وحدها الأرض الخالية من التجمعات السكانية تشهد هدوءاً و استقراراً دائم؛ فحيثما وجد بشر – في أي بقعة من بقاع الأرض – كان هناك نزاعات و صراعات و اختلافات. و إن من المهم بمكان الإقرار بدايةً أن النزاع يعد جزءاً أصيلاً من حياتنا اليومية لا يمكن الهرب منه أو تجاهله، موجودٌ في كافة مناحي حياتنا.. داخل مؤسساتنا، أسرنا، جامعاتنا.. موجود على مستوى الأفراد و بين الجماعات البشرية، كما أنه يوجد بين الدول أو حتى على مستوى التحالفات الدولية، متعدد المستويات و الأبعاد، كما أنه في حالة ديناميكية تجعل من التعامل معه في اللحظة المناسبة وبالطريقة المناسبة أمراً ضرورياً للاستجابة و التعامل البناء معه. ولقد ذهب البعض للقول بأن النزاع أمر حتمي يتم بفعل التفاعل الدائم بين الأطراف و التواصل مع الآخرين. وفي ذات الوقت الذي يعتبر النزاع نتاج من منتجات التفاعل الإنساني، فإن المشكلة لا تكمن في وجود أو عدم وجود النزاع بقدر ما تكمن في الطريقة التي تتعامل بها مع مواقف النزاع. فليس المعيب أن نختلف في تصوراتنا أو أن نتنازع في تحقيق إرادتنا فحن لا نتفق في رؤيتنا للأشياء و الاختلاف صبغة بشرية مسلم بها و في بعض الأحيان مطلوبة لما فيه من إثراء للأفكار، لكن قد يكون الاختلاف – في بعض الأحيان – سبب نشوب خلاف؛ و الخلاف يعد ظاهرة سلبية قد يتحول إلى مشكلة، فتكبر وتتفاقم لتنفذ من الأفراد إلى مجموعات حتى أنها قد تشمل أفراد و جماعات آخرين غير معنيين و قد يؤدي ذلك إلى كوارث. و بما أنه لا يمكن تجنب النزاع فعلينا أن نتعلم كيف نديره، و من هذا المنطلق ظهرت القوانين الدولية و المحلية و الأعراف المجتمعية التي تتعامل مع النزاع. وتعددت وسائل التدخل لحله من التفاوض إلى الوساطة إلى التحكيم و غيرها، بل و في حالات العنف التي نراها هنا و هناك هي واحدة من صور فرض الحل بالقوة. هنالك فرصة و هنالك تهديد في طريقة تعاملنا؛ فإذا ما أحسنت طريقة التعامل كان النزاع ونتائجه أمراً محموداً و محبذاً، و إذا ما تم التعامل معه بالوسائل العنيفة من خلال لوم الآخرين أو عدم الاعتراف بوجوده و بتعصب كلاً منا لروايته و الاعتقاد بامتلاك الحقيقية المطلقة و غيرها من الوسائل الهدامة في التعامل مع النزاع فإن النزاع في هذه الحالة أمراً سلبياً و غير محمود. لذا أن فهم و إدراك و تشخيص النزاعات المجتمعية يعتبر أمراً هاماً و ضرورياً، كما أن تحليل النزاع و تحديد نمط التعامل مع مواقف النزاع المجتمعي يعتبر ضرورة لنمو و تقدم المجتمعات. لذا أن التعامل مع حالات الخلاف النزاع بمختلف أشكاله في بدايته سيكون إجراء وقائي للحد من النزاع الذي يعد ظاهرة اجتماعية طبيعية، فالأوضاع السياسية الحالية في العالم أجمع وفي المجتمع العربي على وجه الخصوص بالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية المتردية بجانب العوامل الاجتماعية و الثقافية تعد أسباب رئيسية في تكون النزاعات وما حدث في دول الربيع العربي خير شاهد على ذلك. وفي اليمن يعد النزاع ظاهرة منتشرة و متفشية بمختلف صورها و أشكالها بجانب غياب ثقافة الحوار و التسامح مما أدى إلى مزيد من الصراعات، وإن محافظة إب على وجه الخصوص نجد فيها حالات استنفار و عنف مستمرين مما أدى إلى الحاجة لوجود تماسك اجتماعي. و ضمن هذا الإطار قامت جمعية ملتقى إبداع الشبابية مؤخراً بالشراكة مع منظمة شركاء اليمن – برنامج ستاند بتنفيذ مشروع التماسك الاجتماعي من خلال بناء قدرات الفئات الأكثر تأثير في المجتمع ( الخطباء و الإعلاميين) وبمشاركة منظمات المجتمع المدني و النشطاء المجتمعيين على مهارات إدارة النزاع و بناء السلم الاجتماعي و العمل على نشر ثقافة الحوار والتسامح؛ حيث قام الخطباء بإلقاء خطب والإعلاميين بعقد جلسات نقاش إذاعية كلها تتناول مواضيع تعمل على تعزيز السلم الاجتماعي، كما قامت الجمعية بتوزيع برشورات توعوية بالسلم الاجتماعي على المجتمع المحلي (محاكم، جامعات، مدارس، مكاتب تنفيذية، و على المصليين بعد صلاة الجمعة). ونأمل أن توجد مثل هذه المبادرات الطيبة التي تعمل على إحداث تماسك اجتماعي أكبر لدى المجتمع في ظل الأحداث الحالية من أجل تحقق التنمية و الرفاه في المجتمع.