لم ينجح «وهم الصوملة وجر البلاد إلى مربع الفوضى» في إشعال حنين اليمنيين إلى التفكير بإمكانية استعادة الدولة التي صودرت على مدى ثلاثة عقود ووضع حد لطوفان الخراب الذي كان يتدفق من أيدي الواهمين والمهووسين بشبق الزعامة على حساب أحلام الملايين. 11 فبراير 2011 ملحمة الثورة التي أشعلها الشباب وانضم إليهم ملايين المقهورين الذين رددوا بصوت واحد “لم تذبل ورود حلمنا رغم ثلاثة عقود من الظمأ والحاجة إلى اقتلاع أنياب الغسق التي امتدت فوق غصونها لتوقف مد الندى وزحف الاخضرار في الوادي الخراب”. «لا حاجة لنا إلى المديح» هكذا يقول ثوار 11 فبراير الذي تطل ذكراه الثالثة يوم غدٍ, واسألوا عنا الأرصفة والساحات والإسفلت وكل الأماكن التي سالت عليها دماء العشرات حين بدأوا البحث عن واحة ملائمة لورود الحلم خاليةً من الغسق والأشواك. في يوم 11 فبراير 2011 تدفّق العشرات من شباب تعز إلى شارع جمال للمطالبة بإسقاط النظام رغم قناعاتهم أن النظام لم ينشأ بعد، وأن ما يمكن إسقاطه هو شبح من الفوضى جثم على جسد البلد ثلاثة عقود والتهم كل عافيته؛ لكنها الرغبة في تحقيق حلمهم بالدولة المدنية دعتهم إلى تجاوز قناعاتهم تلك، وأن كل أدوات الفوضى التي يُدار بها البلد يجب أن تسقط مهما كان شكلها. وبحسب العديد من شباب الثورة فإن خروجهم في مساء 11 فبراير 2011 جاء بهدف البحث عن الدولة الغائبة والانتصار للإنسان المهدور. ويؤكدون أن الهراوات التي كانت تذود عن شبح الفوضى لم ترعبهم، وأن الرصاص الذي اخترق أجساد الكثيرين من الثوار لم يوقف مد الثورة الشبابية السلمية في كل محافظة وقرية وحي. بدأت تعز؛ فتداعت كل المدن الكبيرة والصغيرة, وانصهرت كل الفوارق وأشكال السلوك في الساحات والميادين، هكذا يتحدّث ثوار 11 فبراير عن إنجاز كان صعب المنال في بلد يحتفظ قاطنوه بأكثر من 60 مليون قطعة سلاح. يؤكد الكثير من المحلّلين والمهتمين أن شباب اليمن تجاوزوا في ثورتهم عقود الفوضى والحروب العبثية، وراحوا في اتجاه استعادة الدولة، والبحث عن أدوات أخرى للحكم غير تلك التي كانت تدير البلد عبر الأزمات والحروب المفتعلة. وأكدوا أن الشباب حافظوا على الطابع السلمي لثورتهم كي يؤسّسوا لثقافة أخرى غير ثقافة السلاح والقتل، وفعلاً نجحوا في احتواء كل مكوّنات المجتمع اليمني الذين هبّوا إلى الساحات تاركين ثقافة العنف والسلاح خلف ظهورهم. لم تغب عن هؤلاء المحلّلين حاجة الشباب الذين واجهوا كل أدوات القمع بصدور عارية؛ حاجتهم لدولة ونظام يحافظ على الأهداف التي خرجوا من أجلها، وألا يفتح طريقاً جديداً للفوضى التي ستذهب بكل ما صنعوه إلى النفق المظلم من جديد. يحلم ثوار 11 فبراير الذين تحدّث عنهم العالم بدولة مدنية وجيش وطني؛ ورغم قناعاتهم وثقتهم بأن أمنيات كبيرة في طريقها إلى التنفيذ، غير أنهم بعد ثلاثة أعوام من النضال والترقب ينظرون إلى المستقبل بعيون خائفة, ويتساءلون: «هل ستنبثق الجهود عن يمن جديد؟ وهل ستتوقف طواحين الخراب التي تحاول العودة بالبلد إلى متاهات الماضي؟ غير ذلك فهم حريصون على إعلان “11 فبراير” يوماً وطنياً انتصاراً لدماء رفقائهم في الثورة كما يقولون، وأعربوا عن أملهم ألا يتنكّر لمطلبهم هذا من يثقون بقدرتهم على فعل ذلك!!.