلام يغدر به إخوته ويُترك في البئر غلاماً ويُسجن سنيناً طويلة ثم يُعيّن على خزائن الأرض. عام الحزن وحده كفيلٌ بأن نأخذ منه العبرة ونستمد منه الصبر في مواجهة آلام الحياة وصعوباتها، سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام بعد أن عاش يتيماً فقد عمه أبا طالب الذي كان سنداً له وزوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها في عام واحد، واشتد عليه أذى قريش في ذلك العام الذي أسماه «عام الحزن» ثم أتاه اليُسر والمنحة الإلهية برحلة الإسراء والمعراج، ليعلم ويُعلّم البشرية أن بعد العسر يسراً، ومع ذلك العسر لم يتقاعس لحظة واحدة عن أداء دوره على أكمل وجه في نشر الدعوة الإسلامية. لكل بشر في هذه الحياة أحزان وآلام ومواقف صعبة؛ لكنهم مختلفون في مواجهتها وكيفية الاستجابة لها والتعامل معها، كما فعلت هذه المرأة صاحبة الإرادة القوية التي تعرّضت لأشد التعذيب الوحشي في السجن بتهمة «التحريض ضد حكم العسكر» وعُذّبت بالكهرباء والإغراق في الماء لمدة 22 يوماً، وأصيبت بمرض السرطان في الغدد الليمفاوية وتمكّنت من قهر كل تلك الآلام، وشغلت مناصب كثيرة في الدولة إلى أن وصلت إلى كرسي الرئاسة في يناير 2011م، إنها رئيسة البرازيل ديلما روسيف، وهي أول امرأة تتولّى قيادة البرازيل. أحب أن أنسى ولكن.. أين بائع النسيان..؟! قالها زكي مبارك إعلامي وأديب مصري، كن أنت ذلك البائع الذي تبحث عنه لتشتري عالم النسيان وترسل إليه أحزانك وآلامك. كن مبادراً وساعياً إلى الإيجابية، وتعامل مع أحزانك برضا تام وإيمان عميق أن الابتلاءات سنّة البشرية، أن الحياة رحلة قصيرة فيها المطبّات والطرق الوعرة، كما فيها السهول والأنهار العذبة، الجمال الحقيقي لتلك الرحلة يكمن في التنوّع الأخاذ لطقوسها ومناخها. للتعامل مع الأحزان فنون لا يتقنها إلا من كان متمرّساً في صناعة الحياة والسير وفق رسالة ورؤية محدّدة، وأن يكون لك أهداف عظيمة تسعى وراء تحقيقها كفيلة بإشغال النفس وإخراجها من دائرة الأحزان ومعبدها المحاط بالنيران والخشوع المطلق خارج نطاق الحياة، كما أن وجود صديق مخلص تثق فيه وتبوح له بمكنون صدرك من ألم وحزن وعدم التفرُّد بالنفس أمرٌ مهم لإخراج ما ضاق صدرك عن تحمُّله. تعلّم ثقافة العطاء والعيش في سبيل الله خارج نطاق الذات الأنانية لتأخذ بيد غيرك وتعيش طبيباً لهم في مجال تخصُّصك وفق مهاراتك الممكنة، ابتسامتك لهذا، وتحفيزك لأولئك وتصدقك على من أرهقتهم ظروف الحياة بنشر قيم الحب والتسامح والإيجابية. ربما عمل صغير لم تعطه جل اهتمامك قد يصنع فارقاً في شاب يائس ضلَّ طريق الصواب، كلمة تحفيز منك قد تصنع قصة نجاح لشاب أصابه فتور الطريق في رحلة الحياة، أن تكون معطاءً لا يكلفك أكثر من رغبة في العطاء ومد يد العون إلى الآخرين وصدق في النية، وبالمقابل ستحصل على نفس الأشياء دون مقابل؛ لأن من أجمل ثمرات العطاء مبدأ ما زرعت تحصد. وتذكّر دائماً: كن مبادراً، واسع إلى نشر الإيجابية، وكن فاعلاً، مؤثراً، مُسهماً في مشروع نهضة الأمة، وتمسّك بثقتك بالله عزّ وجل والإيمان العميق أن بعد العسر يسراً، وأن بعد الليل الطويل صباح مشرق بالأمل والبهجة والفرح. مدرّبة في التطوير والتحفيز الذاتي [email protected]