العلاقات الاجتماعية كثيرة التشابك والتعقيد، بعضنا يرزقه الله فهمها على وجهها الصحيح، وبعضنا قد يعاني ارتباكاً وتشويشاً في أحد جوانبها. وتعد العلاقات الزوجية في رأس العلاقات الاجتماعية من حيث الأهمية، فالزوج والزوجة هما اللبنة الأساسية للمجتمع، وبدون التفاهم بينهما تختل الكثير من الموازين. في الحوار التالي يتحدث إلينا الشيخ جمال عبدالقادر المستشار التربوي وخبير العلاقات الزوجية، عن حب التملك وعن منشأ هذه الرغبة التي تستبد بأحد الزوجين، والتي ربما تحول من مجرد حب واهتمام، إلى محاولة الإحاطة والسيطرة المزعجة التي ينشأ عنها مشاكل، تؤدي بهدم الأسرة في بعض الأحيان بحسب ما جاء في موقع لها أون لاين. من أين تنشأ هذه الرغبة في الأساس؟ بداية دعنا نفك الالتباس بين كلمتي الحب والتملك، فالحب الحقيقي منزه عن التملك بمعناه الاستبدادي، الذي قد يسد الأفق أمام أحد الزوجين. والحب في العلاقات الزوجية هو العطاء دون انتظار مقابل، وهو أن يعطي الزوج وأن تعطي الزوجة، وترجو أن يثمر عطاؤها في نفس من تحب عطفا ورحمة وودا، ومن خلال تجارب مجربة، يحدث هذا بالفعل، حين تعطي الزوجة دون انتظار تجد العطاء بفضل الله من حيث لا تتوقع. أما التملك، فهو على مستويات أيسرها المستوى المادي والمحسوس، وهو ما نمارسه جميعا من بيع وشراء ونحو ذلك من أمور الحياة، أما المستوى المعنوي منه فهو ما يتماس مع العلاقات الإنسانية والزوجية على وجه الخصوص. وهو مقبول بدرجة معينة، لكن حين يتجاوز حدوده ويتحول إلى أنانية، ويتغير معناه فلا يصير حباً للطرف الآخر سواء كان زوجاً أو زوجة، إنما يصير حباً للذات، وهو نوع من النرجسية المفرطة في حب الذات، وهو ما يجب التنبه له وعدم الاستجابة له، لما يترتب عليه من مشاكل تعتمل في النفس وتنفجر مع الوقت! وما علامات حب التملك سواء في الزوج أو الزوجة؟ حب التملك له العديد من العلامات، كلها مقبولة إذا كانت في الحدود الطبيعة، لكن تتحول لحب التملك إذا خرجت عن هدفها الأساس من العناية والاهتمام، والفرق كبير جدا بين حب التملك والعناية والاهتمام، وحب التملك يكون في الرجال والنساء، لكنه يكون في النساء أكثر، وهو يتسم بالغيرة الشديدة، وفرض الرغبات الخاصة دون النظر لظروف الزوج، التتبع الدقيق للزوج ومعرفة كل صغيرة وكبيرة في حياة الزوج لدرجة تصل لتضييق الخناق عليه، والحرص على مصاحبة الزوج بشكل دائم في غير ضرورة. ألا تقترب هذه السمات من الشك؟ صحيح.. هي بالفعل قريبة من ذلك، فالمصابون بحب التملك، لديهم عوامل مشتركة من الشك والغيرة، وأحيانا الحسد، كل ذلك في خليط يصعب فصله. لذلك حب التملك يعد من الأزمات الحقيقية التي تطلب منا وقفة جادة من أصحابها أولا، وأن يكون لديهم الشجاعة في مواجهة أنفسهم لينعموا بالحياة مع من يحبون، بدلا من التنكيد على أنفسهم وعلى شركائهم في سفينة الحياة. وهل يختلف حب التملك في الرجل عن المرأة؟ حب التملك من حيث هو مرض اجتماعي، لا يفرق بين رجل وامرأة، لكن وجوده وحدته تكون بين النساء أكثر، خصوصا وأن المرأة مجبولة على المشاعر وحضور العاطفة عندها أقوى من حضور العقل، لذلك فالرجل يتحمل الكثير من المسؤولية في علاج هذه الآفة، سواء كانت فيه أو في زوجته، ويجب عليه أن يبادر على التحكم في نفسه أو مساعدة زوجته إذا كانت تعاني، ويحاول معها بالحب والرحمة حتى يصل بها إلىشاطئ الأمان. وكيف يعالج الزوج أو الزوجة حب التملك؟ أولى الخطوات في هذا العلاج هو اليقين أنه لا يقع شيء في هذا الكون إلا بقدر الله سبحانه وتعالى، وأنه ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. ثم الرضا، وأرجو ألا نعبر على كلمة الرضا هكذا عبورا سريعا، ولكن نحققها في مشاعرنا وفي سلوكنا مع أزواجنا، ثم الثقة بالنفس، وفضلا عن الحرص على الانشغال بطاعة الله، فإنه يجب أن يكون لكل منا قضية محورية، يسعى لإنجازها في حياته، فهذه تقلل من الانشغال الدائم بالزوج أو الزوجة بشكل مرض، لأننا نحتاج أن ننشغل بأزواجنا أيضا ولكن في الحدود المقبولة. ومن المفيد أخذ النفس بالعزيمة، وطرد هواجس النفس التي تفسد الحياة، والإصرار على التمتع بالحياة مع الزوج أو الزوجة، وطرد على ما ينكد هذه العلاقة من نوازع التملك، التي تحرم الإنسان من الانتفاع بما بين يديه، وتفهم أن حب التملك لا يضر الشخص المبتلى وحده، وإنما يتعدى هذا الضرر إلى الزوج والأبناء وسائر أفراد الأسرة التي لا تكون بعيدة عن نتائج هذه الحالة.