لو كان عندي مطرقة / لطرقت بها في الصباح / لطرقت بها في المساء / في كل أنحاء هذه الأرض / لكنت أطرق بها الخطر / أطرق بها تحذيرا / لطرقت بها كي يكون الحب بين إخوتي وأخواتي في كل أنحاء هذه الأرض كان ذلك مقطعا من “ أغنية المطرقة “ التي رددتها أجيال من الأمريكيين وصدحت بها حنجرة بِت سيجر المطرب الشعبي “ الأسطوري” كما وصفته بعض الصحف الأمريكية والصوت الغنائي لليسار الأمريكي الذي رحل عن عالمنا في 27 يناير المنصرم وعمره 94 عاما. انطلقت مسيرة سيجر الفنية منذ أربعينيات القرن الماضي وذاع صيته من خلال أغانيه التي كانت تبث عبر المذياع ومثلت مزيجاً من الفلكلور الشعبي الأمريكي وأغنية الرفض الأغنية الساخطة على الوضع القائم ما دفع بالفترة المكارثية التي كانت تهدف لاجتثاث الشيوعيين في أمريكا إبان الصراع الإيديولوجي بين الرأسمالية والشيوعية إلى وضع اسمه في القائمة السوداء إذ كان سيجر قد انضم منذ صباه إلى صفوف الحزب الشيوعي الأمريكي لكنه انسحب من الحزب بعدما انصدم بالأخطاء الستالينية و قيام الثورة الهنغارية بحسب قوله مع احتفاظه بالروح اليسارية الثورية حتى وفاته, وبسبب الحملة المكارثية اضطر سيجر إلى إيقاف نشاطه لكنه خلال تلك الفترة قام بتدريس الموسيقى وجمع الأغاني الفلكلورية وتبنى ما اشتهر باسم “ إحياء الموسيقى الشعبية “وبعد انحسار العهد المكارثي عاود سيجر الظهور الجماهيري في الستينات كمطرب متميز فيما عرف ب” موسيقى الاحتجاج” والتي ركزت مضامينها على نزع السلاح إبان الحرب الباردة والحقوق المدنية والمطالب العمالية والثقافة المضادة «حركات الرفض الاجتماعي كالهيبيز وغيرها» والقضايا البيئية ومناهضة حرب فيتنام و هي ذات الهموم التي ركز عليها اليسار الأمريكي. وقد كانت أغنيته “سوف نمضي” والتي استمدها من الفلكلور بمثابة النشيد الوطني لحركة الحقوق المدنية . رغم نتاجه الغنائي الضخم إلا أن سيجر ظل نموذجاً للفنان الملتزم تجاه قضايا الجماهير وهمومها ويمكن هنا أن نضعه ضمن من وصفهم عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو ب رأس المال الثقافي “ ويقصد بهم فئة المثقفين والمبدعين المنصرفين للإنتاج الإبداعي والفني بغض النظر عن حسابات الربح والخسارة إذ لم يكن مؤمناً بتسليع الفن واستغلاله تجارياً أو ساعياً للنجومية فقد كان جل اهتمامه منصباً على لفت الانتباه إلى القضايا التي تشغله أو إلى الأغاني التقليدية التي كان يريد الحفاظ عليها فقد وجد نفسه جزءاً من التقليد الفلكلوري الممتد فكان دائم الحرص على إحيائه وإعادة إنتاجه حتى يظل هذا التراث صامداً أمام الزمن. كان يلتقط الأغنيات من أفواه الناس ويدونها ليغنيها لذلك عدت موسيقاه جزءاً من الفلكلور الأمريكي. قال ذات مرة: مهمتي هي في إظهار انه يوجد كم هائل من الموسيقى الجيدة في هذا العالم و التي لو استخدمت بشكل صحيح فلربما تساعد في إنقاذ هذا الكوكب. ولتفانيه المخلص في جمع وتدوين وتسجيل الفلكلور الغنائي استحق أن يكون أحد أبرز رواد الموسيقى الفلكلورية الأمريكية المعاصرة ومنذ البداية قام سيجر بتوظيف الموسيقى الشعبية للترويج لمواقفه السياسية اليسارية ما وضعه في مواجهة مع جماعات المصالح داخل الحكومة الأمريكية والتي تتعارض سياساتها مع أفكاره وشكلت تلك المواجهة مسيرته الفنية التي دامت 70 عاماً. يتحدث عن موسيقاه قائلاً: أنا اعتبرها كلها أغنيات حب . إنها تتحدث عن حب الرجل للمرأة, حب الوالدين والأطفال ,حب الوطن , الحرية , الجمال , الإنسانية ,حب العالم وحب البحث عن الحقيقة وأشياء أخرى مجهولة لكن بالطبع الحب وحده لا يكفي.” بالنسبة لسيجر كانت الموسيقى الشعبية تعد تراثاً خصباً وحافزاً للتغيير الاجتماعي في نفس الوقت وظل مؤمناً ب«قوة الأغنية» كما قال حيث كانت الموسيقى الشعبية والحس الجماعي لا ينفصلان وحيثما يوجد مجتمع , تبرز إمكانية الفعل السياسي. فمن خلال الأغنية الشعبية النابعة من روح التراث الفلكلوري والمعبرة عن جمهور العمال والبسطاء والأكثرية المسحوقة استطاع سيجر أن يكون صوتاً متفرداً في الأغنية الأمريكية خصوصاً أنه وظف الأغنية للنقد السياسي و الدعوة إلى العصيان المدني - إن لزم الأمر - انتصاراً منه للقضايا العادلة. قال ذات مرة: «مفتاح المستقبل لهذا العالم هو في إيجاد القصص المتفائلة وجعلها معروفة».