يستمد رجال الدين صلاحياتهم من موروثات إسلامية ووثنية، إذا سلطت عليها نور العقل، ظهر ضعفها، ففي التراث اليوناني مكانة الفيلسوف تكون رأس المملكة، وفي الهرمسية والزرادشتية لا يؤخذ العلم إلا من المعلم المختص، وصار هذا مبدأ عند السنة، فلا يؤخذ العلم إلا من شيخ، وعند الصوفية والإسماعيلية لابد أن يؤخذ العلم من إمام؛ لأن القرآن فيه باطن لا يعرف إلا بمعلم أو إمام يكشف هذا الباطن. وفي التراث العربي الجاهلي كان الكهنة سدنة الآلهة، العلماء المختصين بمعرفة مراد اللات والعزى ومناة، وما يتوجب على الناس القيام به لإرضائها، وهم الذين يعرفون ما تحب وما تكره، وما الذي يرضيها وما الذي يغضبها. ويبدو لي أن ذلك كله قد اختصر بمقولة " العلماء ورثة الأنبياء".. ورد في كتب أهل السنة حديث "العلماء ورثة الأنبياء، لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكن ورثوا العلم.."، وله صيغ مختلفة، يضرب بعضها بعضا، وكلها عن صحابي واحد هو أبو الدرداء، الذي نسب إليه أيضا أن رسول الله قال :"العلماء خلفاء الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم"! وكتب الحديث مليئة بمثله، ومنها حديث "العلماء يحشرون مع الأنبياء" .. ولاحظ: العلماء خلفاء الأنبياء.. ويحشرون مع الأنبياء. وهذا الحديث يتعارض مع القرآن الكريم، ومع سيرة الرسول، فالرسول محمد (ص) ترك إرثا، اختصم عليه أبو بكر وفاطمة وعلي، وذكر القرآن أيضا أن الأنبياء يورثون، قال على لسان زكريا :" فهب لي من لدنك وليا يرثني، ويرث من آل يعقوب".. والوراثة هنا ليست وراثة نبوة بل وراثة مال.. وفي القرآن أيضا: "وورث سليمان داوود". ويبدو أن هذا الموروث انتقل أولا إلى الشيعة، وحاكاهم السنة بعد ذلك لكي لا يُحرموا من وراثة النبوة .. أورد الكليني (بخاري الشيعة) في كتابه "الكافي"، حديثا طويلا ورد فيه: ".. وإن العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر". والعلم المقصود هو الحديث الذي نهى الرسول عن كتابته، فكيف يورثهم ما نهي عنه؟ ومعروف أن الشيعة يدعون أن علومهم متوارثة عن الرسول، وأن علماءهم أو أئمتهم بمقام الأنبياء لا يختلفون عنهم إلا من حيث أنهم لا يتلقون الوحي مباشرة.. وأزعم أن أهل السنة اليوم لا يختلفون عن الشيعة في هذه النزعة التي يعيبون الشيعة بسببها.