مجزرة مروعة في محافظة تعز واستشهاد 5 نساء بقصف حوثي على المدنيين    هل يُخفي البحر الأحمر مخططًا خطيرًا؟ القيادي المؤتمري ابوبكر القربي يُحذر!    الدوري الالماني ... بايرن ميونيخ يحقق الفوز امام فرانكفورت    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    البريميرليج ... ليفربول يواصل السقوط    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    "نجل الزنداني" يكشف عن رسالة من ايران لأسرتهم ..ماذا جاء فيها    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    اختطاف ناشط في صنعاء بعد مداهمة منزله فجر اليوم بسبب منشورات عن المبيدات    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    ضبط المتهمين بقتل الطفل الهمداني في محافظة إب بعد تحول الجريمة إلى قضية رأي عام    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    جماعة الحوثي توجه تحذيرات للبنوك الخاصة بصنعاء من الأقدام على هذه الخطوة !    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    حادث مروع .. ارتطام دراجة نارية وسيارة ''هليوكس'' مسرعة بشاحنة ومقتل وإصابة كافة الركاب    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    عاجل: إعلان أمريكي بإسقاط وتحطم ثلاث طائرات أمريكية من طراز " MQ-9 " قبالة سواحل اليمن    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية لوثيقة الحوثيين الفكرية..عندما تصبح العنصرية دينا(8)!
نشر في الأهالي نت يوم 01 - 06 - 2012

تحت عنوان الاصطفاء أفردت الوثيقة فقرة خاصة لهذه القضية الشائكة، حيث نصت على «أن الله سبحانه اصطفى أهل بيت رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة وأنه يهيئ في كل عصر من يكون منارا لعباده وقادرا على القيام بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها»..
كانت الأدلة التي أوردتها الوثيقة لمسألة الاصطفاء هي نفس الأدلة على قضية حصر الإمامة في البطنين، وقد تناولناها في حلقة سابقة، ومن يتأمل في القضايا التي أثارتها الوثيقة وجعلتها حكرا لآل البيت: الإمامة، العلم، تفسير القرآن، تصحيح الأحاديث، أصول الفقه.. الخ، سيجد أنها جميعا نتائج لقضية الاصطفاء، فإذا صح أن الله عز وجل قد اصطفى أسرة أو سلالة من دون الناس صحت دعواهم في وجوب احتكام الناس إليهم في جميع المجالات، لأن الله قد ميزهم واصطفاهم، وقد حاول دعاة الاصطفاء والتمييز السلالي -كعادتهم- الاتكاء على نصوص القرآن والسنة لتبرير دعواهم، فعملوا على تأويل بعض النصوص واستخدموا الإرهاب الفكري ضد من يخالف تفسيرهم، ما جعل بعض أهل السنة يقبل ببعض هذه التفسيرات حتى لا يتهم بالنصب ومعاداة آل البيت؟ وسنكتفي بذكر أهم الأدلة التي ورد بعضها في كتب أهل السنة وهو ما يستغله دعاة العنصرية باعتبار أن هناك إجماعاً على أفضليتهم. وهي الآية 33 من سورة الأحزاب (إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).
جناية التأول لآية التطهير
قال الله عن كتابه العظيم (فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله)، واعتماد الفرق الضالة على المتشابه من القرآن أمر معلوم، لكن ما نحن بصدده ليس من الآيات المتشابهات وإنما هو من المحكم ومع ذلك فقد خاض فيه الخائضون واستغلوه أسوأ استغلال، لقد عمدوا إلى هذه الآية في سورة الأحزاب فنزعوها من سياقها وفسروها بغير ما نزلت فيه، فقالوا إن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أضافت الاثنا عشرية أئمتهم الاثني عشر فقط تحت عموم الآية في حين ذهبت الهادوية إلى أن الآية تشمل جميع ذرية الحسنين إلى يوم القيامة، أما دلالة التطهير فقد ذهبوا فيها مذاهب شتى، ودعونا الآن نقرأ الآية وما طرأ عليها من تأويلات.
أهل البيت كما ورد في القرآن
عاشت نساء النبي صلى الله عليه وسلم حياة الكفاف والفقر حتى إنه كان يمر الشهر والشهرين ولا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، ولم يكن طعامه وأهله إلا الأسودان: التمر والماء. وعندما فتح الله على نبيه والمسلمين وحصلوا على الفيء والغنائم ظنت نساء النبي أنه سيوسع عليهن من الفيء الذي جعل الله له الخمس فيه، لكنه قال لأصحابه: «ليس لي من هذه الغنائم إلا الخمس والخمس مردود لكم». لقد طالبت نساؤه بتوسيع النفقة فأنزل الله عليه قرآنا يتلى يخيرهن بين البقاء مع رسول الله وتحمل المشاق معه، وبين أن يسرحهن إن أردن الحياة الدنيا، لقد أراد الله لنساء نبيه أن يكن غير نساء العالمين، ولذا فرض عليهن فروضا غير ما فرض على نساء المسلمين، وذلك ليطهرن تطهيرا، وتعالوا نتأمل آيات القرآن في سورة الأحزاب التي وردت فيها آية التطهير، قال تعالى (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا* وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما* يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا* ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما* يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا* وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا* واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا)، هذه هي آية التطهير ضمن آيات خاصة بنساء النبي، وهذه الآيات كما يقول العلامة محمد إسعاف النشاشيبي «كلها جمع لا تحتاج إلى تفسير، ولا إلى جمهور من مفسرين: إنها تنادي على نفسها وفيها شرحها وتفسيرها، وهي أظهر من الشمس وأوضح وأضوأ، وهي من الكلام الظاهر لا الباطن... الله يأمر نبيه أن يقول لنسائه ما أمره به، والغرض بين وفيه تحذير، وهناك تطهير، وقد سلك القرآن أسلوبه المعجز العالي في التعبير، فما دخل فاطمة وعلي والحسن والحسين في هذا الأمر؟»(1).
مأساة آل البيت ومأساة التأويل
لقد أدى استشهاد الحسين بكربلاء والأذى الذي لحق بأهل بيته إلى تعاطف كبير من المسلمين معه ومع أبنائه وخصوصا من أهل العراق الذين كانوا يشعرون بالذنب لأنهم خذلوه، والحق أنه كان الواجب على المسلمين كافة نصرة الحسين وآل بيته لأنهم كانوا أصحاب حق، ويزيد كان على باطل، كما إن التعاطف معه بعد مقتله أمر مفهوم، لكن ما كان ينبغي أن يقود ذلك إلى نصرته بالكذب بمثل هذا التفسير الذي زعم أن آية التطهير إنما وردت في فاطمة وعلي والحسن والحسين. إن أصحاب هذا القول قد أرادوا الرفع من شأن آل البيت بزعمهم، مع أن لهم من الفضائل ما يغنيهم عن مثل هذه التأويلات البعيدة، ويبدو أن مثل هذا التفسير قد بدأ في وقت مبكر ولا يزال بعض الصحابة كابن عباس أحياء، وهو ما يدل عليه سؤالهم له عن معنى الآية ورده عليهم بأنها نزلت في نساء النبي، لكن التفسير القريب لاقى هوى عند بعض الناس، وهو ما جعل عكرمة مولى ابن عباس ينادي في الأسواق أن الآية نزلت في نساء النبي، ومن شاء باهلته في ذلك!!
ومع ذلك استمر الشيعة في الإصرار على تفسيرهم هذا، واتهام من يعارضه بأنه «ناصبي» وعدو آل البيت، ولأن أهل السنة يكنون الحب لآل البيت، فقد اضطر بعضهم حتى يدرأ عن نفسه التهمة، بقبول هذا التفسير، لكن دون حصر الآية بهم، وإنما إلى جانب نساء النبي لأن الآية نزلت فيهن أصلا، ولكن بحسب قولهم لا يمنع أن يدخل علي وفاطمة والحسن والحسين فيها بحكم قرابتهم من النبي!! بيد أن الشيعة بما فيهم الهادوية لم يقبلوا إدخال نساء النبي في الآية، وحصروها فقط في علي وفاطمة والحسن والحسين، وحتى يعززوا هذا التفسير ذهبوا إلى آية أخرى وهي أية المباهلة، والتي نزلت في نصارى نجران عندما وفدوا على النبي (ص)، وجادلهم حول المسيح أنه رسول الله، وأنزل الله عليه (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون* الحق من ربك فلا تكن من الممترين* فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) قالوا إنه بعد نزول الآية دعا النبي (ص) عليا وفاطمة والحسن والحسين ثم غطاهم بكساء خبيري وقال «اللهم إن هؤلاء أهلي، اللهم أبعد عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا»، ثم تلا «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا».
وأضافوا إن أم المؤمنين أم سلمة أرادت أن تدخل معهم فرفض النبي (ص) ذلك وقال لها: «أنت إلى خير»! وقد قبل أهل السنة الرواية ولكن مع رفض بعضهم لزيادة أم سلمة، حتى لا يخرجوا نساء النبي (ص) من آية التطهير، رغم يقينهم أنها نزلت فيهم، والحقيقة أن قصة المباهلة رواية شيعية لا أساس لها من الصحة، فالقرآن تحداهم لكنهم تشاوروا في الأمر وقالوا إن باهلنا وكان صادقا هلكنا وذريتنا، فاعتذروا عن المباهلة وعقدوا صلحا وعهدا مع النبي (ص) وعادوا إلى نجران، ولم يكن معهم نساؤهم وأولادهم أصلا، وقد كشف عن أصل الرواية وتهافتها الإمام محمد عبده الذي لا يتهم بمعاداة الشيعة، بل إنهم يزعمون أنه تشيع ويوردون اسمه ضمن من يسمونهم المهتدين، لأنه حقق وشرح نهج البلاغة للإمام علي ودافع عن صحة معظم ما ورد فيه، يقول الإمام محمد عبده كما نقله عنه تلميذه محمد رشيد رضا مؤيدا له في هذا التفسير: «الروايات متفقة على أن النبي (ص) اختار للمباهلة عليا وفاطمة وولديهما، ويحملون كلمة نساءنا على فاطمة، وكلمة أنفسنا على علي فقط، ومصادر هذه الروايات الشيعة، ومقصدهم منها معروف، وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا، حتى راجت على كثير من أهل السنة، ولكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية، فإن كلمة نساءنا لا يقولها العربي ويريد بها بنته لا سيما إذا كان له أزواج، ولا يفهم هذا من لغتهم وأبعد من ذلك أن يراد بأنفسنا علي عليه الرضوان ثم إن وفد نجران الذين قالوا إن الآية نزلت فيهم، لم يكن معهم نساؤهم وأولادهم» أ.ه.
إخراج الآية من سياقها
حاول علماء الشيعة ومنهم الهادوية استبعاد نساء النبي من الآية، وحصرها في فاطمة وزوجها وولديهما وذريتهم، وعندما فشلوا في إقناع الناس بآية المباهلة، ذهب المتأخرون منهم إلى إثارة شبهة لغوية إذ أثاروا تساؤلات لماذا قال القرآن: عنكم!؟ في يذهب «عنكم الرجس»؟ فقالوا هذا دليل أن المقصود ليس نساء النبي وإلا لقال عنكن، وهي حجة قد تنطلي على من لا يفهم اللغة العربية والقرآن الكريم، أما من يفهم فيهما فلا يثير هذا السؤال أصلا ولهذا لم يثره الصحابة أو التابعون، ذلك أن المراد بالبيت في الآية كما يقول السيد محمد رشيد رضا «هو بيت النبي (ص) الذي كان يسكنه وهو جنس والمراد بأهله هو ونساؤه، وذكر ضمير الجمع المذكر تغليبا للإشرف إيذانا بأن العناية به ثم بهن تبعا له، أو رعاية للفظ الأهل، والعرب تستعمله ومنه (إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر) (النحل: 7)، وقوله (فقال لأهله امكثوا) (طه:10)، ونحو هذه الآية قوله تعالى (قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) (هود:73)، والخطاب لامرأة إبراهيم عليه السلام، هذا ما يقتضيه السياق، ويتبرأ من كل من يخالفه، فإن العبارة جاءت في آية معطوفة على عدة آيات فيهن بالنص الذي لا يحتمل التأويل..»، ويتجاهل أصحاب هذه المغالطة أن الأخذ بقولهم بأن المراد بالآية غير نساء النبي، سيجعل السياق مختلا، وهو ما لا يليق بأي كلام عربي فصيح، فما بالك بكتاب الله عز وجل، وقد تنبه لذلك عدد من العلماء قدامى ومعاصرين من الذين لم يخشوا اتهامهم بالنصب لأنهم رأوا السكوت جريمة بحق كتاب الله، فهذا الحكيم الترمذي في (نوادر الأصول) يقول بعد أن شنع على تفسيرات الشيعة لهذه الآية: «وتأولوا قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) إنما هم علي وفاطمة والحسن والحسين، وهي لهم خاصة، وكيف يجوز هذا ومبتدأ هذا الخطاب قوله عز وجل (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا* وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما)، ثم قال (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا* وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، ثم قال (واذكرن ما يتلى في بيوتكن) وهذا كلام منسوق أثره على إثر بعض، فكيف صارت هذه المخاطبات كلها لنساء النبي قبلا وبعدا وينصرف في الوسط لغيرهن، وهو على نسق ونظام واحد، قال: (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) ثم قال على إثره (بيوتكن) فكيف صار الكاف الثاني خطابا للنساء والأولى لعلي وفاطمة وأين ذكرهما في هذه الآيات، فإن قيل: إن كاف الخطاب لنسائه فكيف قال «ليذهب عنكم» ولم يقل «عنكن»؟ قلنا: إنما ذكره لأنه ينصرف إلى الأهل والأهل مذكر، فسماهن باسم التذكير وإن كان إناثا».(2)
ومن المعاصرين العلامة محمد رشيد رضا الذي يقول عن نفسه إنه «علوي، فاطمي، حسيني الأب، حسيني الأم، عالم بالأخبار والآثار الواردة.. ولكن كتاب الله كما قال- فوق كل شيء، وحكمه فوق كل حكم، يقول رحمه الله: «اعلم أن بعض الناس قد تكلموا في هذه الآية بالرأي فزعموا أن المراد بأهل البيت جميع ذرية فاطمة، والحق الذي لا محيد عنه إلا الهوى أن المراد بالبيت في الآية بيت النبي (ص) الذي كان يسكنه وهو جنس، والمراد بأهله هو نساؤه ثم يرد على الروايات التي جاءت متعلقة بالآية فيقول: «اعلم أن ما ورد من الروايات في تخصيصها ولا مزية بفاطمة وعلي وولديهما مما يتبرأ منه سياق الآية، إذ يصير معنى الآية، يا نساء النبي لا تفعلن كذا وكذا، وافعلن كذا وكذا، إن الله لا يريد بهذه الأوامر والنواهي، إلا إذهاب الرجس عن علي وزوجته وولديه وتطهيرهم من كل ما يفضي إلى اللائمة تطهيرا كاملا»، وإن رواية تفضي إلى هذا مما يقطع ببطلانها، وإن صحح بعض المحدثين سندها، بل أقول إنه لا معنى لإدخالهم في عموم الآية فضلا عن تخصيصها بهم ولأمزية في ذلك لهم، وهم غير مخاطبين بتلك الأحكام التي شرعت لأجل إذهاب الرجس بالعمل بها، وإنما كان يكون في ذلك مزية لو كانت الإرادة للتكوين، وكان الأخبار بها ابتدائيا غير معلن بشيء».(3)
الهادوية وحصرها الآية في الآل
على غرار علماء الاثني عشرية ذهب معظم علماء الهادوية في إخراج نساء النبي (ص) من الآية وحصرها في علي وفاطمة والحسن والحسين وذريتهما، وهو ما انتقده عليهم العلامة ابن الوزير حيث يقول: «وأوضح من هذا تخصيصهم للآل بآية التطهير دون نساء النبي (ص) مع ظهورها فيهن والاتفاق على أن سياقها وما قبلها وما بعدها فيهن، فاعتبر هذا وزن أقوالهم».(4)
وقد حاول بعض العلماء المجتهدين -الذين تركوا التقليد- التوسط في المسألة وجعل الآية تشمل الجميع، وهذا ما رجحه الإمام الشوكاني، حيث يقول بعد أن ذكر من حصرها في نساء النبي أو في ذرية علي فقط: «وقد توسطت طائفة ثالثة بين الطائفتين، فجعلت هذه الآية شاملة للزوجات ولعلي وفاطمة والحسن والحسين، أما الزوجات فلكونهن المرادات في سياق هذه الآيات كما قدمنا، ولكونهن الساكنات في بيوته (ص) النازلات في منازله، ويعضد ذلك ما تقدم عن ابن عباس وغيره، وأما دخول علي وفاطمة والحسن والحسين فلكونهم قرابته وأهل بيته في النسب، ويؤيد ذلك ما ذكرناه من الأحاديث المصرحة بأنهم سبب النزول»(5).
ومع ذلك فإن هذا التفسير ظل مرفوضا عند علماء الهادوية القدامى منهم والمعاصرين فقد شن العلامة أحمد لطف الديلمي هجوما شرسا على من قال إن أهل البيت هم نساؤه وأقرباؤه قائلا: لو سألنا المتباكي على الزيدية: من هم آل الزبير، أو آل أبي بكر أو بني مخزوم أو بني زهرة لما عدد لنا غير رجالهم، ولقال: هؤلاء هم آل فلان، متخطيا نساءهم، ونحن لا ننكر أن زوج الرجل من أهل بيته، إلا أنها أهلية مكتسبة معدومة قبل الزواج موجودة في حينه معدومة بعد البينونة، والمرأة وهي متزوجة تقول: أهلي أو أهل بيتي» ونحن لا ننكر أن أزواج النبي (ص) من أهل بيته وهي أهلية مكتسبة من النوع الذي بينت لك، أما الذين أدخلهم تحت كساءه واختصهم بدعائه، وقال اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فهي أهلية أصلية، وإياها قصد المصطفى صلى الله عليه وسلم لأنها تحدرت من أصل ومخرج واحد.. الخ».(6)
إنهم يتعاملون مع تفسيرهم المخالف لظاهر الآية وكأنه الحق الذي لا جدال فيه، يقول العلامة أحمد لطف الديلمي وهو يدافع عن الوصية للإمام علي مفندا من يزعم أن أئمة الزيدية لا يقولون بها ويختم حديثه عن هذه القضية بالقول: «وعلى الجملة فهي -أي الوصية- محل إجماعهم لاسيما القاسم والهادي إلى الحق، وهذا عنهم ظاهر لا يقبل الخفاء، ولا يحكي عنهم غير هذا في متعلق الوصاية لوصي رسول الله إلا جاهل أو متجاهل سبيله سبيل من ينكر أن آية التطهير فيهم ويزعم حصرها في النساء، ويتجاهل النص اللغوي المخصوص بالذكران «عنكم» و»يطهركم» ويتجاهل ما روي في ذلك من أحاديث الكساء في مؤلفات أهل البيت عليهم السلام وغيرهم فإنا لله وإنا إليه راجعون»(7).
وهذا الجزم منهم جعلهم على سبيل المثال يكتبون على صور العلامة مجد الدين المؤيدي وكذلك العلامة بدر الدين الحوثي «رحمهما الله» الآية (إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، وعندما رأيت صورهما في ساحة التغيير بصعدة وعلى رأسها هذه الآية، قلت على هذا المنوال سيكون تفسير الآية إذا ما قرأناه مع الآيات التي قبلها والتي بعدها على النحو التالي: يا نساء النبي لا تفعلن كذا ومن يفعل منكن كذا فجزاؤها مضاعف ضعفين، يا نساء النبي افعلن كذا وكذا إن الله لا يريد بهذه الأوامر والنواهي إلا إذهاب الرجس عن مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي وأولادهما ومن شاءا من نسلهما وسلالتهما ويطهرهم من كل ما يفضي إلى اللائمة تطهيرا كاملا ليصبحوا مؤهلين للإمامة التي منعهم منها النواصب الفجرة أعداء الله ورسوله وآل بيته، ولكن الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود والنصر للإسلام!! هل رأيتم عبثا بالقرآن أكثر من هذا!! سبحانك ربي هذا بهتان عظيم!
دلالات آية التطهير
مثلما عبث البعض بتحديد من هم أهل البيت في آية التطهير، عبثوا كذلك بدلالة التطهير الوارد في الآية، فالشيعة الاثنا عشرية زعموا أنها تعني العصمة لعلي وفاطمة والحسن والحسين وبقية الأئمة الاثني عشرية في حين ذهب الهادوية إلى عصمة الخمسة «أهل الكساء» ثم الفضل والتفضيل لبقية الذرية وذهب مثلهم بعض الصوفية الذين زعموا أن الآية تدل على غفران ذنوب من كان من سلالة الحسن أو الحسين وأن الواجب علينا أن نكرم فاسقهم وعاصيهم وأن الله سيتجاوز عن خطيئاتهم بسبب نسبهم.. إلى آخر. هذا الهراء.
ويبدو أن مثل هذه الأفكار قد انتشرت في اليمن، وهو ما يدل عليه بعض فتاوى العلامة محمد بن علي الشوكاني، حيث ورد إليه سؤال يقول: هل صحيح ما قيل من أن أهل بيت النبوة لا يعاقبون على ما يرتكبون من الذنوب؟ بل هم من أهل الجنة على كل حال؟ وأن ذلك تكريم وتشريف لهم؟ فأجاب إجابة مطولة مما جاء منها: «وأما القول برفع العقوبات عن عصاتهم، وأنهم لا يخاطبون بما اقترفوه من المآثم، ولا يطالبون بما جنوه من العظائم، فهذه مقالة باطلة ليس عليها أثارة من علم، ولم يصح في ذلك عن الله ولا عن رسوله حرف واحد، وجميع ما أورده علماء السوء المتقربين بالرياسات من أهل هذا البيت الشريف، فهو إما باطل موضوع، وإما خارج عن محل النزاع.. الخ»(8).
ومع أن كثيراً من علماء الهادوية لا يقولون بالعصمة أو غفران الذنوب لمجرد النسب لكنهم يرون في الآية تفضيلا لهم في قضايا كثيرة ومنها الإمامة الدينية والدنيوية. يقول الباحث الزيدي المعاصر عبدالله بن محمد بن إسماعيل حميد الدين: «من أبرز ما تميزت به الزيدية المكانة العالية التي جعلوها للأئمة من أهل البيت عليهم السلام، فكانت لهم المرجعية السياسية».
وسبب المكانة العالية لأهل البيت أمران:
أولهما: ما كان لأهل البيت عليهم السلام من دور بارز في المحافظة على روح الإسلام متمثلة في الأصلين البارزين: الإيمان بالله وضرورة قيام إمامة عادلة.
ثانيهما: مجموعة من الأدلة القرآنية والنبوية، من أبرزها قوله تعالى (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (الأحزاب: 33). والصلاة الإبراهيمية وحديث الثقلين.. أما الآية فقد أشارت إلى أنه تعالى سيطهر أهل البيت من الرجس، وأفادت ذلك بصيغ تأكيد قوية جدا ف»إنما» تفيد التأكيد، وتقديم «عنكم» يفيد التأكيد، و»يطهركم» هو تأكيد لمعنى «يذهب الرجس» و»تطهيرا» أيضا تفيد التوكيد، إن مجرد ذكر أهل البيت في هذه الآية الكريمة، بالصيغة هذه تدعو إلى التأمل العميق»(9).
والتأمل العميق كما يقول ابن حميد الدين -أو حتى غير العميق- يقودنا إلى غير ما يريد، فالآية أولا خاصة نساء النبي فقط لا غير، كما أن التطهير الوارد فيها لا يعني العصمة وإنما كما يقول العلامة محمد رشيد رضا فإن «المراد بالإرادة منها ما يقصد ويراد من شرع تلك الأحكام الخاصة بهن، لا إرادة الخلق والتكوين ابتداء، فقوله (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) هو كقوله عز وجل في آخر آية الوضوء والغسل والتيممم من سورة المائدة «ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون» (المائدة: 16)، وقوله بعد ذكر أحكام الصيام وما فيها من الرخصة «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر» (البقرة: 185)، كل ذلك بيان لحكمته تعالى في تلك الأحكام، وما فيها من الفائدة للأنام إذا هم عملوا بها، ولا يفهم منها إرادة الخلق والتكوين ابتداء» أ.ه.
هذه آية واحدة من كتاب الله عبث بها العابثون وحاولوا أن يبرروا بها دعوات جاهلية للتمايز السلالي والعنصري، ولكنهم لن يستطيعوا أن يخفوا الحقيقة وسيظل كتاب الله هو الخصم لكل دعوة عنصرية لأن ميزانه في التفاضل بين الناس هو التقوى لا غير (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وليس من كان من بني فلان أو فلان!!
الهوامش:
(1) محمد إسعاف النشاشيبي، الإسلام الصحيح، دار العودة، بيروت، 1985م، ص84
(2) انظر المرجع السابق، ص137- 138.
(3) محمد رشيد رضا، تفسير المنار، انظر دراسة قيمة للباحث عبدالله القيسي بعنوان «الآل والأهل في المنظور القرآني» مجلة مقاربات، العدد الأول، خريف 2012م.
(4) ابن الوزير العواصم، ج9، ص19-20.
(5) الشوكاني، فتح القدير، ج4/280.
(6) أحمد بن لطف الديلمي «كشف النقاب عن مذهب قرناء الكتاب»، ص30.
(7) أحمد بن لطف بن زيد الديلمي «الزيدية بين محب غال ومبغض قال» ص 33.
(8) انظر محمد علي الشوكاني «إرشاد السائل إلى دليل المسائل» ص38-40.
(9) عبدالله بن محمد بن إسماعيل حميد الدين «الزيدية قراءة في مشروع وبحث في المكونات» مركز الرائد للدراسات والبحوث، الطبعة الثانية 2006م، ص117.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.