قد يبدو العنوان مثيراً للبعض فماذا تراني سأكتب عن هذه اللغة العجيبة التي ترتبط في أذهاننا جميعاً بسمعة سيئة الصيت ثم عن أي رقص سأتحدث بالتحديد ؟ الحقيقة أني كنت أمسك بجهاز التحكم باختيار القنوات التلفزيونية, وأثناء تنقلي بين القنوات توقفت عند ثلاثة منها على اختلاف التوجه الإعلامي والفكري لكل واحدة, ورغم أن المشهد في كل قناة استخدم نفس اللغة التعبيرية إلا أن المعني الذي يصل للمشاهد كان مختلفاً تماماً. المشهد الأول كان من إحدى فضائيات دولة خليجية لمجموعة من الرجال يتحلقون في نصف دائرة , يمسك كل واحد منهم بيد زميله المجاور له وهم يغنون بعض الأهازيج بينما يعودون للوراء خطوة ثم يتقدمون للأمام خطوة ببطء واضح نتيجة أن أوزان الراقصين زائدة وكروشهم تتقدمهم شبراً إلى الأمام , رقصة تخلو من أي لياقة بدنية تشعرك بثقل هذه الأجسام ومدى ارتباطها بالأرض وامتلائها بالطعام. تعتريك بعدها بلادة لا حدود لها وأنت تشاهد تلك اللغة الرتيبة المقيدة والتي تفيض بشيء من الاستعلاء والغرور ورسالة أخرى تصلك كيف أن الترف والبذخ يمسخ صورة البدوي ويزيده بطنة وذهاب فطنة !!. المشهد الثاني ظهر لي في قناة ذات توجه مذهبي واضح يظهر فيه مجموعة من الرجال أيضاً يرتدون السواد ويقف أمامهم على المنبر شخص يقرأ بعض الأوراد عن الأحداث الماضوية بصوت منتحب ثم يبادرون على وقع صوته بضرب صدورهم وفق إيقاع معين ضرباً شديداً تكاد تنخلع له القلوب التي في الصدور , جميع الحواس مشغولة بأفكار العنف والانتقام للمظلومية التاريخية , هو حزن سياسي راقص إذ يضع مسافة كبيرة فاصلة بين هؤلاء والمستقبل , بين هؤلاء والتسامح , بين هؤلاء والحاضر , وتغمرك بعدها طاقة سلبية تحتاج أن تغلق جهاز التلفاز برمته لتتخلص منها وتتملكك الغرابة كيف أن هؤلاء لم يستطيعوا لحد الآن أن يصلوا لآلية تجبر لديهم كسر الماضي وتفتح لهم صفحة القادم الأجمل . المشهد الثالت كان من إحدى القنوات الصوفية التي عرضت لمجموعة من الدراويش وهم يقدمون الرقصة المولوية ويرتدون الثياب البيضاء ثم يدورون حول أنفسهم في دوائر صغيرة ويدورن حول شيخهم في الدائرة الأكبر وعيونهم مغمضة ورؤوسهم مرتفعة قليلاً جهة السماء , اليدان مبسوطتان أحدهما إلى الأعلى والأخرى إلى الأسفل مع تواشيح ومدائح تفيض بالعشق والمحبة , يغمرك عندها شعور مفعم بالروحانية والتسامي والاندماج , وكأن أيدي الراقصين خط يصل بين السماء والأرض فتصعد مع دورانهم وتذوب معهم في وحدة واحدة . في المشاهد الثلاثة لم تكن هناك لغة خطابية مباشرة أو موجهة لجمهور المشاهدين , كانت هناك لغة جسد تشي لك بكل شيء كمشاهد محايد وتخبرك أن الرقص لا ينفصل عن السلوك اليومي للناس , فما بين التخلف والسوداوية والانبساط ألف رقصة ورقصة فتأملوا !!