قالها بشجاعة وحكمة « لا نترك كتاب ربنا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت» - رواها مسلم - ، وبذلك أسقط رواية الصحابية فاطمة بنت قيس المجحفة بحقوق المطلقة طلاقاً باتاً ونصها «ليس لها السكنى ولا النفقة» - رواها مسلم- ،، وأسس بذلك منهجا رصينا جعل فيه القرآن ميزاناً عدلاً ومعياراً حاسماً في القبول والرد لكل الروايات المنقولة عن الرسول «عليه الصلاة والسلام» ولو كان الناقل فيها من أهل الصحبة . - كان من حسن طالع الفاروق أنه حظي بفقهاء عقلاء يدركون أن رد الرواية لمناقضتها القرآن حماية لبنيان الإسلام وإحباط لكل مؤامرة على السنة ، كما أنه ليس انتقاصاً من مكانة الأصحاب بل انتصاراً لآيات الكتاب ،، ولمنهج عمر انتصرت عائشة «رضي الله عنها» فأنكرت رواية البخاري عن ابن عمر «إن المؤمن ليعذب ببكاء أهله عليه» - رواها البخاري - ، وانتصرت لقوله تعالى « ولا تزر وازرة وزر أخرى» ، ولم تلتفت إلى قدر راويه الصحابي الحافظ التقي «عبد الله ابن عمر » ، وإنما التفت إلى عظمة آيات القرآن أن تشوش عليه رواية ظنية تشكك في محكمه . - وفي مقابل المنهج العمري اعتمد البخاري ومسلم «رحمهما الله» منهج المحدثين في العناية بسلامة سلسة الرواة «اتصال السند ، وعدالة الراوي ، وقوة ضبطه» ، وإن كان البخاري اشترط «ثبوت اللقيا بين الراوي وَمَن روى عنه» فقد اكتفى مسلم «بكونهما عاشا عصرا واحدا» ، وأيا كان الأمر فمنهج المحدثين كما تراه «قواعد عقلية بامتياز» اصطنعها الشيخان ومن قبلهما من علماء الحديث ، ولم يأت بها وحي منزل ، ولا قالها نبي مرسل . - وعند المقارنة بين المنهج العمري ومنهج المحدثين تقع المفارقة ،، فالأول ميزانه قرآن منزَّل والثاني ميزانه عقول بشرية ،، الأول يتفحص الرواية مهما عظُم الراوي والثاني يخشى على مكانة الراوي وإن تهافتت الرواية ، الأول شعاره «أعرف الرجال بالحق» والثاني شعاره «أعرف الحق بالرجال» ، الأول ينتصر لمكانة القرآن والثاني ينتصر لمكانة الراوي . - ومع قناعتي بميزة الجمع بين النهجين إلا أن المنهج العمري أحب إليَّ عند التعارض ، وعليه فأبرأُ إلى الله من كل رواية عارضت القرآن وإن وافقت قواعد المحدثين ،، وأعلن الولاء الخالص لكل رواية وافقت القرآن وسارت على منهج المحدثين ،، فإن سألوني مستنكرين أترد أحاديث للرسول «ص» وقد وردت في الصحيحين ؟ ،، أجبتهم بقبس من شجاعة عمر وحكمته «قبلها الشيخان بالعقل ،، ورددتها بكتاب الله» .