حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    رئيس كاك بنك يشارك في اجتماعات الحكومة والبنك المركزي والبنوك اليمنية بصندوق النقد والبنك الدوليين    أصول القطاع المصرفي الاماراتي تتجاوز 4.2 تريليون درهم للمرة الأولى في تاريخها    أول تصريح للرئيس العليمي عقب وصوله مارب "معقل الثورة والجمهورية"    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    رئيس الحراك الثوري يتحدث عن حدث سياسي هو الأول من نوعه في عدن    رئيس مجلس القيادة يصل مارب برفقة نائبيه العليمي ومجلي    عاجل: إصابة سفينة بهجوم حوثي قبالة المخا بالبحر الأحمر وإعلان بريطاني بشانها    استشهاد 23 فلسطينياً جراء قصف إسرائيلي على جنوب قطاع غزة    استشهاد 6 من جنود قواتنا المسلحة في عمل غادر بأبين    فيتنام تدخل قائمة اكبر ثلاثة مصدرين للبن في العالم    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    رباعي بايرن ميونخ جاهز لمواجهة ريال مدريد    موعد الضربة القاضية يقترب.. وتحذير عاجل من محافظ البنك المركزي للبنوك في صنعاء    عاجل محامون القاضية سوسن الحوثي اشجع قاضي    لأول مرة في تاريخ مصر.. قرار غير مسبوق بسبب الديون المصرية    قائمة برشلونة لمواجهة فالنسيا    المواصفات والمقاييس ترفض مستلزمات ووسائل تعليمية مخصصة للاطفال تروج للمثلية ومنتجات والعاب آخرى    مدير شركة برودجي: أقبع خلف القضبان بسبب ملفات فساد نافذين يخشون كشفها    العميد أحمد علي ينعي الضابط الذي ''نذر روحه للدفاع عن الوطن والوحدة ضد الخارجين عن الثوابت الوطنية''    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    وفاة امرأة وإنقاذ أخرى بعد أن جرفتهن سيول الأمطار في إب    افتتاح قاعة الشيخ محمد بن زايد.. الامارات تطور قطاع التعليم الأكاديمي بحضرموت    الذهب يستقر مع تضاؤل توقعات خفض الفائدة الأميركية    اليمن تحقق لقب بطل العرب وتحصد 11 جائزة في البطولة العربية 15 للروبوت في الأردن    ''خيوط'' قصة النجاح المغدورة    واشنطن والسعودية قامتا بعمل مكثف بشأن التطبيع بين إسرائيل والمملكة    منازلة إنجليزية في مواجهة بايرن ميونخ وريال مدريد بنصف نهائي أبطال أوروبا    رغم القمع والاعتقالات.. تواصل الاحتجاجات الطلابية المناصرة لفلسطين في الولايات المتحدة    وفاة ''محمد رمضان'' بعد إصابته بجلطة مرتين    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    كانوا في طريقهم إلى عدن.. وفاة وإصابة ثلاثة مواطنين إثر انقلاب ''باص'' من منحدر بمحافظة لحج (الأسماء والصور)    الريال اليمني ينهار مجددًا ويقترب من أدنى مستوى    السعودية تكشف مدى تضررها من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    ريمة سَّكاب اليمن !    حزب الرابطة أول من دعا إلى جنوب عربي فيدرالي عام 1956 (بيان)    الأحلاف القبلية في محافظة شبوة    نداء إلى محافظ شبوة.. وثقوا الأرضية المتنازع عليها لمستشفى عتق    في ذكرى رحيل الاسطورة نبراس الصحافة والقلم "عادل الأعسم"    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعلم گيف تواجه ثورة شعب
نشر في الجمهورية يوم 07 - 02 - 2014

كان خروج موسى بقومه تعبيراً سلمياً عن رفضه لسياسة فرعون بعد سنوات من القهر والفساد والظلم والاستبداد التي مارسها القوي الظالم في حق الشعب الضعيف ، وللذكرى نقول للمدافعين أو الجاهلين بسياسة فرعون ، أليس فرعون من علا في الأرض وأفسد فيها وجعل شعبه فريقين فريق يعمل وهم بني إسرائيل وفريق يأكل وهم قومه والمقربون منه ، فريق يكدح وفريق يربح ، فريق يزرع وفريق يحصد ، ثم زاد على ذلك فلوث يديه بدماء الأبرياء من بني إسرائيل بقتل الذكور من الرضع خشية أن يتكاثر عددهم فيكونون خطراً عليه وعلى قومه كما يظن أو كما أشير عليه قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } القصص4 .
- أليس فرعون هو من كان يرى نفسه مالكاً لا حاكماً فمصر ومن فيها وما بها وما عليها جميعها أملاكه، البشر والبقر على السواء قال تعالى:{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }الزخرف51 ، أليس فرعون من كان ينفق أموال مصر وخيراتها في بناء القصور لينعم بها في حياته وفي بناء القبور لينعم بها بعد موته قال تعالى (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ{10} الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ{11} فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ{12} فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ{13}) الفجر ، والمقصود بالأوتاد الأهرامات التي كان يبنيها الفراعنة ويملئونها بألوان الأطعمة والأشربة والأموال اعتقاداً منهم أن الحياة ستعود إليهم فيأكلون ويشربون ويستمتعون فترى عينيك في قبورهم وبعد موتهم ما يتمنى بنو إسرائيل القليل منه في حياتهم والطغيان جنون .
- أليس فرعون من كان يقرر مصير شعبه منفرداً دون الرجوع إليهم فرأيه صواب لا خطأ فيه وكلامه حق لا باطل فيه ومن كان كذلك فلا يناقش في أمره ولا يراجع في رأيه إسمع له قائلاً في غرور { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }غافر29 ، أليس فرعون من كان يمنع الناس من الإيمان أو التعبير عن قناعتهم إلا بإذن مسبق منه ألم يقل للسحرة عندما أعلنوا إيمانهم (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{123}) الأعراف، وأخيراً بلغ به الغرور مداه فزعم أنه الإله فقد رأى نفسه متصرفا في الأرزاق يعطي هذا ويمنع ذاك، ومتصرفا في الأرواح يقتل من يشاء ويعفو عمن يشاء، ورأى ذكره يملأ القلوب فزعاً وخوفاً وكل الناس من شعبه يتمنى رضاه ويتقرب إليه وكلها أوصاف لا تكون إلا للإله فتجرأ أن يقول {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى }النازعات24 ، ويقول { يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}القصص38 ، ولذلك فلا غرابة بعد كل ممارسات النظام الفرعوني أن يصدر الإعلان بل القرار الإلهي بزوال ملك فرعون وإعادة الأمر إلى نصابه بنصرة المستضعفين وجعلهم مصدر السلطة و استخلافهم في الأرض وجعلهم الوارثين لملك فرعون قال تعالى {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ } القصص5.
إلا أن فرعون لم يسلم لشعبه ولا لإرادة الله بل حاول بكل ما لديه من قوة إجهاض الثورة متحدياً إرادة الله وإرادة الشعب ، وكانت محاولاته متعددة الأساليب تمثلت في استهداف رموز وقيادات الثورة، وتضليل الرأي العام، واستخدام المال العام والوظيفة العامة في شراء المؤيدين وكسب الأنصار، واستهداف المنشقين عن النظام ، واتهام المعارضين له بتضليل الناس ونشر الفساد في البلاد، وقمع الخارجين سلمياً على النظام، وممارسة العقاب الجماعي، واللجوء إلى التهدئة عند الشعور بالضعف ثم نقضها، والتهوين والتقليل من شأن المعارضين له والخارجين عليه، واستخدام كل أنواع القوة والترهيب وعلى رأسها القوة العسكرية، وسنستعرض هذه الوسائل من خلال قصة موسى في القرآن .
أولها: استهداف رموز وقيادات الثورة
من المعلوم أن الثورات تبدأ من النخبة ثم تنتقل إلى عامة الناس سواء أكانت هذه النخبة سياسية أو فكرية وعليه فإن هذه النخب غالباً ما تكون قيادات للثورة أو رموزاً لها في أقل الأحوال وهو ما يجعلها في مقدمة أهداف النظام القمعي ، وفي النظام الفرعوني كان موسى عليه السلام رأس الثورة فمنه بدأت قبل أن تجد لها أنصاراً من بني إسرائيل ، وخشية من انتقالها إلى قومه كان لابد من القضاء على موسى عليه السلام تحت أية ذريعة ، حتى جاءت حادثة البلطجي المتنفذ من قوم فرعون حين اعتدى على أحد الضعفاء من بني إسرائيل فلم يجد الرجل أمامه إلا الاستغاثة بموسى عليه السلام قال تعالى {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ{15} القصص.
- لقد أحس موسى أنه استعجل التغيير باستخدام العنف وعلم أن هذا من عمل الشيطان فلام نفسه وتاب إلى الله {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{16} القصص، غير أن هذه التوبة لم تدم طويلاً إذ سرعان ما تكرر المشهد باعتداء آخر من أحد البلاطجة المتنفذين على ذات الرجل من قوم موسى مما يدلك على أن حوادث الاعتداء على البسطاء والمستضعفين كانت من المشاهد المتكررة التي يراها الناس كل يوم ولم تكن حوادث فردية أو طارئة، هذا الاعتداء المتكرر والسافر جعل موسى في حالة غضب من هؤلاء البلاطجة فبادر لنصرة الرجل وكان من أمرهم ما ذكره المولى عزوجل {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ{18} فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ{19}} القصص.
- ومن البجاحة في دولة فرعون أن يصف المعتدي على حقوق الضعفاء موسى بالجبار لأنه أراد نصرة المظلوم من الظالم، ولم يلبث الخبر أن وصل إلى فرعون فلم يعقد محاكمة عادلة لموسى خشية أن يفتح ملف الانتهاكات المتواصلة من أشياع فرعون على المواطنين البسطاء من قوم موسى ويبدأ السؤال من وراء هؤلاء البلاطجة؟ من يدفعهم ؟ ومن يحميهم؟ ومن المستفيد من وجودهم؟ وهل لهم صلة بالقصر الفرعوني؟ وووووو؟ كما أن في هذه الواقعة الذريعة المناسبة للقضاء على موسى رأس الثورة، وبدأ الملاء يخططون لقتل موسى وكاد يقع المحذور وتنتهي الثورة لولا رعاية الله والمخلصين من أنصار الثورة قال تعالى: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ }القصص20 ، ولم يكن من حل إلا أن يرحل موسى ناصر المظلومين ورجل العلم والحكمة وعدو الظلم والظالمين ويبقى فيها فرعون رجل الفساد وقاتل الأبرياء.
- رحل موسى بعد أن فقد الأمان وخرج يطلبه بعيداً عن أرضه وقومه ليجده في مدين التي استوطنها عشر سنين يسوق أغنام الناس ليطعمها وفرعون في بلده يسوق أمته وشعبه ألوان العذاب ولا نملك هنا إلا أن نقول (لك الله يا مصر .. لك الله يا مصر) ثم هل لنا أن نسأل من الأولى أن نقول له (إرحل – إرحل – إرحل) موسى أم فرعون ؟.
ثانيها: تضليل للرأي العام
عاد موسى بعد غربة طويلة بعيداً عن بلده ليستأنف النضال لتحرير بني إسرائيل بأمر من الله ومعيته وبرفقة أخيه هارون الناطق باسم الثورة لفصاحته {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{10} قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ{11} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ{12} وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ{13} وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ{14} قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ{15} فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{16} أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ{17}) الشعراء ، ورأى فرعون في عودة موسى وطلبه السماح لبني إسرائيل بالرحيل عن مصر إلى أرض أخرى يعيشون فيها بحرية وكرامة تحدياً سافراً له ، وبدأ بتزييف الحقائق فادعى أن الآيات التي جاء بها موسى سحر وليست حقه والغاية منها إخراجه وأنصاره من مصر والرحيل عنها وليس الرحيل ببني إسرائيل، واستمر التضليل فأعلن أنه سيواجه التحدي بالتحدي والسحر بالسحر وطلب تحديد موعد للقاء فقال: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى{57} فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَاناً سُوًى{58} طه.
- لقد تم تحديد الموعد بيوم عيد يجتمع فيه الناس كما يجتمع الثوار في زماننا في أيام الجمع عيد رأس الأسبوع ليبينوا رفضهم للأنظمة الفاسدة، وجمع فرعون السحرة ليقلب الحقائق ويضلل الناس {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ }الشعراء38 ، وجمع الزبانية الناس (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ{39} الشعراء) والمراد من اجتماع الناس إتباع السحرة ولو كان الحق مع موسى( لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ{40} الشعراء) ولعل هؤلاء الناس من أصحاب الدفع المسبق .
ثالثها: استخدام المال العام والوظيفة العامة في شراء المؤيدين وكسب الأنصار
وجاء أمهر السحرة من كل أنحاء مصر (قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ{36} يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ{37}الشعراء) وقبل أن يبدأ السحرة بتضليل الناس تأييداً لفرعون طلبوا منه ثمناً لعملهم فاجتماعهم من أنحاء البلاد وقطعهم للمسافات الطويلة ووقوفهم في ذلك الحشد العظيم وقيامهم بتضليل الآلاف ليس إيماناً منهم بشرعية فرعون بل طمعاً فيما يعطيهم من أجر وهذا ما كان يعلمه فرعون بيقين مهما راوغ أو أنكر وهو ما جعله لا يوافق على طلبهم فحسب بل زادهم ما هو أعظم من المال وهو الوعد بجعلهم من المقربين ومن أنواع التقريب منح المناصب كل ذلك ليكسب ولاءهم قال تعالى:(فلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ{41} قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ{42}) الشعراء.
رابعها: استهداف المنشقين عن النظام
بعد الوعود والإغراءات التي قدمها لهم فرعون أخذ السحرة كالببغاوات يرددوا مقالة فرعون {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى{63} فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى{64}) طه ، وبدأ السحرة في حماس بممارسة عملية التضليل للناس وجاءوا بما يحير الألباب ويضلل العقول ويجعل الحق باطلاً والباطل حقاً قال تعالى {قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }الأعراف116، وبلغ تأثير سحرهم إلى موقد الثورة وصاحب العلم والحكمة المؤيد بالآيات موسى عليه السلام لولا أن ثبته الله قال تعالى :{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى{67} قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى{68} وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{69} طه، وواجه موسى تضليلهم بالحقائق ، وسحرهم بالآيات {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ{45}) الشعراء، فكانت نتيجة التحدي {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأعراف118.
- ومع ظهور الحق وزوال الباطل أعلن السحرة انشقاقهم عن النظام الفرعوني وانضمامهم لموسى وهارون وصار خصوم الثورة بالأمس أنصارها اليوم قال تعالى: {فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ{119} وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ{120} قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ{121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ{122})الشعراء، إلا أن رأس النظام فرعون أتهم المنشقين عليه بالتآمر مع الثوار وصار يتوعدهم بالصلب والقتل بعد أن كان يعدهم بالتقريب والأجر وصار أنصاره خصومه ، وأتباعه أعداءه لمجرد أن أعلنوا عن إيمانهم وقناعتهم بالحق الذي رأوه ({قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ{123} لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ{124} قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ{125}) الأعراف ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.