الحقيقة تؤكد أن نقطة الانطلاق نحو مستقبل آمن و مزدهر تكمن بحصول نقلة ثقافية كبيرة بمعنى إدخال تغيير ثقافي حقيق في وعي المجتمع و تغيير نظرة المجتمع نفسه إلى العلاقات الأساسية بين الإنسان والواقع وبين الإنسان والإنسان وذلك في عملية تطهير وغربلة شاملة تضرب جذور العلل والنقائص الثقافية بالعمق، وذلك لتحرير الإنسان اليمني من سطوة الثقافة المعيقة، يحققها المفكرون والمثقفون والأدباء والكُتاب ويقومون من خلالها بفحص الآراء السائدة والتقاليد الراسخة والعادات المتوارثة، فيستبعدون عنها ما كان ضاراً وأيضاً ما لم يعد صالحاً للحاضر والمستقبل ثم توضع خطة عامة تفعل بحركة ثقافية واسعة تهدف إلى إقناع المجتمع بضرورة القراءة والاطلاع والبحث والثقافة باستخدام كل وسائل التعبير الفكري والفني والجمالي وكل أساليب الجدل العلمي إزاء ثقافة مجتمعة متسلسلة متصلة بعهود الجهل ومثقلة بالركود، تتوارثها الأجيال حتى اليوم، إضافة إلى أنه يجب إعادة النظر في فلسفة المسجد وتقييم دوره وما هو من صميمه وما هو خارج عنه والخروج بضوابط تجرّم استخدام المسجد في التجاذبات والنزاعات السياسية الداخلية، أياً كانت من أجل حماية الدين نفسه من أن يستغله طرف ضد آخر أو تستخدمه أطراف كمطية للتعويق والجمود بما تتبناه من فهم متعصب وتفسير منحرف لنصوصه وبما يلائم مصلحتها وهو الوضع الذي ساد منذ قرون وإلى اليوم ما أدى إلى ظهور نزاعات مذهبية وفوارق طبقية كاسحة بين أفراد المجتمع أدت إلى تعميق حدة الفقر والجهل والخوف وظهور طبقات انتهازية عملت على بقاء التفاوت السحيق بينها وبين كل الطبقات الفقيرة المهمشة وعززت ذلك بإطلاق مقولات ووعود بنزول المدعو المهدي المنتظر ليخلّسص الطبقات المقهورة والمهمشة وينتقم من الظالمين والغرض من تلك الإشاعات والوعود تنويم عقول المحرومين والمقهورين وإخماد أية صحوة لهم إضافة إلى أنه لا يزال كثير من أفراد المجتمع يتقبلون الآراء الدينية من الوعاظ بلا تمحيص ولا سؤال هل هي خطأ أم صواب، نافعة أم ضارة؟ ولا يكترثون أو يسألون عن مدى صلاحيتها للمجتمع في الزمن الراهن. وأنا لا أقصد بدعوتي إلى إعادة النظر في دور المسجد اقتلاع العقيدة الدينية من قلوب الناس بل أدعو إلى محاولة أرشد وأنفع تتلخص في تأكيد ما للدين من رسالة في الحياة الإنسانية تنشد الارتقاء بالإنسان وإعادة بث السلام النفسي إلى روحه ولو كانت توجد معارضة ونقد ومراجعة دورية لثقافة المجتمع في الماضي ما ضاعت قرون عديدة من حياة المجتمع هباءً، لأن الثقافة هي الطريق الآمن إلى التقدم والازدهار..