قرأت قبل ليلتين كتاباً عن كعب الأحبار، ولأول مرة أعرف أن هذا اليهودي يمني حميري من ذمار.. كنت أعرف أنه أسلم في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وكان مستشاراً له ثم لعثمان، ولأول مرة أعرف أنه أستاذ الكبار: أبو هريرة، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وغيرهم، وإنه هو نفسه الذي يكنِّيه مدونو الحديث بأبي إسحاق، الذي نقلوا عنه، وأخذ برواياته مفسرون، واعتمد مؤسسو مذاهب أهل السنة على كثير من آرائه. وهذا اليهودي ليس الوحيد الذي أخذوا عنه، لكنه يتميز بأنه أستاذ الكبار، وعن طريقهم سرَّب المرويَّات اليهودية الخرافية القديمة- والتي لا يتقبَّلها عقل- إلى الثقافة الإسلامية، ففي القرآن علم الغيب يختص به الله، ولم يُطلع رسله عليه، ومع ذلك أخذ المسلمون من التراث اليهودي- عن طريق أبي إسحاق- مرويات عن تفاصيل الدار الآخرة، وهي غيب، ومنه أخذوا احتقار المرأة. ويبدو أنهم تقبلوها لأنها صادرة عن هذا المثقف اليهودي، خاصة وأن المسلمين يعتبرون اليهودية ديانة سماوية.. لكن لا أعتقد أن هذا التفسير نهائي، لأن إسلافنا أخذوا من الموروثات التي لا علاقة لها بالسماء.. والأرجح أن المسلمين أخذوا من السابقين، لأن العرب لم يكونوا أهل علوم، قبل الإسلام، فأخذوها من غيرهم بعد اختلاطهم بغير المسلمين، أو عن طريق الذين أسلموا. من قبل قرأت كتباً للدكتور الجابري، وأفدت منها أن في الموروث الديني الفارسي، صلاح الفرد صلاح للجماعة (السلطة)، وهو ملزم بطاعتها، وبموجب هذا التراث الطاعة للحاكم طاعة لله.. وتكتب اليوم عبارة "العدل أساس الملك"، وهي فارسية، تعني نعدل لكي نبقى في الحكم.. وهذا أصبح مكوناً من مكونات ثقافتنا رغم أنه نتاج ديانة وثنية.. إذ في الإسلام هدف الحكم تحقيق العدالة. وفي العقيدة الهرمسية لا يؤخذ العلم إلا من معلِّم، وهذا مبدأ عند أهل السنة فلا يؤخذ العلم إلا من شيخ، وعند الصوفية لا بد أن يؤخذ العلم من عالم، لأن القرآن فيه باطن لا يُعرف إلا بمعلِّم يكشف الباطن. وفي الهرمسية أيضاً يُعرف الله بالنفس، لأن النفس شيء من الله (خلق الله الإنسان على صورته).. وفيها أيضاً التبشير بزوال الدنيا، وأن المصائب عقاب من الآلهة على المعاصي، كذلك الزلازل والفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية عقاب من الله، وهذه الهرمسيات كلها يسوِّقها رجال الدين اليوم كأنها قرآن.