عادة تعاطي القات ((التخزين)) عادة يمنية قديمة اشتهر بها اليمنيون , وعلاقتهم بالقات علاقة حميمة ووطيدة من نواحٍ عدة تبدأ بزراعته وريّه والحفاظ عليه ثم قطف أغصانه المستوية الطرية وما يصاحب ذلك من تفنّن في التخزين ((تعاطي القات)) والكيف الذي يحصل عليه ((المولعي)) والذي يدفع متعاطي القات- في بعض الأحيان – إلى أن ينفق كل ما بحوزته للحصول على أجود أنواع القات … قصة اليمنيين مع القات تطول كثيراً خاصة إذا جاء الحديث عنها من كل نواحيها وأطوارها.ولكن يكفي أن نشير في هذه العجالة إلى علاقة القات بالشعراء الشعبيين.. وكيف أنه يفجّر قرائح البعض فتجود برائع الشعر الشعبي وجميله .. فالنشوة التي يحدثها أو التي يحصل عليها الشاعر المخزّن تجعل الشعر يجري في فمه جرياً وتنساب أبياته وقصائده دفاّقة كالجدول الرقراق.. هذا من ناحية ومن ناحية ثانية يرى بعض الشعراء أن القات على الرغم من نشوته المؤقتة التي يتركها في النفس إلا أن ذلك لا يلغي النظرة الساخطة عليه ومن أنه عادة وظاهرة اجتماعية ضارة لا تقتصر على ناحية واحدة فحسب بل إن أضراره متعددة , فهي أضرار صحية واقتصادية واجتماعية وغيرها.. ولذلك تذمّر منه بعض الشعراء وأكدوا أنه عادة ضارة يجب أن تُحارب وتُنسف.. ونحن في هذا السياق سنورد بعض ما قاله الشعراء الشعبيون على وجه الخصوص في القات سلباً وإيجاباً فبغض النظر عن سلبية أو إيجابية هذه العادة .. إلا أن طريقة تناول الشعراء لها هي ما يجعلنا نفرد هذه المساحة المتواضعة لنقف عند جمال هذا التعاطي الشعري وخصوصيته ، وكيف استطاع الشعر الشعبي أن يبلور هذه القضية في قطع شعرية غاية في الجمال والإبهار .. فهناك ((موالعة)) كبار ومن العيار الثقيل ومن العسير أن تقنع أحدهم بأن يكفّ عن تعاطي القات .. أو تقنعه بأن هذه العادة ضارة به ولا جدوى من تناول أغصان القات ومضغها. فالشاعر عبّر عن هذا النوع من (الموالعة) الذين يدافعون عن القات ويمجّدونه قائلاً : كل ما شئت من دنيا وآخره وجلب خير ودفع للمضرّاتِ أما ترى قلم الرحمن خطّ على أوراقه لفظ الجلالاتِ وكما قلنا : إن القات شد اهتمام الشعراء الشعبيين لأنه أيقظ حماسهم وأسال في مشاعرهم دبيب النشوة واللذة .. فتغزّلوا به وبأماكن زراعته ووجوده .. فهذا الشاعر الشعبي صالح محمد الأشول يقول : قم شد خيلك وسافر النادرة هي جميلة شا تستريح في رُباها جوّ الربيع في هواها لابد لك ماتراها مالك من الوصل حيلة القات مجناه ذلحين نصدّره بالملايين محلى السمر في الدواوين تعال نسمر قليلة وفي الصباح يوم ثاني نخرج سطوح المباني نقطف بذور المجاني والطير نسمع زجيله ومهما يكن من أمر يظل القات تلك الآفة التي تتأرجح بين الرغبة والكراهية وبين الحلال والحرام .. ويظل في عُرف متعاطيه السحر الأخضر والضرر الذي لابد منه وكما قلنا : إن القات فجّر قرائح الشعراء فكم يطيب الشعر والغناء مع طعم القات وكم هي رائعة تلك الجلسات والمقايل التي يجتمع فيها القات والشعر والغناء .. فهذا الشاعر أحمد فضل القمندان يقول في إحدى قصائده: هل أسمعك فضل يوماً في الغنا ما أعاني وكيف صاد المها قلبي وماذا شجاني وأنت بالعود تتهنّى وطعم المثاني فهل دعاك الهوى يوماً كما قد دعاني؟ ويقول في قصيدته الغنائية الجميلة ((نُجيم الصباح) نُجيم الصباح أيش جلّسك بعد ما قُمنا سامر على الورد والحنا سامر على الفن والمغنا هذا مبرّح وذا مثنى إعطف على الصاحب المُضنى وكلّما عوّدوا عُدنا وفي نفس هذه القصيدة الغنائية مقطع آخر يقول: نُجيم الصباح شوّع غبش فوق غصن القات وذي الهوى أمرها هيهات تعزف لنا من هوى حُقّات بتنا ثمالى من الساقين وكم يحلو السمر وتصفو الليالي بهدوء وسكون نادرين تتجلّى روعتهما مع أغصان القات المنتقاة بعناية.. وخاصة القات المثاني المعروف بلذته وجودته .. هذا الجو النفسي الجميل عبّر عنه القمندان بهذا المقطع الذي يقول : لمّا متى با يظل القلب في الحب صابرْ على سهام اللواحظ والسيوف البواترْ يُمسي مع النجم لا يهجع مدى الليل ساهرْ يذكر أحبّة رُبى الوادي وقات المثاني وهذا شاعر آخر يرمي بنصائح من يسدي إليه النصح عرض الحائط ويؤكد حتمية حصوله على القات حتى لو كلفه ذلك حياته.. فالأحرى بمن يحاول أن يثني عزم المولعي عن شراء القات أن يموت غيظاً وكمداً.. فيقول: زمّرداً يقطف الأصحاب منه قاتا يصفو به العيش أحياناً وأوقاتا يا عاذلي عن حصول القات مُتْ كمداً لانترك القات أحياءً وأمواتا وإذا كان القات يقد حظي بحب الكثير من الشعراء الشعبيين ومدحهم إلا أنه بالمقابل أيضاً نال نصيباً وافراً من الذم والقدح وعدّه بعضهم خسارة للمال والصحة، يُحدث في حياة الانسان اضطراباً ويساعد على تغيير أطواره.. فالشاعر الشعبي محمد بن محمد الذهباني يقول في ذلك: وآكل القات مودف يومه وليله خسارة بالقات يبقى مكيّف والشغل ينسى ثماره حين يذبل القات يحلف لايقطفه طول دهره يبقى لذقنه ينتّف كم قد أكل من ضماره والليل تبقى منشّف وهمّتك مستعارة والصبح تصبح مغفغف للأكل مابُش حرارة فالمقطع السابق يلخّص حالة الأسى والحزن التي تصيب المخزّن بعد الانتهاء من تعاطي القات ويصور الحالة البائسة التي يصل إليها متعاطي القات.. وهذا الشاعر كور سعيد يرى أن نهاية القات قد حانت ويجب اجتثاث هذه الشجرة الخبيثة من أرضنا لنعيد مجدنا القديم مع شجرة البُن ونستعيد ثقتنا بأنفسنا، تلك الثقة التي سلبتنا إياها شجرة القات فيقول: نهاية قصّتك يا القات حانت أيّها القاتل ألا يا صاحب المدكا وهياّ لامتى داكي شع الحالة تُبا مركا بديل القات والعاكي دريت انك عليك الدَّيْن له في الحكومة شاكي دريت الكهرباء مقطوع وجارك منزله زاكي مطفري ماكسيت ابنك ولو قطعة من الكاكي مخزّن والمرة تبكي وإبنك جنبها باكي خربت البيت بالتخزين وانته تحسبه واكي ألا يا ذاك شل الخنزرة وازرع بديل القات ليحيا شعبنا ويموت كيد الأجنبي والقات