الروح, النفس, القلب, الفؤاد, العقل, الجسم, الجسد, مصطلحات يكثر الكلام حولها كما يكثر الخلط بين معانيها, وقد حاولت تتبع هذه الكلمات في القرآن الكريم لأجد الفوارق الدقيقة بينها من أهم مرجع لغوي وهو القرآن الكريم, لأني لم أسترح لتلك التفريقات التي انتشرت بين الناس عن هذه الألفاظ, خاصة بعد اتساع الهوة بين لغة القرآن ولغة الناس, حتى فقدت تلك الحساسية في اختيار الألفاظ, وأصبحنا نتداول أسماء لها دلالة مختلفة عن الدلالة التي وضعت لها, فماذا تعني هذه الكلمات في النص القرآني. الروح: جاء ذكر الروح في القرآن في 21 آية وعند تأملها جميعا وجدت أن معنى الروح لا يخرج عن ثلاثة معان: جبريل (روح القدس), والوحي الذي ينزل به جبريل (روحاً من أمرنا), والإلهام الذي يؤيد الله به الإنسان (وأيدهم بروح منه) ولو تأملنا في هذه المعاني الثلاثة سنجد أن الروح هو التأييد الإلهي للإنسان لكي يصل إلى طريق الهداية , سواء كان التأييد بجبريل أو بالقرآن أو بالإلهام. وقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85, إذا فسرت في ضوء السياق القرآني للروح فإن السؤال سيكون عن جبريل لأنه المكلف بنزول الوحي , فكان القوم يستغربون من هذا الذي ينزل بالوحي ومن هذا الذي رآه محمد مرتين مرة في غار حراء ومرة رآه في السماء كما حكت سورة النجم “ولقد رآه نزلة أخرى” فسألوا النبي عن الروح أي عن جبريل فجاء الجواب “قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي” ولأن الآيات التي جاء فيها لفظ الروح معرفا بأل كانت تعني جبريل. النفس: جاء ذكر النفس في القرآن في آيات كثيرة والقارئ للآيات يجد دون عناء أن المقصود بها ذات الإنسان فهي تشمل الإنسان بجانبيه الظاهر والباطن أي حياته المادية والمعنوية أي تشمل القلب والجسم كما سأبين. وأما ما ذكره البعض أنها مقابل الجسم عند الإنسان فهو نتيجة نقص الاستقراء في الآيات والدخول على الآيات بأفهام سابقة. القلب: القلب في القرآن هو ما يمثل جانب الإنسان الباطن أو يمثل حياته المعنوية, وهو الأداة للعقل أو الفهم أو للتفكر والتأمل, وهو أنواع فمنه سليم ومنه مريض ومنه منيب ومنه مطبوع ومن مختوم عليه ومنه الغليظ ومنه المتكبر ومنه المطمئن وعليه مدار الهداية والضلال وعليه ينزل الروح وعليه مدار التدبر أو الإقفال وعليه تنزل السكينة وله نطلب عدم الزيغ. باختصار فالقلب هو ما يمثل الشق الآخر للإنسان في مقابل الجسم, ومكان القلب الصدر ولا يقصد بالقلب تلك الغدة التي تضخم الدم. أهم وظائف القلب: 1 العقل: عقلت الناقة أي ربطتها حتى لا تهرب والعقل هنا أي منع الإنسان من المحظور والمنكر فله دلالة على الوازع أو على التنبيه والاحتراس. {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} الحج46. 2 الفهم والإدراك: فمن وظائف القلب أيضا الفهم والإدراك التي يناط بهما التصور السليم. {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} الأعراف179. 3 الحكم : يتأمل فيما يدركه ويقلبه على وجوهه -ولذلك سمي قلبا- ويستخرج من بواطنه وأسراره ويبني عليها نتائجه وأحكامه, بمعنى أن من وظائفه الحكم فإن صوابا فإنها حكمة وهو حكيم . {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }البقرة269. 4 الرشد: وهي استيفاء لجميع الوظائف السابقة وعليها مزيد من النضج والتمام والتميز بميزة الرشاد حيث لا نقص ولا اختلال. {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} الجن2 الجسم والجسد: جاء ذكر الجسم مرتين في القرآن وكلها بمعنى جسم الإنسان الذي ينبض بالحياة “{وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} البقرة247, {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ }المنافقون4. وهذا اللفظ أدق من لفظ الجسد لأن الجسد جاء في القرآن في المادة التي لا حياة فيها فهو أقرب للفظ الجماد {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } الأعراف148, {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ} ص34 . فالإنسان مكون من قلب وجسم. الفؤاد: جاء ذكره في القرآن نحو 15 مرة ويكاد أكثرهم يجعله مرادفاً للقلب ولكن المتأمل في الآيات يجد أن يذكر بجوار السمع والبصر كوسيلة من وسائل الإدراك عند الإنسان “وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” النحل:78, فهذه الوسائل إن استعملها الإنسان اهتدى قلبه للحق وإن لم يستعملها كما ينبغي زاغ قلبه.. فالفؤاد هو منطقة الشعور والإدراك والتخزين في الدماغ وبقية المناطق للدماغ تكون للسمع والبصر.. و الفؤاد يلتقط مع الحواس المعلومات ليخزنها ويرسلها للقلب ليتأملها ويدرسها ويقرر فيها ولذلك فإن أم موسى فرغ فؤادها بمعنى أن فؤادها صار معطلاً تماماً لأن الفؤاد مركز الشعور, ولكن الله ربط على قلبها كما نقول أخذت بعقلها لا بعاطفتها, ولكن للأسف حل لفظ العقل مكان القلب برغم أن العقل إحدى وظائف القلب.