الحمدلله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد: استعرضنا في الحلقتين السابقتين ضمن هذه السلسلة شبهات الحريصين على حياة المرتدين سنستكمل في هذه الحلقة والتي تليها بقية شبهاتهم ثم أذكر بعد ذلك الأدلة العقلية على قتل المرتد ومالآت إسقاط حد الردة لا سمح الله واسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم نافعاً للمسلمين. الشبهة الخامسة : قال جاء عن سفيان الثوري القول بعدم قتل المرتد والجواب عليه نحو ما أجبنا عن نقلهم ذلك عن إبراهيم بن أدهم فلو صح ذلك عن سفيان لما كان حجة تترك لأجله الأدلة الصحيحة المتفق عليها في قتل المرتد وتترك أقوال كل أئمة الإسلام القائلين بقتل المرتد ثم يتمسكوا بقول عالم أو عالمين قالا بخلاف ذلك، ثم إنه جاء عن سفيان الثوري رحمه الله القول باستتابة المرتد قبل قتله نقل ذلك عنه الإمام الشافعي في الأم 6/148 ابن قدامه في المغنى 9/4 وغيرهم انظر صحيح فقه السنة 4/161 لكمال سالم. ونقل سفيان الثوري أن علياً رضي الله عنه استتباب مرتداً عن الإسلام فضربه برجله فقتله الناس.. كما روي أن علياً رضى الله عنه قتل مرتدين بعد استتابتهما ورفضهما العودة للإسلام انظر مصنف عبدالرزاق ج 10/170رقم 871 فلماذا لا يأخذ بقول الثوري بقتل المرتد مع روايته ذلك عن الصحابة ورواه ذلك عنه أكثر ممن رووا عنه عدم قتل المرتد؟ الشبهة السادسة: احتجوا بقوله تعالى « لا إكراه في الدين» سورة البقرة 256 على عدم قتل المرتد فقالوا لا يجوز إجبار من خرج من الإسلام على الرجوع فيه فضلاً عن قتله إذا لم يرجع وقبل الجواب على هذه الشبهة الواهية أود أن أؤكد على قاعدة معروفة عند صغار طلبة العلم وهي أن علم التفسير من أشرف العلوم لتعلقه بأشرف الكلام كلام الله تعالى والمفسر نصب نفسه لبيان مراد الله سبحانه في كلامه ونقل ذلك للأمة ولقدسية هذا الأمر وجلاله فقد احيط علم التفسير بقواعد وضوابط دقيقة كانت محل إجماع الصدر الأول من هذه الأمة ومن بعدهم وأفردت هذه القواعد بمؤلفات كمقدمة في علم التفسير لأبن تيمية والتفسير والمفسرون للذهبي وغيرها كثير وهذه القواعد سعى في تحطيمها أهل الأهواء قديماً وحديثاً وقد ابتدع أهل الأهواء في هذا العصر أسلوباً جديداً في شكله قديماً في مضمونه يسمونه القراءة المعاصرة للقرآن.. أما السنة فهي مرفوضة عندهم على اختلاف من شخص لآخر منهم في شبه رافضة لها وإن كانوا متفقين على تحريف نصوص القرآن وما يعتقدوا صحته من السنة وما أقله ليوافق أهواءهم وإن خالفوا أمة الإسلام كلها ويتزعم هذا الاتجاه محمد شحرور الذي قال عنه الشيخ القرضاوي في كتابه المرجعية العليا للقرآن والسنة ص220 أنه لم يشم رائحة الإسلام وجمال البنا وحسن الترابي ونحوهم ممن خرق الإجماع وتجاوز نصوص القرآن والسنة في أكثر من مسألة كتجويزهم زواج المسلمة بكافر والغاء حد الردة ونحوها من الطامات وكثير من أصحاب الأفكار والشاذة يرجع لهؤلاء في فهم كلام الله ويترك أئمة التفسير قديماً وحديثاً والآية التي نحن بصدد الرد على من حملها غير ما تحتمل وحملها على غير معناها إنما يرجع إلى هؤلاء وأمثالهم للاحتجاج على آرائهم الشاذة وتقوية آرائهم السقيمة أما الرد على احتجاجهم بهذه الآية فمن وجوه: الأول: لا يوجد مفسر للقرآن الكريم حسب علمي قال إن هذه الآية دليل على عدم إقامة الحد على المرتد وأتحدى أتحدى الحريصين على حياة المرتدين أن يعطوني مفسراً واحد قال بذلك. الثاني: أن جميع المفسرين وإجماعهم على أن المراد بهذه الآية عدم إكراه الكفار على الدخول في الإسلام ثم اختلفوا فيها على وجوه ملخصها إما أنها منسوخة بآيات القتال فيقاتل الكفار حتى يسلموا وهذا هو معنى الإكراه في قوله تعالى:«ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون» “الفتح 16”. وأما أنها خاصة بأهل الكتاب وهو قول كثير من الأئمة كما يقول ابن كثير فلا يكرهوا على الإسلام.. أما غير أهل الكتاب يكرهون على الإسلام وما أنها عامة في الكفار من أهل الكتاب وغيرهم فلا يكرهوا على الإسلام وعليهم الجزية وإما أنها نزلت في قوم من الأنصار أرادوا إكراه أولادهم على الإسلام وإما أنها على معنى لا تقولوا لمن يدخل في الدين بعد الحرب أنه دخل مكرهاً أو أنها تعني لم يبق بعد ظهور دلائل الإسلام وأنه الحق لا إكراه الكافر على الإسلام وهذا لا يجوز هذا باختصار كل أو معظم أوجه التفسير لهذه الآية الكريمة وليس فيها ترك المرتد وعدم إكراهه على الإسلام وليراجع من شاء تفاسير أبن كثير 1/250 والقرطبي 1/330 والألوسي 1/350 والرازي 1/380 والطبري 1/400 والجلالين 1/280 والشوكاني 1/340 وغيرها. الثالث: نقل شيخ المفسرين الطبري عند تفسير الآية السابقة الإجماع على إكراه المرتد فقال وكان المسلمون جميعاً قد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أنه إكراه على الإسلام قوماً فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام وحكم بقتلهم أن امتنعوا منه ذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب وكالمرتد عن دينه دين الحق إلى الكفر “تفسير الطبري 1/400”. الرابع: قال الإمام ابن حزم في هذه الآية: لم يختلف أحد من الأمة كلها أن هذه الآية لا إكراه في الدين ليست على ظاهرها لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه فمن قائل يكره ولا يقتل ومن قائل يكره ويقتل وقال أيضاًَ وجدنا الناس على قولين فيها أحدهما أنها منسوخة والثاني أنها مخصوصة فأما من قال إنها منسوخة فيحتج بأن رسول الله لم يقبل من الوثنيين ومن قال إنها مخصوصة فإنهم قالوا إنها نزلت في اليهود والنصارى خاصة المحلي “11/2195”. وأخيراً أهدي إلى هؤلاء الإخوة تفسير رجل يحبونه جداً فيما أظن فهو يحل الربا وينزع نقاب طالبات الأزهر بيده ويحلّل لفرنسا كشف شعر الفرنسيات المسلمات في دوائر العمل والجامعات ونحوها وله إبداعات تجديدية كثيرة يحبها بلا شك هؤلاء الإخوة أنه شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي قال تفسيره الوسيط عند قوله تعالى:«لا إكراه في الدين» يعني نفي الأخبار على الدخول في الدين ص320 فلم يستدل بها على حرية المسلم في الردة وأن كانوا يعترفون بالشيخ الشعراوي وتفوقه في علم التفسير فليرجعوا إلى تفسير هذه الآية في تفسير 1/082 ليجدوا كلاماً رائعاً يقول فيه ما ملخصه أن المسلم إذا خرج من الإسلام فقد كسر حكماً من أحكام الإسلام وعليه العقاب.