الحلقة السابعة الحمدلله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين ما زلت في رد شبهات حماة المرتدين واعتذر للقارئ الكريم إذا رأى أني طولت في الرد على شبهاتهم فالحقيقة أني اختصرت ولضيق المساحة المحددة لنا وإن كان الموضوع يحتاج إلى بسط أكثر فهو من أخطر الموضوعات فماذا سيكون حال الأمة إذا سمح لمن شاء أن يرتد؟ نسأل الله أن يحفظ أماننا والمسلمين أما الشبهة التي سنناقشها في هذه الحلقة فهي أهم الشبهات القوم وهي شبهة قديمة ابتدعتها فرق ضالة يجترها هؤلاء الإخوة على نسب متفاوتة بينهم وملخصها إن حد الردة لم يرد في القرآن وإنما في السنة ولم يصح ولو صح فهي أحاديث آحاد لا يحتج بها في الأحكام فهي ظنية...وبهذا الكلام الساقط أرادوا زحزحة أمة الإسلام عند هذا الحد حد الردة منذ وجدت إلى الآن بل الأخطر أنهم يشككون الأمة في السنة المصدر الثاني للإسلام فهي آحاد ظنية لا حجة فيها بزعمهم وقبل الجواب على الشبهة السابعة هذه لابد من توضيح معنى الآحاد عند المحدثين وباختصار ملخصه: أن السنة إما أن ينقلها رواة كثر في كل طبقات السند واختلف المحدثون في عدد هؤلاء الرواة والأغلب أنهم رواه كثر بدون عدد محدد فإذا جاء الحديث عبر هؤلاء الرواة يسمى متواتراً وأما إذا جاء الحديث عبر رواة أقل من ذلك العدد سمي آحاداً فالآحاد ليس ما رواه واحد فقط بل وما رواه ثلاثة وأربعة إلى تسعة أما عشرة فعند بعض العلماء يعتبر متواتراً وإن كان الراجح إنه ليس للمتواتر عدد معين انظر الباعث الحثيث ص150لأحمد شاكر وقواعد الحديث ص300للتهانوى أما الجواب عن هذه الشبهات فمن وجوه الأول: إن هذه الشبهة تقوم على الشك في السنة أو إنكارها فالأساس عند أعداء السنة لأي حكم هو القرآن فقط أما السنة فلا يحتجون بها ولا يحتاجون إليها وإذا وافقت الأحاديث الضعيفة أهواءهم احتجوا بها وإذا فهموا من الأحاديث الصحيحة فهماً يرجح شبهاتهم احتجوا بها وهكذا فشعارهم لا يوجد في القرآن أعطونا دليلاً من القرآن هاتوا آية من القرآن وهكذا، فالسنة عندهم عدم وما أسهل دعواهم تعارض السنة مع بعضها أو مع القرآن ليسقطوا حجيتها ولا أدري هل يعرفون أن تدوين القرآن مر براحل نقلتها السنة وطعن المستشرقون في القرآن من خلال روايات تدوينه كما طعنوا في السنة في مراحل تدوينها فأخذ هؤلاء الإخوة بشبهات المستشرقين في السنة وتمسكوا بالقرآن الآن وربما يأخذون مستقبلاً بشبهات أعداء الإسلام في تدوين القرآن ولن يعاقبوا بشيء لأن حد الردة سيكون قد ألغي بحسب أمنياتهم هدانا الله وإياهم. وأذكّر هؤلاء الإخوة بأن إنكار السنة جملة كفر بالإجماع وإن غضبوا من الإجماع فهو قائم رغم أنوفهم نقله أبو حزم في الأحكام ج 250-1وفي مراتب الإجماع ص150 وشارح أبي داوود 250-7 والشيخ عبدالرزاق عفيفي في شبهات حول السنة ص50وهؤلاء الإخوة يسيرون الآن في خط إنكار السنة تدريجياً وبعضهم كان سباقاً في الشر فأعلن أنها تاريخ وإنها ليست حجة ولا أدري كيف يؤدي هذا أركان الإسلام من صلاة وصوم وزكاة وغيرها إن كان يؤديها فقد فصلتها السنة. الثاني: إن المحدثين لما قسموا السنة إلى آحاد ومتواتر لم يقصدوا ضعف الآحاد وإنما جعلوا هذا التقسيم فنياً يمكنهم من الترجيح بين الروايات عند التعارض وهذا التعارض لا يقول به إلا جهابذة الأئمة وليس حقاً لكل جاهل أو مريض، فعلم أصول الفقه والحديث وضع قواعد دقيقة لدفع التعارض أو الجواب عنه. فعلى سبيل المثال لم يقل أحد حسب علمي أن أحاديث قتل المرتد تعارض القرآن من لون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن اللهم إلا هؤلاء النفر المعاصرين الذين لا يبلغ عددهم أصابع اليد وليس كلهم علماء فنصفهم سياسيون وكتاب ولا يعتد بخلافهم أمام أجيال من الأئمة اعتمدوا على أدلة صحيحة صريحة متفق عليها في قتل المرتد والخلاصة لا يجوز لكم أيها الإخوة أن تستغلوا تقسيم المحدثين للأحاديث إلى آحاد ومتواتر لهدم السنة فهم لم يقصدوا ذلك ولوا أرادوا أن الآحاد ضعيف لوضعوه في قسم الضعيف مباشرة. الثالث: قال الشيخ القرضاوي حفظه الله: ولقد اعترض بعض الكتاب في عصرنا من غير أهل العلم الشرعي “لاحظوا العبارة” على عقوبة الردة بأنها لم ترد في القرآن الكريم ولم ترد إلا في حديث من أحاديث الآحاد وحديث الآحاد لا يؤخذ به في الحدود فهم لذلك ينكرونها وهذا الكلام مردود من عدة أوجه أولاً: إن السنة الصحيحة مصدر للأحكام العلمية باتفاق جميع المسلمين قال تعالى “قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول النور54وقال تعالى “من يطع الرسول فقد أطاع الله” النساء 80 وقد صحت الأحاديث بقتل المرتد ونفذه الصحابة الراشدون والقول بأن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في الحد غير مسلم فجميع المذاهب المتبوعة أخذت بأحاديث الآحاد في عقوبة شارب الخمر مع أن ما ورد في عقوبة الردة أصح وأوفر وأغزر مما ورد في عقوبة شارب الخمر ولو صح ما زعمه هؤلاء أن أحاديث الآحاد لا يعمل بها في الأحكام لكان معناه إلغاء السنة في مصدرية التشريع الإسلامي أو على الأقل إلغاء %95 إن لم نقل %99 منها ولم يعد هناك معنى لقولنا إتباع الكتاب والسنة فمن المعروف لدى أهل العلم أن أحاديث الآحاد هي الجمهورة العظمى من أحاديث الأحكام والحديث المتواتر الذي هو مقابل الاحاد نادر جداً....الخ كلامه القيم. انظر كتاب جريمة الردة ص44وما أجمل قوله «من ليس من أهل العلم الشرعي فهل تقبلون قوله يا صحفيون أم أنكم أعلم حتى من القرضاوي» الرابع: أجمع الصحابة على قبول أحاديث الآحاد والقول برد خبر الواحد قول مبتدع لم يعرفه الصحابة ولا سلف الأمة وأخذ به بعض المتأخرين انظر المحصول 2 - 539 للإمام الرازي والشوكاني في إرشاد الفحول ص196وغيرها أما توقف الصحابة في بعض أحاديث الآحاد فهو استثناء من قاعدة قبول الآحاد وليس هو الأصل وأسباب توقفهم ملخصها يرجع للاستيثاق من الرواية أو الاحتياط ونحو ذلك لا لرد الآحاد مطلقاً فقد قبلوا الآحاد واحتجوا بها قال الإمام الجويني في البرهان 610-1 «ان هذا جرى منهم على شذوذ وندور فمن أدعى أن ذلك كان أصلاً عاماً في جميع الروايات والرواة فقد ادعى نكراً وقال هجراً» نقلاً عن حجية خبر الواحد ص52 د/محمد عويضة. الخامس: إنكم أيها الإخوة تنكرون خبر الواحد أو السنة بمعنى أصح وفي نفس الوقت تحتجون به ألستم تحتجون بحكاية عمر في حبس المرتدين دون قتلهم وقدروا أن البيهقي وعبدالرزاق فهذه الحكاية وهي أكبر أدلتكم آحاد عارضت آحاداً متفقاً عليها عند البخاري ومسلم فقبلتم تلك ورفضتم هذه مع أن حكاية عمر لها جواب قد ذكرناه في الحلقات السابقة وأزيد هنا عن جوابها فائدتين : الأولى يقول علماء الأصول: يحمل المطلق على المقيد فكلام عمر بحبس المرتدين في تستر مطلق يقيده ما جاء عنه وحسنه الحافظ في الفتح باستتابتهم وحبسهم ثلاثاً وهذا هو منهج علم الأصول في الجمع بين الروايات. الفائدة الثانية: إن رواية عمر في حبس المرتدين في الحرب في معركة تستر والحدود لا تقام في الحرب خوفاً من لحوق المسلم بالكفار فأخر عمر قتلهم ورأى حبسهم حتى لا يهربوا إلى الكفار إن علموا أنهم سيقتلون وعدم إقامة الحد في الحرب أو في بلاد العدو مجمع عليه كما قال ابن القيم في إعلام الموقعين 17-3 ثم إنكم أيها الإخوة تحتجون باللغة في فهم الإسلام وهي آحاد وتحتجون بالقرآن والبسملة فيه في غير سورة النمل ثبتت بالآحاد ولم يقل أحد أنها متواترة في غير سورة النمل حسب علمي . السادس: قول بعض العلماء: إن أحاديث الآحاد تفيد الظن هذا القول رده كثير من الأئمة وقالوا: تفيد العلم أي الموجب للعمل بها وقطع بذلك ابن حزم في الأحكام 136-1وابن القيم في الصواعق 362-2 ومعنى أنها تفيد الظن عند من قال ذلك لا يعني الشك فيها بل أنها حق يحتج به في الأحكام وإنما حق ثبت بغالب الظن ولم يقصدوا ردها فهم يحتجون بها انظر حجية خبر الواحد ص91وهذا في الأحاد خارج الصحيحين أما في الصحيحين فهي تفيد العلم اليقين كما قال ابن الصلاح في المقدمة ص100وايده ابن كثير في الباعث ص35وغيره وقال ابن حجر الآحاد في الصحيحين تفيد العلم النظري. ملاحظة: حديث الأعرابي الذي طلب إقالته من البيعة جزم بذلك ابن حجر فقال في ج4/حديث 1871وتؤيده قصة الأعرابي الآتية بعد أبواب فإنه صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الحديث معللاً به خروج الأعرابي وسؤاله الإقالة عن البيعة وفي مواضع أخرى ذكر اختلاف العلماء ثم أن البخاري روى الحديث في موضع آخر رقم 7211بلفظ “يا رسول الله اقلني بيعتي » الحديث وهذه الرواية ترد عل كل من قال انه طلب الإقالة من الإسلام فهل يسأل عاقل رسول الله لكي يكفر ثم إن هذا الحديث أخرجه البخاري في فضائل المدينةالمنورة ج 4/ حديث 1883 وفي الأحكام ولم يذكره في الردة فهذا يعني إنه لا يحتج به في إسقاط حد الردة ولا يدخل فيها أصلاً ثم إن المسألة ليست في خطأ هنا أو هناك في العزو فهذا قد لا يسلم منه أحد، المهم هنا هو أن حد الردة ثابت عند جميع الأمة ولا يشكك فيه بضعة أنفار أقصى ما يقال عن قولهم أنه ضعيف أو شاذ والله أعلم.