مقتل "أربعة عمّال يمنيين" بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    جماعة الحوثي توجه تحذيرات للبنوك الخاصة بصنعاء من الأقدام على هذه الخطوة !    تقرير مروع يكشف عن عدد ضحايا " القات" في اليمن سنويا ويطلق تحذيرا !    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    مقتل وإصابة أربعة جنود في اشتباكات مع مسلحين خلال مداهمة مخزن أسلحة شرقي اليمن    حادث مروع .. ارتطام دراجة نارية وسيارة ''هليوكس'' مسرعة بشاحنة ومقتل وإصابة كافة الركاب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    قتلوه برصاصة في الرأس.. العثور على جثة منتفخة في مجرى السيول بحضرموت والقبض على عدد من المتورطين في الجريمة    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    أمطار غزيرة على صنعاء في الأثناء    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    توني كروس: انشيلوتي دائما ما يكذب علينا    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الخامسة والاربعون)
نشر في أخبار اليوم يوم 16 - 09 - 2012


مراتب الحسن:
وللحسن رتب كالصحيح :
فأعلاها: ما قبل لصحته .. كبهز بن حكيم عن أبيه عن جده , وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده , ومحمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن جابر . وأمثال ذلك , وهو أدنى مراتب الصحيح.
ثم بعد ذلك ما اختلف في تحسينه وضعفه , كحديث الحارث بن عبد الله , وعاصم بن ضمرة , وحجاج بن أرطأة , ونحوهم . قاله الذهبي .
والحسن لذاته المشهور رواته بالعدالة والصدق اشتهارا دون اشتهار رجال الصحيح ، إذا روي من وجه آخر ، ترقى من الحسن إلى الصحيح , وهذا هو الصحيح لغيره.
ومثاله : حديث الترمذي من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).
فإن محمدا وإن اشتهر بالصدق ، والصيانة ، ووثقه بعضهم لذلك ، لم يكن متقنا لسوء حفظه.. فحديثه حسن لذاته.. وبمتابعة محمد عليه في شيخ شيخه وهو أبو هريرة يرتقي إلى الصحة لغيره ، فقد رواه جماعة غير أبي سلمة عن أبي هريرة.. والمتابعة قد يراد بها متابعة الشيخ , وقد يراد بها متابعة شيخ الشيخ.
والحديث رواه الشيخان من طريق الأعرج عن أبي هريرة فهو: صحيح لذاته من هذا الطريق , صحيح لغيره من طريق محمد بن عمرو.
الاحتجاج بالحسن:
وجمهور المحدثين ، وعامة الفقهاء على أن الحسن كالصحيح في الاحتجاج به ، وإن كان دونه في القوة , ولهذا أدرجه طائفة في أنواع الصحيح ، كالحاكم وابن حبان وابن خزيمة.
وقال السخاوي: (منهم من يدرج الحسن في الصحيح لاشتراكهما في الاحتجاج ، بل نقل ابن تيمية إجماعهم عليه إلا الترمذي خاصة).
وقال الخطابي: (على الحسن مدار أكثر الحديث ، لأن غالب الأحاديث لا تبلغ رتبة الصحيح ، وعمل به عامة الفقهاء ، وقبله اكثر العلماء..) قال: (وشدد بعض أهل الحديث ، فرد بكل علة قادحة كانت أم لا).
كما روى عن أبي حاتم أنه قال: (سألت أبى عن حديث ، فقال : إسناده حسن, فقلت :يحتج به؟ فقال: لا).
وزيادة راوي الصحيح والحسن مقبولة, إذ هي في حكم الحديث المستقل ، وهذا إن لم تناف رواية من لم ترد ، فإن نافتها ، ولزم من قبولها رد الأخرى ، احتيج للترجيح , فإن كان لأحدهما مرجح فالأخرى شاذة.
قال الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها: (وزيادة راويهما : أي الصحيح والحسن مقبولة ، ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة ، لأنه إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها ، فهذه تقبل مطلقا ، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ، ولا يرويه عن شيخه غيره... وإما أن تكون منافية بحيث يلزمهم من قبولها رد الرواية الأخرى , فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها ، فيقبل الراجح ، ويرد المرجوح).
واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا من غير تفصيل , ولا يتأتى ذلك عن طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح ألا يكون شاذا . ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه , والعجب ممن أغفل منهم ذلك مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح وكذا الحسن .
والنقول عن أئمة الحديث المتقدمين ، كعبد الرحمن بن مهدي ، ويحيى القطان ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعلى بن المديني ، والبخاري ، وأبي زرعة وأبي حاتم ، والنسائي ، والدارقطني ، وغيرهم اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها , ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة....
ويصف الترمذي بعض الأحاديث بأنه "حسن صحيح " , وروى بعض المحدثين في هذا التعبير ما يستوقف النظر , لأن وصف الحسن قاصر عن الصحة.
وقد أجاب عن ذلك الحافظ ابن حجر بقولة : (إن تردد أئمة الحديث في حال ناقليه اقتضى للمجتهد ألا يصفه بأحد الوصفين. فيقال فيه : حسن وصفه عند قوم.. وصحيح باعتبار وصفه عند قوم).
وغاية ما فيه أنه حذف منه حرف التردد ، لأن حقه أن يقول: حسن أو صحيح.
وعليه , فما قيل فيه: حسن صحيح ، دون ما قيل فيه صحيح , لأن الجزم أقوى من التردد , وهذا حيث التفرد , فإن لم يحصل تفرد ، فإطلاق الوصفين على الحديث يكون باعتبار إسنادين: أحدهما: صحيح فقط ، والآخر حسن.
وعلى هذا ، فما قيل فيه: حسن صحيح فوق ما قيل فيه صحيح فقط إذا كان فردا ، لأن كثرة الطرق تقوي.
ألقاب تشمل الصحيح والحسن:
الجيد ، والقوى ، والصالح ، والمعروف ، والمحفظ ، والمجود ، والثابت ، والمقبول كلها ألفاظ مستعملة عند أهل الحديث في الخبر المقبول ، صحيحا كان أو حسنا ، أو ضعيفا يصلح للاعتبار.
لواحق
1 - هل توجب صحة الحديث القطع به؟
للعلماء في هذه المسألة ثلاثة أقوال:
أ - الوجوب مطلقا . وقد ذهب إلى ذلك ابن طاهر المقدسي .
ب - عدم الوجوب لجواز الخطإ والنسيان على الثقة , وعزاه النووي في التقريب للأكثرين والمحققين ، وأنهم قالوا : إنه يفيد الظن ما لم يتواتر.
قال في شرح مسلم: (أن ذلك شأن الآحاد ، ولا فرق في ذلك بين الشيخين وغيرهما , وتلقى الأمة بالقبول إنما أفاد وجوب العمل بما فيهما من غير توقف على النظر فيه ، بخلاف غيرهما ، فلا يعمل به حتى ينظر فيه ، ويوجد فيه شروط الصحيح , ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما القطع بأنه كلام النبي "صلى الله عليه وسلم").
ج - تخصيص الوجوب بما رواه الشيخان أو أحدهما , وهو اختيار ابن الصلاح . وأضاف إليه ابن حجر المشهور المسلسل بالأئمة.
قال أبو إسحاق الإسفراييني: أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بصحة أصولها ومتونها ، ولا يحصل الخلاف فيها بحال ، وإن حصل فذلك خلاف في طرقها ورواتها.
قال: فمن خالف حكمه خبرا منها , وليس له تأويل سائغ للخبر ، نقضنا حكمه لأن هذه الأخبار تلقتها الأمة بالقبول.
واستثنى ابن الصلاح من المقطوع بصحته في الصحيحين ما تكلم فيه من أحاديثها.
وقال ابن حجر في شرح النخبة: (الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم خلافا لمن أبى ذاك).
قال : (وهو أنواع: منها ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما مما لم يبلغ التواتر ، فإنه احتف به قرائن منها :
جلالتهما في هذا الشأن ، وتقدمهما في تمييز الصحيح على غيرهما.
وتلقى العلماء لكتابيهما بالقبول , وهذا التلقي وحده أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق القاصرة عن التواتر.
إلا أن هذا مختص بما لم ينتقده أحد من الحفاظ , وبما لم يقع التجاذب بين مدلوليه حيث لا ترجيح ، لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر , وما عدا ذلك فالإجماع حاصل على تسليم صحته).
2 - وإذا صح الحديث فقد وجب العمل به ، وإن لم يخرجه الشيخان ، ولا يترك العمل به لرأي ولا تقليد إمام ولا يوهم إجماع.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين:
(والذي ندين الله عليه ، ولا يسعنا غيره ، أن الحديث إذا صح عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ، ولم يصح عنه حديث آخر ينسخه ، أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه ، وترك ما خالفه ، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس ، كائنا من كان ، لا راويه ولا غيره.
إذ من الممكن أن ينسى الراوي الحديث ، ولا يحضره وقت الفتيا ، أو يفطن لدلالته على تلك المسألة ، أو يتأول فيه تأويلا مرجوحا ، أو يكون في ظنه ما يعارضه ولا يكون معارضا في نفس الأمر ، أو يقلد غيره في فتواه بخلافه لاعتقاده أنه أعلم منه ، وأنه إنما خالفه لما هو أقوى منه.
ولو قدر انتفاء ذلك كله ولا سبيل إلى العلم بانتفائه ولا ظنه لم يكن الراوي معصوما ولم توجب مخالفته لما رواه سقوط عدالته حتى تغلب سيئاته حسناته ، وبخلاف هذا الحديث الواحد لا يحصل له ذلك ...
كان الإمام أحمد إذا وجد النص أفتى بموجبه ، ولم يلتفت إلى ما خالفه ، ولا من خالفه كائنا من كان ، ولذا لم يلتفت إلى خلاف عمر رضي الله عنه في المبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس ، ولا إلى خلافه في التيمم للجنب لحديث عمار.. وهذا كثير جدا , ولم يكن يقدم على الحديث الصحيح عملا ولا رأيا ولا قياسا , ولا قول صاحب ، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعا ، ويقدمونه على الحديث الصحيح).
وقال الشعراني في الميزان:
(فإن قلت: فما أصنع في الأحاديث التي صحت بعد موت إمامي ولم يأخذ بها؟..
فالجواب: ينبغي لك أن تعمل بها ، فإن إمامك إن ظفر بها ، وصحت عنده لربما كان أمرك بها. فإن ، الأئمة كلهم أسرى في يد الشريعة , ومن فعل ذلك فقد حاز الخير بكلتا يديه.
ومن قال: لا أعمل بالحديث إلا إن أخذ به إمامي ، فاته خير كثير ، كما عليه كثير من المقلدين لأئمة المذاهب ، وكان الأولى لهم العمل بكل حديث صيح بعد إمامهم تنفيذا لوصية الأئمة ، فإن اعتقادنا فيهم أنهم إن عاشوا وظفروا بتلك الأحاديث التي صحت بعدهم ، لأخذوا بها ، وعملوا بها ، وتركوا كل قياس كانوا قاسوه ، وكل قول كانوا قالوه.
وقد بلغنا من طرق صحيحة أن الإمام الشافعي أرسل يقول للإمام أحمد بن حنبل : إذا صح عندكم حديث , فأعلمونا به لنأخذ به ونترك كل قول قلناه قبل ذاك ، أو قاله غيرنا ، فإنكم أحفظ للحديث ، ونحن أعلم به).
. وقال في الرد على من زعم أن الإمام أبا حنيفة رضى الله عنه يقدم القياس على الحديث ما نصه:
(ويحتمل أن الذي أضاف إلى الإمام أبي حنيفة أنه يقدم القياس على النص ، ظفر بذلك في كلام مقلديه الذين يلزمون العمل بما وجدوه عن إمامهم من القياس ويتركون الحديث الذي صح بعد موت الإمام . فالإمام معذور ، وأتباعه غير معذورين. وقولهم: إن إمامنا لم يأخذ بهذا الحديث لا ينهض حجة ، لاحتمال أنه لم يظفر به أو ظفر به لكن لم يصح عنده .
وقد تقدم قول الأئمة كلهم : إذا صح الحديث فهو مذهبنا . وليس لأحد معه قياس ولا حجة إلا طاعة الله وطاعة رسوله ، بالتسليم له).
وقال ابن عابدين الدمشقي في شرح المنظومة المسماة بعقود رسم المفتى: (صح عن أبي حنيفة أنه قال : إذا صح الحديث فهو مذهبي) .
ونقل فيها عن العلامة قاسم أنه قال في رسالته المسماة "رفع الاشتباه عن مسالة المياه": (لما منع علماؤنا رضى الله عنهم من كان له أهلية النظر من محض تقليدهم على ما رواه الشيخ الإمام العالم العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف قال: حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال: ليس لأحد أن يفتى بقولنا ما لم يعرف من أين قولنا؟ تتبعت مآخذهم ، وحصلت منها بحمد الله تعالى على الكثير ، ولم أقنع بتقليد ما في صحف كثير من المحدثين).
وقال في رسالة أخرى: (وإني ولله الحمد ، لأقول كما قال الطحاوي لابن حربويه : لا يقلد إلا عصي أو غبي).
3 - يجب أن تفهم ألفاظ الحديث على طبيعتها ودلالتها من غير غلو في التأويل ، ولا تقصير دون المراد.
قال ابن القيم في كتاب الروح:
(ينبغي أن يفهم عن الرسول "صلى الله عليه وسلم" من غير غلو ولا تقصير ، فلا يحمل كلامه مالا يحتمله ، ولا يقصر به عن مراده ، وما قصده من الهدى والبيان , وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال عن الصواب مالا يعلمه إلا الله , بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام ، بل هو أصل كل خطإ في الأصول والفروع ، ولا سيما إذا أضيف إليه سوء القصد , فيتفق سوء الفهم في بعض الأشياء من المتبوع مع حسن قصده ، وسوء القصد من التابع ، فيا محنة الدين وأهله , والله المستعان.. وما أوقع القدرية والمرجئة ، والخوارج ، والمعتزلة ، والجهمية ، والروافض ، وسائر طوائف أهل البدع إلا سوء الفهم عن الله ورسوله "صلى الله عليه وسلم" حتى صار الدين بأكثر أيدي الناس هو موجب هذه الأفهام.. والذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم عن الله ورسوله فمهجور لا يلتفت إليه ، ولا يرفع هؤلاء به رأسا).
وقال الشيخ علم الدين الفُلاّني المالكي في كتابه "إيقاظ الهمم":
(نرى بعض الناس إذا وجد حديثا يوافق مذهبه ، فرح به ، وانقاد له وسلم , وإن وجد حديثا صحيحا سالما من النسخ والمعارض ، مؤيدا لمذهب غير إمامه ، فتح له باب الاحتمالات البعيدة ، وضرب عنه الصفح ، والعارض ، ويلتمس لمذهب إمامه أوجها من الترجيح مع مخالفته للصحابة والتابعين والنص الصريح , وإن شرح كتابا من كتب الحديث ، صرف كل حديث خالف رأيه , وإن عجز عن ذلك كله ادعى النسخ بلا دليل ، أو الخصوصية ، أو عدم العمل به ، أو غير ذلك مما يحفر ذهنه العليل , وإن عجز عن ذلك كله ادعى أن إمامه اطلع على كل مروي أو جله ، فما ترك هذا الحديث الشريف إلا وقد اطلع على طعن فيه برأيه المنيف , فيتخذ علماء مذهبه أربابا ، ويفتح لمناقبهم وكراماتهم أبوابا ، ويعتقد أن كل من خالف ذلك لم يوافق صوابا ، وإن نصحه أحد من علماء السنة اتخذه عدوا ولو كانوا قبل ذلك أحبابا , وإن وجد كتابا من كتب إمامه المشهورة ، قد تضمن نصحه ، وذم الرأي والتقليد ، وحرّض على اتباع الأحاديث المشهورة نبذه وراء ظهره وأعرض عن نهيه وأمره ، واعتقده حجرا محجورا....).
4 - ومن الحكمة والكياسة في التحديث تحري المصلحة والمناسبات في الرواية فلا يحدث بكل صحيح كل أحد.
روى الشيخان عن معاذ رضي الله عنه قال: (كنت ردف النبي "صلى الله عليه وسلم" على حمار. قال: "يا معاذ ، هل تدري ماحق الله على عباده؟ وما حق العباد على الله؟" قلت: الله ورسوله أعلم , قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا". قلت: يا رسول الله ، أفلا أبشر به الناس. قال: "لا تبشرهم ، فيتكلوا"..).
وفي رواية لهما عن أنس: (أن النبي "صلى الله عليه وسلم" وهو ردفه قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه , إلا حرمه الله على النار", قال: يا رسول الله , أفلا أخبر به الناس فيستبشروا. فقال: "إذن يتكلوا"... فأخبر بها معاذ عند موته تأثما)
وروى البخاري تعليقا عن علي رضي الله عنه قال: (حدثوا الناس بما تعرفون , أتحبون أن يكذب الله ورسوله).
وروى مسلم عن ابن مسعود قال: (ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم كان لبعضهم فتنة).
وقال الحافظ ابن حجر: (وممن كره التحديث ببعض دون بعض :
أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على الأمير , ومالك في أحاديث الصفات , وأبو يوسف في الغرائب..
ومن قبلهم أبو هريرة , كما روي عن في الجرابين... وأن المراد ما يقع من الفتن ونحوه عن حذيفة.
وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصه العرنيين , لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يتعمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي).
وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة , وظاهره في الأصل غير مراد فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب.
وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
حسن البناء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.