مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    الكشف عن هويات القتلى اليمنيين في تفجير حقل للغاز بطائرة مسيرة بدولة عربية (الأسماء والصور)    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية لوثيقة الحوثيين الفكرية: عندما تصبح العنصرية دينا (7)
نشر في الأهالي نت يوم 18 - 05 - 2012

تقول الوثيقة "وإن موقفنا من السنة هو موقف الإمام الهادي عليه السلام الذي ذكره في مجموعه في كتاب السنة، حيث اشترط لصحتها العرض على القرآن، وأن تكون في إطار القرآن مرتبطة به لا حاكمة عليه، ولا معارضة لنصوصه، وأنها مرتبطة بالهداة من آل محمد كأمناء عليها في اعتماد الصحيح من غيره". وما دام أن الوثيقة قد أحالتنا إلى مرجع الموقعين عليها وهو الإمام الهادي فإن لنا أن نتساءل: ما هو موقف الإمام الهادي من السنة؟ وكيف أثّر على الهادوية كمذهب من بعده؟ وهل للهادوية علم حديث خاص بها.. الخ؟
قاعدة العرض على القرآن والعترة
عرض الأحاديث على القرآن ورفض ما يعارضه قاعدة هامة دعا إليها الكثير من العلماء والمفكرين الإسلاميين المعاصرين، واستندوا إلى تطبيق هذه القاعدة من قبل الصحابة وخصوصا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بيد أن اشتراطها عند الهادي لم يكن قيمة علمية حقيقية، لأنه في الواقع العملي إنما كان يعرض الحديث على فهمه وتفسيره للقرآن، فإذا علمنا أن الهادي يحصر تفسير القرآن على آل البيت فقط، لأنهم –حسب قوله: "المبلغون للرسالات الآتون من الله سبحانه بالدلالات.. الذين افترض الله على الأمة تصديقهم، وأمروا باتباعهم ونهوا عن مخالفتهم، وحضوا على الاقتباس من علمهم، ألا تسمع كيف يقول الرحمن فيما نزل من النور والبرهان "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" [النحل:30] فأمرت الأمة بسؤالهم عند جهلها، والاقتباس منهم لمفروض علمها"(1).
ومن هنا نجد أن هذا الشرط –العرض على القرآن- لا يختلف عن الشرط الثاني وهو العرض على الهداة من آل محمد، فهم من يقررون الصحيح من الضعيف، ولأن الهادي لم يكن من علماء الحديث ولا من رواته، فقد اهتم بهذه القاعدة "العرض على القرآن" كثيرا لكي تساعده على إخضاع الأحاديث للتأويل الذي ذهب إليه –في الآيات، وكذلك رفض الأحاديث التي تبدو غير موافقة لما يذهب إليه، خصوصا في قضية الإمامة وحصرها في البطنين، والتي شكلت محور اهتمامه، ووهب لها حياته وجهوده العلمية والعملية، وقد قاده ذلك إلى قبول أحاديث ضعيفة وموضوعة ورد أحاديث صحيحة، ما دام أنها تتعارض مع هدفه وإن أوهم الناس أنه بسبب معارضتها للقرآن، ويمكن ذكر مثالين على ذلك على النحو التالي:
1- النص والوصية في الإمام علي:
كانت قضية النص والوصية للإمام علي مدخل الهادي لتبرير نظريته في الإمامة فإذا سقطت أحقية علي بالخلافة بعد النبي مباشرة، سقطت أحقية إمامة الهادي بالضرورة، ولقد أخذ الهادي بأدلة خصومه –الشيعة الاثني عشرية- في هذه القضية، ومنها أحاديث ضعيفة وموضوعة، لكنه –أي الهادي- صححها عن طريق ما أسماه العرض على القرآن وهو في الحقيقة العرض على تفسير الهادي للقرآن، ومن ذلك قوله: (تثبت إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رحمة الله عليه، من كتاب الله عز وجل ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ... قال رسول الله (ص) "علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي"، علمنا أنه لم يقل ذلك محاباة، ولا اختيارا منه، ولا مصافاة إلا بأمر من الله واجب وحق مبين ثاقب فلما قال صلى الله عليه "علي مني بمنزلة هارون من موسى" وجدنا تصديق قوله صلى الله عليه مثبتا في الكتاب وهو قول الله عز وجل "أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة" [هود:17] فلما قال الله "ويتلوه شاهد منه" صدق الله سبحانه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان رسول الله من علي، وعلي منه، بقول الله، وبقول رسوله عليه السلام، كرهنا أو أحببنا، شئنا ذلك، أو أبينا، لا ننظر في ذلك إلى قول محب مريد، ولا نلتفت إلى قول مبغض مكابر عنيد..الخ)(2).
فهذا هو العرض الذي طبقه الهادي: فهو أولا يحتج بحديث ورد بالنص الذي أورده الهادي في كتاب الجرجاني "الكامل في ضعفاء الرجال"، وحكم عليه بالبطلان، ومع ذلك فإن الحديث الصحيح قد ورد قريباً من هذه الصيغة، لكن لا علاقة له بما يريد الهادي فقد ورد بمناسبة استخلاف النبي لعلي في المدينة عندما خرج لتبوك فقال المنافقون: إنما ترك علياً لأنه استثقله فجاء علي يشكي ذلك للنبي (ص) فقال له النبي (ص): "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" وهو لم يقصد الإمامة أو الخلافة بعده لسبب بسيط وهو أن هارون مات قبل موسى، فالتشبيه هنا غير وارد، ثم تأمل كيف ربط الهادي الحديث بآية لا علاقة لها بموضوع الإمامة فقوله تعالى "ويتلوه شاهد منه" قال ابن عباس إنه جبريل فهو شاهد من الله بالذي يتلوه من كتاب الله الذي أنزل على محمد، "ومن قبله كتاب موسى" قال ومن قبله تلا التوراة على لسان موسى كما تلا القرآن على لسان محمد (ص) وهذا قول أكثر أهل التفسير(3). وهناك تفاسير أخرى منها أن الشاهد هو القرآن وقيل الإنجيل، بل وروي عن علي بن أبي طالب أنه قال إن الشاهد هو الرسول(ص)(4)، لكن الهادي يصر على أنها تعني عليا وأنها تؤكد الحديث "كما سعى الهادي لتصحيح أحاديث ضعيفة بل وموضوعة في الإمام علي وآل البيت، مثل استدلال الهادي بحديث "علي مع الحق، والحق مع علي" وهو حديث لم يروه أحد عن النبي (ص) لا بإسناد صحيح ولا ضعيف كما قال الذهبي، وحديث "أنا مدينة العلم وعلي بابها..الخ" وحاول أن يجد لها شواهد في القرآن فأتى بتفاسير لا علاقة لها بما كان يريد وليس هنا مجال بحثها.
2- رفض الأحاديث الصحيحة
مثلما صحّح الهادي الأحاديث التي يرى أنها تخدم هدفه في الإمامة، وإن كانت ضعيفة أو باطلة ضعّف أحاديث صحيحة تتعارض مع هدفه الرئيسي "إثبات أحقيته وسلالته" بالإمامة، وكل ذلك بالعرض المزعوم على القرآن، ومن ذلك رفضه بل وتكفيره للخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأنه -حسب زعمه- رفض أن يعطي فاطمة إرثها من أرض فدك بعد رسول الله استنادا إلى حديث "إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة"، فلأن مشروع الهادي يرتكز على قضية وراثة النبي من قبل السلالة، فقد رأى أن منع وراثة النبي ينسف مشروعه، لهذا قسى على الخليفة أبي بكر ولم يلتمس له العذر حين رآه –من وجهة نظره- أخطأ، أو يقول حتى أخطأ -مع أنه لم يخطئ- وإنما اعتبر ما قام به بغضا لله ولرسوله وأهل بيته!! وتحامل عليه واعتبر ما قام به "طرحا لما في كتاب الله وحكما بغيره، لأن الله سبحانه يقول (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) [النساء:11]، الأية جامعة لم يخرج منها نبي ولا غيره، فقال أبو بكر إنه سمع رسول الله يقول (إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة) فكانت حرمة رسول الله أول حرمة انتهكت في الإسلام، وكان أول مشهود عليه بزور، وكان ماله أول مال أخذ غصبا من ورثته بالدعوى التي ذكرها أبو بكر، والله يقول غير ذلك، قال الله سبحانه (وورث سليمان داوود) [النمل:16]، فتبت وترحت أيدي قوم رفضوا الكتاب، وقبلوا ضده.. الخ)(5) والنص طويل وفيه من الفحش الفكري والإساءة للخليفة الأول ما نأسف لإيراد بعض فقرات منه ولكنا اضطررنا لذلك فقط لنكشف عن تلاعب الهادي، وعبثه بالقرآن والسنة معا، إذ نلاحظ في النص الطويل الذي أورده الهادي بشأن أرض فدك ما يلي:
1- يحاول الهادي رفض الحديث استنادا إلى القرآن –حسب زعمه- لكنه يستند على آيات لا تعارض بينها وبين الحديث ولا علاقة لها بوراثة النبي المادية فاستدلاله بقوله تعالى (وورث سليمان داوود) [النمل:16]، استدلال باطل، لأن سليمان إنما ورث الحكم والنبوة من داوود، وليس المال، لأنه ثبت بالإجماع أن لداوود إخوة غير سليمان فثبت أن الوراثة هي وراثة النبوة لا وراثة المال، وعدم وراثة الأنبياء هي من علامات نبوتهم، ذلك أن الله تعالى صان الأنبياء أن يورثوا دنيا، لئلا يكون ذلك شبهة لمن يقدح في نبوتهم بأنهم طلبوا الدنيا وورثوها لورثتهم -كما يقول ابن تيمية.
2- حاول الهادي أن يضعّف ويشكك بحديث أبي بكر، ليس عن علم أو بالطرق التي عرفها المحدثون في تضعيف أو تصحيح الحديث، وإنما عبر الكذب والافتراء أو الجهل، فقد زعم أن الحديث إنما اختلقه أبو بكر لأنه لم يسمعه غيره، وبحسب قول الهادي "ولقد سألنا جميع من نقل من أصحاب محمد عليه السلام هل روى أحد منكم أنه سمع من رسول الله مثل الذي سمع أبو بكر؟ فقال: اللهم لا، ثم جاءت بعد ذلك أسباب كثيرة قد جمعها الجهال حب التكثير لما لا ينفع عن عائشة وعن عمر المسندين لها عن النبي عليه السلام فإذا عائشة تقول: سمعت أبا بكر يقول وإذا عمر يقول: سمعت أبا بكر يقول: قال رسول الله (ص): "إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة" وإذا هذه الأسانيد المختلفة ترجع إلى واحد، ولم يوجد أحد من أصحاب محمد يشهد بمثل شهادة أبي بكر في الميراث.." ولو أن أبا بكر وحده من روى الحديث لما ترددنا في قبوله لأنه: "ثاني اثنين إذ هما في الغار" بشهادة رب العالمين و"صديق هذه الأمة" بشهادة النبي (ص) ومن شهد له الله ورسوله ليس بحاجة لشهادة الهادي، بل يكفي روايته وعمله بهذا الحديث للدلالة على صدقه وتقديمه الشرع على مصلحته الشخصية لأن من ورثة النبي (ص) أزواجه ومنهم عائشة بنت أبي بكر، وقد حرمت نصيبها بهذا الحديث النبوي ولو جرى أبو بكر مع ميله الفطري لأحب أن ترث ابنته، لكن مع ذلك فالحديث مروي من طرق عدة غير طريق أبي بكر وعمر وعائشة، فهو متواتر وورد عن أكثر من ثلاثة عشر صحابيا منهم ثمانية من العشرة المبشرين بالجنة ومنهم ثلاثة من آل البيت علي والعباس وابن عباس، فضلا عن زوجات النبي (ص).
بل إن الإمام زيد قد روى الحديث في سنده ولكن بلفظ "إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر".(6)
3-كان من الواضح أن الهادي يريد استغلال عواطف الناس العوام خصوصا، وإثارة سخطهم على أبي بكر حتى ولو بالأكاذيب، فهو لم يكتف بقصر رواية الحديث على أبي بكر وإنما زعم "أن أبا بكر عدا على هذا الذي أخذ من أيدي أصحابه بما ذكر، فوقفه على نفسه وأولاده وأولاد أولاده وعلى أصحابه وأولادهم وأولاد أولادهم مؤبدا إلى أن تقوم الساعة وترك أهله جياعا ضارعين، يتداول ذلك الظالمون ظالما بعد ظالم، عليهم لعنة الله من يومهم ذلك إلى يومنا هذا، يصرفونه حيث شاءوا، ويعيش فيه الفاجرون والفاسقون، يتخذونه مغنما ويشرب فيه الخمر ويركب فيه الذكور ويستعان به على الشرور وأهله أهل بيت الحكمة وموضع الخير ومعدن الفضل ومنزل الوحي ومختلف الملائكة مبعدون عنه، مظلومون فيه مأخوذ من أيديهم ظلما مغصوبون غصبا..".
فتأمل هذا الفحش الفكري والافتراء العظيم فأبو بكر لم يأخذ المال لنفسه وأهله بإجماع المؤرخين، وإنما سلم أرض فدك لعلي والعباس يفعلان بها ما كان يفعله رسول الله (ص)، ثم إن أبا بكر قد أعطاهم من مال الله بأضعاف الميراث، وإن أبا بكر أتقى وأنقى من أن يحرم بنت رسول الله ويأخذ المال لنفسه، لقد أراد أن ينزل السوق ليعول نفسه بعد أن أصبح خليفة لأنه لم ير لنفسه حقا مقابل منصبه لكن الصحابة رفضوا وفرضوا له راتبا يكفيه كأوسطهم، ومع ذلك أوصى عند وفاته أن يحسب ما استلمه من بيت المال فيخرج من ماله الخاص تعففا وورعا!! ثم إن ما قام به أبو بكر قد أقره علي في حينه، واستمر عليه عند خلافته، ولهذا قال الإمام زيد بن علي لما سأل عن حكم أبي بكر في فدك: لو كنت إياه ما قضيت إلا بما قضى به، وهو ما ذهب إليه بعض أئمة الزيدية المعتدلين كيحيى بن حمزة والإمام المهدي أحمد بن يحيى إذ قال في البحر الزخار: "وقضاء أبي بكر في فدك صحيح خلافا للإمامية وبعض الزيدية".. ولو كان باطلا لنقضه علي ولو كان ظالما لأنكره بنو هاشم والمسلمون.(7)
ثم تأمل كيف يحاول الهادي أن يتلاعب بعواطف الناس ويصور أبناء فاطمة أنهم قد ماتوا جوعا في حين أولاد الآخرين -وهم بقية الصحابة- يعبثون بمال أهل البيت في ارتكاب الفواحش!! هكذا كان الهادي ينظر لنفسه وسلالته فهم "موطن الرسالة ومنبع الحكمة..الخ" أما الآخرون فمجرد شواذ وسكارى، وإذا كانت هذه رؤيته للصحابة وأولادهم وبين وبينهم أكثر من قرنين ونصف فتخيل موقفه من اليمنيين الذين رفضوا بيعته والقتال من أجله، وتلك عنصرية تأباها الشرائع الوضعية المحترمة، فضلا عن شريعة رب العالمين ونبيه الكريم (ص)!!
تقديس الهادوية لآراء الهادي
ومما سبق نجد أن الهادي يرد الأحاديث إذا كانت من غير آل بيت النبوة، ويدعو الناس لعدم الانشغال بأخذ العلم أيا كان إلا منهم، لهذا نجده يطعن بالصحيحين وبقية الأمهات، وقد نقل عنه المهدي أحمد بن يحيى المرتضى في كتابه الغايات قوله "ولهم –أي أهل السنة- كتابان يسمونهما بالصحيحين (صحيح البخاري وصحيح مسلم) ولعمري أنهما عن الصحة لخليان"، قال المهدي معقبا على كلام الهادي: "ولعمري إنه (أي الهادي) لا يقول ذلك على غير بصيرة"!! وأكد موقفه العلامة مجد الدين المؤيدي في لوامع الأنوار (1/206) حيث أكد أن الهادي يحيى بن الحسين قال عن صحيحي البخاري ومسلم: "بينهما وبين الصحة، مراحل"!! ولأن أئمة الهادوية تقدس الهادي حتى قال عبدالله ابن حمزة –وهو من هو علما واجتهادا "إننا نهاب نصوص الهادي كما نهاب نصوص القرآن".
وقال نشوان الحميري:
إذا جادلت بالقرآن خصمي
أجاب مجادلا بكلام يحيى!
فقلت كلام ربك عنه وحي
أتجعل قول يحيى عنه وحيا!
لهذا فقد أخذوا كلامه كقرآن وتواصوا برفض كتب الحديث والزعم بأنهم لا يأخذون الأحاديث من العجم أو حتى من العرب ويتركون من رووا عن آبائهم وأجدادهم!
أو كما قال المهدي أحمد بن يحيى المرتضى:
إذا شئت أن تختر لنفسك مذهباً
ينجيك يوم الحشر من لهب النار
فدع عنك قول الشافعي ومالك
وحنبل والمروي عن كعب أحبار
وخذ من أناس قول رواتهم روى
جدهم عن جبريل عن الباري
وقال عبدالله بن حمزة مفتخرا بالفرق بينه وبين المحدثين:
كم بين قولي عن أبي عن جده
وإن أبي فهو النبي الهادي
وفتى يقول: حكى لنا أشياخنا
ما ذلك الإسناد من إسناد
وفي كتاب يدافع عن الزيدية ويؤكد قربها من أهل السنة، قال المؤلف "البخاري ومسلم والأمهات الست هي عمدة أهل البيت في التعرف على أدلة المسائل الفقهية"(8) بيد أن هذا القول لم يعجب العلامة أحمد بن لطف الديلمي حيث اعتبر "ظاهر كلام" الكاتب أن أهل البيت قرناء القرآن جهلة في علم الحديث لا قوة إلا بالله"!! ولذلك فهم –حسب زعمه- يعتمدون على كتب غيرهم، وكأن أهل البيت لا علم لهم بالحديث رواية ودراية!! وهذا إفك مبين على العترة الطاهرين "سبحانك هذا بهتان عظيم".
والحق أن أهل البيت عليهم السلام لهم كتب حديثية هي العمدة في التعرف على أدلة المسائل الفقهية تغنيهم عن غيرها من كتب العامة"(9).
ثم سرد بعض ما أسماها الكتب الحديثية المشهورة عند الزيدية وكذلك كتب الرجال ثم ذكر "ما قاله إمام الزيدية الهادي إلى الحق عليه السلام عن صحيحي البخاري ومسلم حيث ذكر عليه السلام في "كتاب القياس" أهل الحديث فضعف رواياتهم حتى قال فلهم كتابان يعبرون عنهما بالصحيحين وإن بينهما وبين الصحة لمسافات ومراحل..أه.
وكذا قال بقوله سائر أهل البيت عليهم السلام(10).. ثم ختم بحثه بالقول: "وخلاصة البحث أن صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من الأمهات الست منها الصحيح والضعيف والموضوع والمكذوب وإذا ورد حديث منها في كتب الزيدية فللإجماع به على الخصم وإلا ففي كتب الحديث عن الزيدية ما يكفي ويغني"(11)
إن حديث الديلمي وغيره من علماء الهادوية يؤكد أن الزيدية لهم علم حديث خاص بهم ولا يحتاجون لكتب الحديث السنية إلا من باب ردهم على خصومهم ويقصد بالخصوم "أهل السنة" والسؤال هنا: هل بالفعل هناك ما ذكره المؤلف وغيره؟
هل للهادوية إسناد خاص؟
هذه المفاخرات الجاهلية توحي وكأن مع الزيدية الهادوية علم حديث خاص برواته روى أبي عن جدي عن جبريل عن الباري كما زعموا.. ولو كان الأمر كذلك لكان الواجب إخضاعهم للجرح والتعديل كغيرهم من المحدثين إذ شروط العدالة "الحفظ والإتقان وغيره" ولا علاقة لذلك بالنسب، لكن الحقيقة أنها مجرد تهاويل وكذب وتضليل للعامة لا غير، وقد كفانا في الرد على هذه الدعاوى الفارغة علمين من أعلام الزيدية غير المتعصبين الأول وهو العلامة ابن الوزير والثاني العلامة المقبلي الذي يقول "ومن كلمات متفقة زماننا أن الهادي ومذهبه المعتمد في اليمن لا يروي إلا عن آبائه، وهذا كذب محض إلا أنهم لا يعرفون كذبهم لعدم معاودة كتبه، ومن عرفها منهم، وقال ذلك كان كذبه عمدا، ولقد قال السيد محمد بن إبراهيم بن الوزير رحمه الله في "إيثار الحق على الخلق" إن كتابه "الأحكام" ليس فيه غير حديث واحد متصل بأهل البيت وما عداه مدخل في رواية غيرهم، أو هو متصل لا يدري من الواسطة، وهذا الحديث ذكره في كتاب الطلاق في باب "من طلق ثلاثا"(12).
ولأن هذا هو الواقع فإن علماء الهادوية قد أخذوا من كتب الحديث لكن دون الالتزام بشروط المحدثين وإنما أخذوا ما يوافق هواهم، قال العلامة المقبلي "وغير الرافضة من الشيعة وهم الزيدية تذبذبوا كثيرا في هذه المسألة واختبطوا إذا جاءهم الحديث بما تهوى أنفسهم قبلوه حتى عمن يفسقونه بالبغي مثلا، كما تراه في أول حديث في الشفاء وفي سائره، وفي غيره من كتبهم فإذا جاء الحديث بما لا تهوى أنفسهم ردوه، وقد حوا في أفاضل الصحابة كجرير البجلي بل أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها ولا حجة لهم فيهما على أصولهم اللهم إلا بالعدوى"(13).
ولا عدوى في الإسلام، بل قدحوا في حافظ الصحابة على الإطلاق أبي هريرة، وانظر ذلك في معارك الأهواء في مثل المسح على الخفين، وذلك من حديث "ما تركناه فهو صدقة" وقد رواه سبعة من العشرة فما ظنك بغير ذلك، وعلى الجملة فهم في هذه المسألة عند النقد والتكلم على الأحاديث لا شيء، بل أشبه شيء بالروافض ويظهر عليهم أحيانا ما يصدق قول القائل: ائتني بزيدي صغير، أخرج لك منه رافضيا كبير وكذلك في سائر الرواة غير الصحابة، وإن كان هذا الأخير مشتركا بينهم وبين سائر المذاهب حلا أنه يلوح على غيرهم هناك التكلف والتعسف ويلوح عليهم مع ذلك عدم الإقبال المناسب لقلة البضاعة".(13)
علم الجرح والتعديل عند الزيدية
حارب أئمة الهادوية الحديث وعلومه، بيد أن هناك من اطلع على علم الحديث ووجد أنه قد فاته علم كبير فاهتم به وقد حارب كثير من أئمة وعلماء الهادوية المتعصبين كل من اتجه لعلم الحديث وإذا كان من السهل عليهم اتهام كل من اتجه لعلم الحديث من غير الهاشميين بالنصب فإنهم قد وجدوا صعوبة في إطلاق هذا المسمى على شخص بمنزلة ابن الوزير الذي لا يخفي نسبه ولا مذهبه، لكنهم عاتبوه، عاتبه شيخه: كيف يرجع إلى علوم العامة ولا يرجع إلى أئمة الزيدية في علم الحديث والجرح التعديل، فرد على شيخه قائلا: "إن قولك بالرجوع في الحديث وتصحيحه وتضعيفه ورده وتعليله إلى أئمة الزيدية يحتاج إلى تمهيد قاعدة وهي: أن يكون أئمة الزيدية قد صنفوا في معرفة صحيح الحديث ومعلومه، ومقبوله ومردوده، ما يكفي أهل الاجتهاد من أهل الإسلام، والمعلوم خلاف ذلك، فإن من أهل الاجتهاد من لا يقبل المرسل، ومنهم من يقبل ما وقفه الأكثرون ورفعه بعض الثقات، أو وصله وقطعوه أو أسنده وأرسلوه ومعرفة هذا يحتاج إلى تأليف في العلل والذي صنف كتب العلل هم علماء الحديث كالدارقطني وغيره، وليس لأئمة الزيدية في ذلك تصنيف البتة، ومن لم يفرد للعلل تأليفا من المحدثين ذكرها في تأليفه في الحديث كما يصنع أبو داوود والنسائي وغيرهما، بخلاف من جمع الحديث من الزيدية فإنه لا يتعرض لذلك، وكذلك المجتهد يحتاج عند تعارض الأحاديث إلى معرفة الراجح بكثرة الرواة أو زيادة معدليهم، أو كون بعضهم مجمعا عليه وبعضهم مختلفا فيه، وهذا يحتاج إلى معرفة فنين عظيمين:
أحدهما: معرفة طرق الحديث، وهو فن واسع لا نعرف للزيدية فيه تأليفا.
الثاني: علم الجرح والتعديل، وما فيه من تعريف مراتب الثقات والضعفاء الذين لا يحكم ترجيح حديث بعضهم على بعض إلا بعد معرفته، وهو علم واسع، صنف الحفاظ فيه الكتب الواسعة.. وليس للزيدية في هذا الفن تأليف البتة، وهذه علوم جليلة لا بد من معرفتها عند من يعتقد وجوب معرفتها من أهل الاجتهاد.
فقول المعترض: إن الواجب هو الرجوع إلى أئمة الزيدية في علوم الحديث، قول مغفل لا يعرف أن ذلك مستحيل في حق أكثر أهل العلم الذين يشترطون في علوم الاجتهاد ما لم تقم به الزيدية، وإنما هذا مثل قول من يقول إنه يجب الرجوع في علم الطب إلى الأحاديث النبوية والآثار الصحابية، ولا يجوز تعديها إلى غيرها، ومثل من يقول: إنه يجب الرجوع في علوم الأدب إلى أئمة الزهادة، وأقطاب الرياضة"(14).
المراجع:
(1) المجموعة الفاخرة "مجموع كتب رسائل الإمام الهادي" تحقيق علي أحمد الرازحي، ص582.
(2) المرجع السابق، ص520.
(3) انظر: تفسير القرآن لعبدالرزاق الصنعاني/303، وتنوير القياس من تفسير ابن عباس 1/180، وتفسير السمرقندي 2/142، وتفسير السمرقندي 2/377، والدر المنثور للسيوطي 4/10.
(4) انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية الأندلسي 3/159.
(5) كتاب المنتخب للإمام الهادي، ص494، وما بعدها والفقرات المنقولة عن الهادي بعد هذه الفقرة مأخوذة من هذا النص ولن نكرر هامشها تجنبا للإطالة.
(6) انظر المجموع الحديثي والفقهي –المعروف باسم مسند الإمام زيد، تحقيق عبدالله بن حمود درهم العزي، إصدار مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، الطبعة الثانية 2009م، ص303..
(7) أحمد بن يحيى المرتضى، "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار"، دار الحكمة اليمانية صنعاء 1988م، ص94.
(8) علي بن أحمد بن ناصر مجمل "القول الجلي في الذي عن مذهب الإمام زيد بن علي"، دار النشر للجامعات، الطبعة الثالثة 2008، ص75.
(9) أحمد بن لطف بن زيد الديلمي "كشف النقاب عن مذهب قرناء الكتاب" الطبعة الأولى 2010م، ص78.
(10) نفسه، ص80.
(11) نفسه، ص83.
(12) صالح بن مهدي المقبلي "العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشائخ"، الطبعة الأولى بمصر سنة 1328ه، ص61.
(13) نفس المرجع، ص352.
(14) محمد بن إبراهيم الوزير "الروض الباسم" ج1/175-177.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.