رحّب مجلس النواب في جلسته المنعقدة أمس برئاسة نائب رئيس المجلس الأخ محمد علي سالم الشدادي بالتوقيع النهائي على وثيقة الحل العادل للقضية الجنوبية، وهنّأ مجلس النواب الأخ رئيس الجمهورية، رئيس مؤتمر الحوار الوطني الشامل عبدربه منصور هادي وجماهير الشعب اليمني بهذا الحدث التأريخي المهم. وثمّن مجلس النواب جهود الجميع في الوصول إلى الإجماع على هذه الوثيقة وإنهاء بعض المخاوف من أجل مصلحة اليمن الموحّد والانتصار للوطن وجميع أبناء الشعب اليمني للخروج به من واقع الأزمات إلى بر الأمان والتنمية والازدهار. ولفت مجلس النواب إلى أن توافق الجميع وتوحُّدهم مع الوطن يجنّبهم التداعيات السيئة وبما يكفل ترجمة الأهداف الوطنية المنشودة لبناء اليمن الجديد والحفاظ على أمنه واستقراره ووحدته. من جانب آخر استمع مجلس النواب إلى جانب من تقرير اللجنة البرلمانية الخاصة المكلّفة بدراسة مشاريع الموازنات العامة للعام المالي 2014م بحضور وزراء المالية صخر أحمد الوجيه والتخطيط والتعاون الدولي الدكتور محمد السعدي وشؤون مجلس النواب والشورى رشاد الرصاص وعدد من المسؤولين المختصين في الحكومة. وتطرّقت اللجنة البرلمانية في تقريرها إلى أن الموازنات العامة هي الأداة الرئيسة التي تمكّن الحكومات في بلدان العالم المختلفة من ترجمة رغبات واحتياجات المجتمع وأولوياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وباعتبار الموازنات البرنامج المالي السنوي للخطة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية. وأشارت وفق ما أوردته وكالة «سبأ» إلى أهمية أن ترتبط مؤشراتها وأرقامها بعلاقة وثيقة بأولويات وحاجات المجتمع في النمو والتنمية، وتحقيق الاستقرار، وزيادة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والتوزيع العادل للدخل والثروة. وعرضت اللجنة جملة من الملاحظات أشارت فيها إلى أنه رغم تأخر الحكومة في تقديم مشاريع الموازنات العامة 2014م عن الموعد المحدّد دستورياً، ورغم الوقت الطويل الذي كان متاحاً أمام الحكومة لإعداد مشاريع الموازنات العامة وصياغة بيانها المالي؛ إلا أن اللجنة لاحظت أن مجمل ما ورد في البيان المالي لمشاريع موازنات 2014م لا يختلف كثيراً عن البيان المالي لموازنات 2013م، باستثناء التغيير في الأرقام والمؤشرات وبعض السياسات والإجراءات. وأفادت اللجنة أن البيان المالي خالٍ من أي مؤشرات عن الأوضاع الاقتصادية الإقليمية والدولية للعام 2013م، والتوقعات للعام 2014م، لما لذلك من ارتباط وثيق بالاقتصاد الوطني الذي يتسم بالانفتاح، والاعتماد الكبير على العالم الخارجي فيما يخص الصادرات السلعية وخاصة النفط وكذا واردات البلاد وتحويلات المغتربين والمساعدات التنموية. ورغم أن الحكومة قدّمت عرضاً موجزاً للأوضاع الاقتصادية الإقليمية والدولية في سياق ردّها على أسئلة واستفسارات اللجنة؛ إلاَّ أن اللجنة لاحظت أن ذلك العرض اقتصر على تأثيرات تلك الأوضاع في جانب النفط وتحويلات المغتربين، وأهمل بقية المتغيرات الأخرى الإقليمية والدولية ذات الأثر الكبير والمباشر على الاقتصاد الوطني، ومن تلك المتغيرات ما يتعلّق بتوقعات أسعار الغذاء والواردات الأخرى الأساسية التي تعتمد عليها اليمن بصورة كبيرة، وكذا فيما يخص التأثيرات المحتملة لانضمام اليمن إلى منظمة التجارة العالمية وطبيعة التحديات والمكاسب والفرص التي ستعود على الاقتصاد الوطني. ولاحظت اللجنة البرلمانية باستغراب تجاهل البيان المالي للعام 2014م الإشارة من قريب أو بعيد إلى أبرز فعالية تشهدها اليمن على الإطلاق والمتمثّلة بالحوار الوطني الشامل الذي أوشكت أعماله على الانتهاء، وما يعنيه ذلك من شروع البلد في تطبيق وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني خلال العام الجاري 2014م، والذي كان يتوجب على الحكومة أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار عند إعداد تقديرات مشاريع الموازنات، وأن تحيط المجلس بأن تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل تتطلب توفير التمويل اللازم، وهو ما ستعمل عليه الحكومة خلال العام 2014م والأعوام التالية من خلال البحث عن دعم خارجي من المانحين. ولفتت اللجنة البرلمانية إلى أن البيان المالي تجاهل مشكلة العودة الكبيرة للمغتربين اليمنيين من المملكة العربية السعودية، والذي كان يتوجّب على الحكومة أن تبرز حجم وأبعاد المشكلة في جوانبها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، والحلول والمعالجات التي قامت بها إزاء هذه الشريحة من المجتمع التي مثّلت تحويلاتها المالية رافداً للاقتصاد الوطني، كما أسهمت تلك التحويلات في إعالة أعداد كبيرة من الأسر في المجتمع. وقالت اللجنة البرلمانية: كان يتوجّب على الحكومة عرض نتائج ما قامت به من تواصل مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية لضمان عدم ضياع حقوقهم، وقد تبيّن للجنة من خلال ردود الجانب الحكومي على استفساراتها أن عدد العائدين حتى 31 /12/ 2013م قد بلغ «133,844» شخصاً، وأنه قد تم توريد ما يقارب «650» مليون ريال إلى حساب خاص في البنك المركزي، وذلك من القسط الذي تم خصمه على الموظفين، واعتماد عشرة ملايين من قبل الحكومة وتشكيل لجان ميدانية في المنافذ البرية لاستقبالهم. كما تضمّن رد الحكومة الإشارة إلى التنسيق لسفر وفد حكومي للتباحث مع الأشقاء في المملكة لإعادة استيعاب العمالة المدرّبة ذات الخبرة والكفاءة، وبما يكفل تصحيح أوضاعها وفقاً لقوانين وأنظمة العمل السعودية؛ إلاَّ أن اللجنة ترى أن ما قامت به الحكومة لا يتناسب مع حجم المشكلة والأضرار التي لحقت بالمغتربين ولن يجبر ضررهم في الأجل المنظور بالوقت الذي هم فيه بأمس الحاجة إلى مد يد العون وبصورة عاجلة. وأشارت اللجنة إلى أنها لم تجد في ردود الحكومة أية إجابة عن تساؤلها حول ما تم صرفه من القسط المخصوم على الموظفين وأعداد المستفيدين، منوّهة إلى أن الحكومة أكدت في سياق حديثها عن التطورات السلبية من البيان المالي؛ استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والتي شكّلت بحسب البيان المالي قيداً حقيقياً على حدوث أي تحسُّن ملموس في مختلف الجوانب، وفقدان جزء كبير من موارد الدولة من النفط الخام والغاز، فضلاً عن التكاليف الباهظة في إصلاح أبراج الكهرباء وخطوط النقل نتيجة الاعتداءات المتكرّرة عليها، وتدنّي مستوى أداء مختلف الأنشطة الاقتصادية، وضعف الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي.. وبحسب البيان فإن استمرار تدهور الأوضاع الأمنية قد أثّر أيضاً على عدم تحسُّن وتوسُّع الأوعية الإيرادية، وعلى خلق فرص عمل جديدة، وبالتالي استمرار الفقر عند مستوياته المرتفعة السابقة، هذا إلى جانب الصعوبات التي أثّرت على قدرة الدولة في تحصيل مواردها المستحقة، وعدم القدرة على تنفيذ خططها ومشاريعها الإنمائية. وأفادت اللجنة أنه رغم الشفافية العالية التي أبدتها الحكومة في عرض التحدّي الأمني وانعكاساته السلبية على مجمل الأوضاع؛ إلا أن اللجنة لم تجد في البيان المالي أي تصوّر لطبيعة السياسات والإجراءات التي ستقوم بها الحكومة خلال 2014م لمعالجة مثل هذا التحدّي الكبير، رغم الأهمية النسبية التي يحظى بها الإنفاق العام على الدفاع والأمن من إجمالي نفقات الموازنة العامة. ولفتت إلى أن ذلك لم ينعكس على تحقيق الأمن والاستقرار؛ بل شهد عام 2013م تنامي الاختلالات الأمنية، وارتفاع معدّل الجريمة، وتزايد ظاهرة الاختطاف والتقطُّعات والاغتيالات والتفجيرات الإرهابية التي طالت المنشآت السيادية والاقتصادية. وترى اللجنة أن الوضع الأمني سيستمر في التدهور ما لم يقف الأخ رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة ومعه الحكومة مجتمعة وبكل جدية أمام هذا التحدّي الخطير الذي يواجه الدولة والمجتمع. ولاحظت اللجنة البرلمانية في تقريرها أن البيان المالي 2014م قد ركّز بصورة رئيسة على البُعد المتعلّق بتحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث أشار البيان المالي إلى أن مشاريع الموازنات لعام 2014م تعبّر بكل وضوح وشفافية عن أهداف وأولويات وسياسات الحكومة التي تستهدف تحقيق وضع اقتصادي مستقر، وكان المفروض أن يكون البُعد الاجتماعي حاضراً بجوانبه المختلفة لاسيما في ظل تزايد مشاكل الفقر والبطالة والجريمة، وكذا تزايد أعداد المتضرّرين من الصراعات السياسية التي حدثت ومازالت تحدث في البلاد. ولفتت إلى أن البيان المالي أبرز بشكل واضح وشفّاف عدداً من التحديات الخطيرة التي ترى اللجنة أنها تهدّد وضع المالية العامة، وتعرّض الاستقرار النسبي الذي تحققّ منذ البدء بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في العام 1995م، ومن تلك التحديات التي أبرزها البيان بلوغ عجز الموازنة العامة للدولة مستويات غير آمنة، وتفاقم مشكلة الدين العام الداخلي على نحو خطير بلغت نسبته إلى إجمالي الموارد الذاتية في نهاية سبتمبر 2013م «120بالمائة» وسترتفع النسبة إلى «122بالمائة» خلال العام 2014م، بما يتجاوز الحد الآمن لمستوى الدين العام الداخلي المتعارف عليه دولياً في حدود ال 100 في المائة، وترى اللجنة أنه على الرغم من أن هذه التحديات وعلى رأسها عجز الموازنة العامة والدين العام الداخلي أصبحت ماثلة للعيان وتنذر بالعديد من المخاطر، التي تهدّد استقرار الدولة والمجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً؛ إلا أن الحكومة اكتفت بعرضها في البيان كتحديات ومخاطر دون أن تلزم نفسها بأية معالجات أو حلول لكبح جماح هذه التحديات. ولاحظت اللجنة أن البيان المالي توقّع في جانب النمو الاقتصادي أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدّل «5,1 بالمائة» خلال العام 2014م، وأن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للقطاعات غير النفطية بمعدل «5 بالمائة» كما رأت اللجنة أن معدّلات النمو المشار إليها غير واقعية في ظل إقرار الحكومة بتدنّي حجم الاستثمارات الخاصة والعامة، وعدم وجود مؤشرات لتحسُّن بيئة الاستثمار، واستمرار مشاكل الأمن والطاقة الكهربائية، يضاف إلى ذلك ما لاحظته اللجنة في البيان المالي 2014م من عدم وجود رؤية واضحة وسياسات وإجراءات محدّدة لبلوغ معدّل النمو الاقتصادي المستهدف في العام 2014م، ومع ذلك تؤكد اللجنة أهمية أن تبذل الحكومة قصارى جهدها لتحقيق معدّلات مرتفعة للنمو الاقتصادي والتي تعدُّ شرطاً أساسياً لتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وتوفير فرص العمل للحد من البطالة وتنامي الفقر، والتي تشكّل تحديات حقيقية أمام الاستقرار السياسي والاجتماعي. وأشارت اللجنة إلى أن التضخُّم في البيان المالي توقّع اتجاه معدل أسعار المستهلك إلى الانخفاض من «9 بالمائة» عام 2013م إلى «8,5 بالمائة» عام 2014م، ورغم أهمية توجُّه الحكومة للسيطرة على معدل التضخم وخفضه خلال العام 2014م بحوالي نصف نقطة مئوية؛ إلاَّ أن اللجنة ترى صعوبة خفض هذا المعدّل إلى ذلك المستوى المشار إليه، خاصة في ظل استمرار تفاقم الاختلالات في الموازين الاقتصادية الداخلية والخارجية، وبلوغ عجز الموازنة العامة نسبة مرتفعة بلغت «8,3 بالمائة» من الناتج المحلّي الإجمالي وهي نسبة تتجاوز الحدود الآمنة. وأورد البيان المالي حسب تقرير اللجنة في محور السياسة المالية ستة عشر بنداً وجدت اللجنة أنه لا معنى لها في ظل موازنة بُنيت على عجز كبير يصل إلى «679» مليار ريال، وتصل نسبته إلى «8,3 بالمائة» من الناتج المحلي الإجمالي، وسيفضي تنفيذ هذا العجز إلى تفاقم مشكلة الدين المحلّي وأعبائه بصورة كبيرة وغير مسبوقة، وهو ما سيعرّض الاقتصاد إلى مزيد من المخاطر والضغوط والتحديات وتهديد ما تحقّق من استقرار نسبي في مؤشرات التضخم وأسعار الصرف والاستقرار المالي والنقدي بشكل عام، خاصة في ظل القيود الحقيقية التي تواجه جانب العرض في الاقتصاد الوطني. ولاحظت اللجنة أيضاً أن العديد مما ورد في البيان المالي جاء في شكل صيغ عامة وعبارات مطاطة مثل «تفعيل القوانين، وتفعيل عمل لجان مكافحة التهريب الجمركي والتهرُّب الضريبي» إضافة إلى أن بعضها قد ورد مجملاً وعاماً، مثل عبارة «الحد من الإعفاءات ووضع الضوابط.. إلخ» والتي كان يفترض أن تحدّد القوانين التي يتوجب إعادة النظر فيها والقطاعات والمجالات المستهدفة حتى لا تعطي إشارات سلبية للمستثمرين. كما لاحظت اللجنة أن بعض ما ورد مثل «إلزام الجهات باستقطاع الضرائب المستحقة عليها وتوريدها طبقاً للقوانين والقرارات واللوائح» ما كان يُفترض أن يرد تحت محور السياسة المالية، باعتبار ذلك من الأمور البدهية، فالأصل في القوانين واللوائح والقرارات أنها ملزمة، كما أن ذلك من مهام الجهة أو الجهات المطبقة للقوانين، وأيضاً ما ورد بشأن «مواصلة تأهيل وتدريب موظفي وزارة المالية» والذي عدّه البيان المالي أحد مفردات السياسة المالية للعام 2014م، وهي من الجوانب الإدارية التفصيلية، فضلاً عن أن أغلب ما ورد يمثّل تكراراً لما ورد في السنوات السابقة، مثل تفعيل عمل لجان مكافحة التهريب الجمركي والتهرُّب الضريبي، أو فيما يخصُّ إصلاح الأوضاع الاقتصادية واستكمال إدخال وتشغيل الأنظمة الحديثة في وزارة المالية وحوسبة الإجراءات والمعاملات المالية، والربط الشبكي، وهي من البرامج المتعثّر تنفيذها في وزارة المالية والمصالح التابعة لها منذ سنوات، كما لاحظت اللجنة أن البيان المالي في الجانب النقدي لم يتضمّن عدداً من السياسات والتي من أهمها تفعيل أدوات السياسة النقدية وبالأخص غير المباشرة، ومنها عمليات السوق المفتوحة، والمحافظة على حجم السيولة النقدية عند المستويات التي تتطلّبها احتياجات إنجاز المعاملات الاقتصادية، والسيطرة على معدّل التضخم عند مستوى أحادي، والحفاظ على استقرار سعر صرف الريال أمام العملات الأجنبية عند مستوياتها الحالية، والحفاظ على حجم الاحتياطات الخارجية عند الحدود الآمنة، والمحافظة على سعر الفائدة الأساسي عند المستويات التي تضمن تحقيق سعر فائدة حقيقي على الودائع في البنوك. ورأت اللجنة أهمية ما تضمّنه البيان المالي في مجال السياسة النقدية، وتؤكد ضرورة الالتزام بما جاء فيها حتى يتم الحفاظ على ما تحقّق من استقرار نسبي خلال السنوات الماضية في المؤشرات النقدية والتي كان للبنك المركزي وللسياسة النقدية التي اتبعها دور إيجابي في ذلك.. وفيما يخصُّ الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد؛ فقد لاحظت اللجنة أن هذا الجانب لم يكن ضمن أولويات الحكومة خلال العام المالي 2014م، حيث خلا البيان المالي من أية سياسات أو إجراءات محدّدة يمكن الوقوف عليها، كما أن ما جاء في رد الجانب الحكومي على استفسارات اللجنة بشأن السياسات والإجراءات المزمع تنفيذها خلال عام 2014م في جانب الإصلاحات الإدارية ومكافحة الفساد لم يكن مقنعاً للجنة، بل إن معظم ما جاء في الردود يمثّل كلاماً إنشائياً وتكراراً لما أوردته الحكومات المتعاقبة في خططها وبرامجها وموازناتها السنوية، ولم يحدث في الواقع أي تطوير أو إصلاح ملموس في الإدارة الحكومية، ولم يكن لذلك أثر مالي يُذكر على الموازنات العامة؛ بل إن مشروع البصمة والصورة وتنظيف كشف الراتب من الأسماء المزدوجة والوهمية ظلّ يرحّل من عام إلى آخر ومنذ أن بدأ برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري في العام 1995م رغم توفر الموارد اللازمة لذلك؛ وعليه فإن عدم تقديم رؤية واضحة ومحدّدة في البيان المالي لمشاريع موازنات 2014م يشير إلى أن حكومة الوفاق الوطني لا تعير موضوع الإصلاح الإداري اهتمامها، وهو ما سيؤدّي إلى تفاقم الاختلالات والفساد المالي والإداري في أجهزة ووحدات الإدارة العامة المدنية والعسكرية. ولاحظت اللجنة فيما يخصُّ سياسات تعزيز واستدامة النمو الاقتصادي التي تضمّنها البيان المالي 2014م اتسام بعضها بأنه غير واقعي ومنها «تبنّي سياسات محفّزة لتوجيه فوائض المؤسسات والتأمينات والصناديق الخاصة نحو استثمارات ذات إنتاجية عالية» وهو ما لا يتأتى في ظل الصعوبات والتحديات والمخاطر التي تواجه البيئة الاستثمارية وعلى رأسها الجوانب الأمنية والقضائية. كما اتضح للجنة عدم الواقعية فيما أورده البيان المالي حول الدور المؤمّل من قطاع النفط والغاز في رفع معدّل النمو الاقتصادي من خلال زيادة الاستثمار العام في البُنى التحتية ذات العلاقة لتوسيع نطاق عمليات البحث والتنقيب والاستكشاف للثروات النفطية والغازية والمعدنية، والذي ترى اللجنة أنه غير واقعي أيضاً، وذلك بالنظر إلى عدم توفر الأموال العامة اللازمة لتحقيق ذلك، وعدم اعتماد أي مبالغ مالية في مشاريع موازنات 2014م لزيادة الاستثمار في البُنى التحتية في قطاع النفط والغاز والثروات المعدنية، وبذلك فإن مجمل ما ورد تحت محور سياسات تعزيز واستدامة النمو لا ترقى إلى مستوى السياسات التي يمكن من خلالها تعزيز واستدامة النمو، وليس لها ما يسندها في الواقع ولا في أرقام ومؤشرات مشاريع الموازنات العامة 2014م. وفي جانب البطالة أشارت اللجنة إلى أن البيان المالي توقّع تراجع المعدل من «34 المائة» في عام 2013م إلى «32 بالمائة» عام 2014م، وترى اللجنة أن المعدّلات المشار إليها غير واقعية، ولا تستند إلى أساس علمي في ظل تراجع الطلب على قوة العمل نتيجة تواضع وتباطؤ معدّلات النمو الاقتصادي في الأعوام الماضية، وعدم وجود مؤشرات حقيقية لحدوث انتعاش اقتصادي في الأجل المنظور نتيجة لعدم استقرار الأوضاع السياسية والأمنية التي تشكّل في مجملها بيئة طاردة للاستثمار، يضاف إلى ذلك تزايد أعداد الداخلين سنوياً إلى سوق العمل، والعودة الإجبارية والمفاجئة لنحو «135» ألف مغترب في نهاية عام 2013م، مع العلم أن اللجنة كانت قد طلبت من الحكومة موافاتها بمؤشرات عن فرص العمل التي يُتوقع أن يُوفّرها الاقتصاد الوطني خلال العام 2014م؛ لكن يبدو أن ذلك غير متوافر لدى الحكومة. هذا وسيواصل المجلس أعماله غداً السبت بمشيئة الله تعالى.