تعز.. سقوط ضحايا جراء استهداف موكب قائد عسكري    البنك الدولي: نحو 216 مليار دولار تكلفة إعادة إعمار سوريا    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    موسكو تؤكد دعمها لحوار يمني شامل    الحوثي يستعرض القوة: مليون مقاتل وتسليح كامل من المسدس إلى الصاروخ    رسمي: بدء صرف شهري سبتمبر و اكتوبر من اليوم    فوز تاريخي لتضامن حضرموت على الشباب السعودي في بطولة الخليج للأندية    قنوات التحريض والسقوط المهني والأخلاقي.!    ضمن حربها على الرياضة.. مليشيا الحوثي تمنع توسيع ملعب رياضي في إب    يمنات... صوت الضمير اليمني ولسان المواطن المطحون    شرطة تعز تعلن ضبط 11 مطلوبا في قضايا ابتزاز واعتداء مسلح على مدرسة    حزام أبين يفكك خليتين إرهابيتين تعملان لصالح مليشيات الحوثي    احتجاجات عدن تكشف سياسة التجويع والترويع التي ينتهجها العدوان ومرتزقته    نتائج نارية ومفاجآت مدوية في أبطال أوروبا    "شبوة برس" ينشر أسماء الإرهابيين في هجوم المحفد الإرهابي    اغتيال جنديين سعوديين في شرورة    سان جيرمان يضرب ليفركوزن    قبل الكلاسيكو.. برشلونة يكتسح أولمبياكوس بسداسية    سيتي يغرق «الغواصات» في إسبانيا    عدن.. اشتباكات مسلحة في التواهي بعد اقتحام قوات تابعة للانتقالي للسوق وإصابة شخص بجروح خطيرة    اكتشاف 4 نجوم تدور حول بعضها البعض في انتظام بديع    القوات الخاصة البريطانية تنفذ عمليات سرية ضد روسيا    70 قتيلا وجريحا بانفجار شاحنة وقود في نيجيريا    على ضفاف السبعين.. رسالة من شاطئ العمر    الكشف عن عين إلكترونية تمكن فاقدي البصر من القراءة مجددا    مأرب.. إعلان رسمي عن انشقاق قيادي عسكري من قوات صنعاء    كلمة في وداع د. محمد الظاهري    نقابة المحامين اليمنيين تكلف لجنة لمتابعة قضية اعتقال المحامي صبرة    مانشستر سيتي يتخطى فياريال بثنائية نظيفة في دوري أبطال أوروبا    قراءة تحليلية لنص "قسوة وطفولة معذبة" ل"أحمد سيف حاشد"    الأمم المتحدة: نأمل مغادرة موظفينا الأجانب المجمع السكني بصنعاء    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين في اليوم المفتوح    أقوى 6 مباريات في الجولة الثالثة من دوري أبطال أوروبا    النائب المحرمي يشيد بإنجاز الحملة الأمنية في لحج ويؤكد استمرار مواجهة التهريب    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بإعادة التعامل مع شركة صرافة    احتجاجات غاضبة في عدن عقب انهيار كامل للكهرباء وتفاقم معاناة السكان    البيت الأبيض يحاول منع نتنياهو من الانسحاب من اتفاق غزة    بن بريك: مغامرة إصلاح إقتصادي في ظل أزمة وفساد    ارتفاع ضحايا انفجار مأرب إلى 18 قتيلاً وجريحاً على طريق الموت بالعبر    حادث مروري مروّع في مأرب يودي بحياة أكثر من 10 ركاب (أسماء)    عرض أزياء يمني في ماليزيا    صاحب الفخامة.. وأتباعه بدون تحية    يدعم مؤسسة المياه ب20 ألف لتر ديزل لضمان استمرار إمدادات المياه    قراءة تحليلية لنص "هاشم" اسم أثقل كاهلي ل"أحمد سيف حاشد"    وفاة 15 شخصًا بينهم نساء في حادث مروري مروع بمحافظة مأرب    مرض الفشل الكلوي (24)    ثوار 14أكتوبر وعدوا شعب الجنوب بأكل التفاح من الطاقة    رئيس الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية الأستاذ عبدالوهاب المهدي ل"26 سبتمبر": نطالب بتدخل أممي عاجل لوقف استهداف العدوان المباشر أو غير المباشر للمناطق الأثرية    خلال 7 دقائق.. عملية سرقة "لا تقدّر بثمن" في متحف اللوفر    شبابنا.. والتربية القرآنية..!!    قراءة تحليلية لنص "رغبة في التحليق" ل"أحمد سيف حاشد"    إشادة بتمكن عامر بن حبيش في احتواء توتر أمني بمنفذ الوديعة    لو فيها خير ما تركها يهودي    المداني خلفا للغماري .. بعضاً مما قاله خصمه اللدود عفاش في الحروب الست    اليمن انموذجا..أين تذهب أموال المانحين؟    متى يبدأ شهر رمضان 2026/1447؟    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في مشهدية الگارثة .. ومحاگمة مأزق الحضارة
تجريب النهايات وهدم الطمأنينة «1»
نشر في الجمهورية يوم 19 - 02 - 2014

حتى اللحظة التي فتح فيها الرجل باب آلته لم يكن لديه أدنى شك بأن العطب الذي أصيبت به الآلة ليس بالمشكلة الكبيرة، فهو سافر مائة عام إلى المستقبل، وبالتأكيد فإن أهل هذا الزمن قادرون على إصلاحها وإعادته إلى زمنه محمَّلا بهداياهم التي سيبعثونها بالتأكيد لأجدادهم عرفانا وتقديراً، ولم يشكّ للحظة أن عينيه ستقعان على ما لم يتخيله من قبل، وربما تواطأ مع أحلامه في تلك اللحظات، فقرر التخلي عن آلته، وظن أنه لن يحتاج المرء العودة زمنه، بعد أن تقدم عليه مائة عام، لكن ذلك لم يحدث.. كان الرجل يريد الوصول للمستقبل قبل الآخرين، لاكتشاف ما صار عليه عالمه وزمنه، أراد اكتشاف حلول لمشكلات عصره باستقدام المستقبل، واستعجال حضوره، أو على الأقل اكتشافه والعودة إلى الحاضر باكتشافاته السحرية، ولأجل ذلك اخترع آلة زمن، ووجهها إلى المستقبل، وأقلع بها، وخلال لحظات قليلة كان قد وصل، لكنه لم يجد مستقبلاً، فعندما يخرج من آلته لا يجد سوى أرض قاحلة بلا نهاية، ولا حياة يبدو أنها عبرت هنا. يظن أنه أخطأ توجيه آلته فذهبت إلى ما قبل الحياة، لكن قدمه تصطدم بأثر ما يكتشف فيه بقايا حضارة تفوقت على حضارة زمنه وانتهت، هو إذاً في المستقبل، ولكن بعد فوات الأوان.
ذلك ليس فيلماً سينمائياً، وإنما قصة قصيرة قرأتها أيام الطفولة، ولم أعدْ أتذكر كاتبها ولا في أي كتاب أو مجلة نُشرت، لكن لا شيء يمنع الآن من إنتاجها سينمائياً في زخم موجة هوليوودية تحكي كوابيس هذه الحضارة، وتتخيل مستقبل العالم عندما يدفع ثمن إنجازاتها الخارقة، وأنانية أو لنقل وحشية أبنائها.
النهاية هي البداية
ولأنه ليس ثمة اتفاق على مفهوم الزمن حتى الآن، ولا عن كينونته وكيفية سيرورته- هذا عدا عن اعتباره محض وهم- وعجز حتى ذكاء ألبرت إينشتاين عن تفسيره أو تحديد ملامحه برغم نظريته الشهيرة والبالغة التعقيد؛ فإن ثمة من يعتقده أي الزمن- مجرد هوية دائرية مثلها مثل الكواكب وربما الكون، نهايته هي بدايته نفسها، وبالتالي فإن كل ما يتحرك داخل منظومته سيصل إلى البداية -أي النهاية- من جديد.
يحضر هاجس النهاية في كل شيء تقريباً، والفضاءات الثقافية هي أكثر من يعتني بهذا الهاجس، من الفكر والفلسفة وحتى الأدب والسينما، وقبل كل ذلك وبعده الأديان والخرافات، ولأجل ذلك تزدهر طقوس العزاء المبكر، أو خطابات التحذير والمطالبة بترحيل تلك النهاية وتأجيلها، كما تتكاثف الاستفهامات عن أسباب هذا التسارع، وهرولة الحضارة نحو نهايتها.
الحضارة الحالية لا تعيش لحظات صفائها، برغم أنها في قمة مجدها وازدهارها، ثمة تناقضات داخلية تطفو على وجهها أيضاً فتشوه ملامحها التي تحاول أن تجعلها أكثر اتزاناً وبهاء، حتى لم تعدْ قادرة على إثبات اتزان مسارها، أو تأكيد شرعية بقائها، ثمة الكثير من الاختلالات، وحمولة من الأعباء تثقل كاهلها، بل والأخطر من كل ذلك عوامل فناء ذاتية وداخلية، وعدم رضا أبنائها، والقابعين على هامشها عن كل ما يعتمل في صيرورة حكاياتها الكبرى.
يحاول الأب في فيلم “الطريق” للمخرج جون هيلكوت، والمقتبس عن رواية بنفس الاسم للروائي كورماك مكارثي، الوصول بطفله إلى موضع يأمن فيه عليه من أكلة لحوم البشر، فالحضارة هناك انتهت، وأصبح أبنائها وحوش تمشي على قدمين تأكل بعضها البعض، وكلمة “أصبح” هنا مجازية تماماً، حيث مشاهد الفيلم كلها لا تحتوي على صبحٍ واحد، فالفضاء داكن ومغلف بدخان ومغشيٌّ بالعتمة، ولا تستطيع أن تفرق بين أوقات النهار الذي يشبه دائماً بدايات الليل.
و”الطريق” وغيره من الأفلام نتاج موجة جديدة تحاول الاقتراب من عالم الكارثة، أو بالأصح عالم ما بعد الكارثة الكونية التي لم تُبقي من الحضارة إلا آثار لا تعني أحداً، ومن أبنائها إلا وحشيتهم، وصراعهم ضد بعضهم من أجل البقاء.
تحاول سينما ما بعد الكارثة الإشارة إلى أن الطموح الجارف للحضارة الحديثة يفوق إمكاناتها، ما يدفعها بالتالي إلى الولوج في مسارات تعبر عن أنانيتها المفرطة، ومحاولاتها اختصار الطرق، وإحراق المراحل من أجل إشباع تلك الأنانية النهمة في هذا الاتجاه، وفي هذا الشأن تشير الكثير من تلك النوعية من الأفلام، بل وأفلام الخيال العلمي إلى ذلك، وتضع أغلبها علامات استفهام حزينة وصادمة في آن واحد عن سيرورة ومصير البشرية في هذا السياق الذي يعبر عن ارتداد إلى ملامة الذات من خلال الفن والثقافة عموماً، بيد أن هذه الملامة لا تتجاوز جهات الإنتاج الثقافية تلك، والسينمائية تحديداً، حيث هي أكثر من يبرع في تصوير عالم ما بعد الكارثة وتعميم رؤاها تلك على مساحات لا ينافسها فيها أحد.
ولأن الولايات المتحدة الأميركية هي مركز العالم- كما تسوِّق لذاتها- وقطبه الأوحد، وبالتالي القائد الأول له في مسيرة الحضارة؛ فإنها وبالمقابل أول من ستصيبه الكارثة، وأكثر من سيعاني بسبب ذلك، وتتسع دائرة المعاناة لتكون هي المعنية أيضاً بإنقاذ العالم من تداعيات الكارثة، وإعادته إلى بناء الحضارة من جديد، ففي أفلام الغزو الفضائي للأرض، يحطُّ قادة الغزو رحالهم في أميركا، ويقودون الاحتلال من هناك، وطبيعي أن تكون أميركا هي المقاومة، وهي عنوان الخلاص من الاحتلال، وإعادة الحرية لسكان الأرض.
أنانية النخبة
ما تقدمه هوليوود في الأعوام الأخيرة من توقعات بنهاية الحضارات لا يعيد إنتاج الكتابات الفكرية والفلسفية التي تبحث في أسباب التراجع والارتداد الذي هو شأن كلِّ حضارة، فالسينما عادة لا تغرق في ذلك؛ وإن كانت تستفيد من تلك الكتابات، وتعيد إنتاج رؤاها، هوليوود هنا تحذر من كارثة تأتي على الحضارة البشرية دفعة واحدة، أحياناً تنذر بكارثة طبيعية لا يد للبشر فيها، وما عليهم سوى اتخاذ السُبل التي تحدُّ من الضرر، ويأتي فيلم “2012” لرولاند أميرش نموذجاً لذلك، إضافة إلى التنبؤات بغزو فضائي كما في فيلم “الاستقلال” لنفس المخرج والذي يعود إلى منتصف التسعينيات، لكن غالبية الأفلام تؤكِّد أن النهاية ستأتي بيد الإنسان نفسه، فهو عقب ذلك سيتحول إلى وحش لا يُعنى بأكثر من مصلحته الخاصة، ومن أجلها سيفعل كلَّ ما يمكنه ومن ذلك أكل أخيه حياً أو مشوياً، بيد أن تلك الرؤى تستند إلى قناعات فكرية ورؤى فلسفية تبدأ بالشعور الجارف بالتناقض الحاصل بين ادعاءات بناء العالم وفق رؤى ليبرالية وديمقراطية، والحاجة الماسة لتأكيد تلك الادعاءات بالطرائق التي لا تلقي على أميركا نفسها بتهم تحويل العالم إلى مناطق نفوذ لبناء وحماية أميركا على حساب بقية شعوب العالم.
يتخذ “2012” من حدث فلكي عادي فكرة لتبرير نهاية العالم، التي لن تعني أكثر من نهاية الحياة على الأرض، بسبب حوادث جيولوجية أو خلافه، فالعالم سيستمر حتى بعد نهاية تلك الحياة، ولكن إطلاق صفة النهاية عليه تشير إلى عدم جدواه بعد فناء البشرية، وشعب المايا الذي عاش قديماً في القارة الأميركية الجنوبية وحده حدده -بحسب تقويمه المتبع حينها- ليصادف21/12/2012، برغم أن ثمة من يؤكِّد أن المايا لم يقرر نهاية العالم في ذلك التاريخ، لكن تقويمه انتهى في ذلك اليوم، ولم يعمَّر هذا الشعب أكثر ليعيد إنتاج تقويم جديد له عند الاقتراب من ذلك اليوم.
الحدث الفلكي الذي يبرر به أميرش نهاية العالم هو الانقلاب الشتوي، والذي يعني وقوع الأرض عند أكبر مسافة زاوية على طرف مستوى خط الاستواء. ويحدث هذا خلال ثلاثة أيام من 20 وحتى 23 ديسمبر من كل عام في نصف الكرة الشمالي، ومن 20، وحتى 23 يونيو من كل عام في نصف الكرة الجنوبي، وهي الأيام التي يقصر فيها النهار إلى أقصى حد، ويحدث العكس تماماً لليل.. يستعرض أميرش ودي ديفلين -الذي كتب الفيلم- في نهايتهما المفترضة للعالم ما سيكون عليه البشر عند الوصول لتلك النقطة، حيث يكشفان عن أنانية النخبة ووحشيتها إزاء الحدث، ولا ينقذا من تصوراتهما القاتمة تلك إلا الرئيس الأميركي –الأسود بالمناسبة- والذي قام بدوره الممثل داني كلوفر حيث يرفض النجاة، مفضلاً الهلاك مع شعبه، وعبر التلفاز يلقي فيهم خطبة الوداع أو الفناء، لكنه يجعلها دافئة وحميمة وشاعرية، يظهر فيها قريباً منهم تماماً، ولم يكن في الفيلم ما هو أكثر تأثيراً على نفس المشاهد منها، والمشهد الآخر له وهو يحاول مساعدة أمٍّ على إيجاد والد طفلتها الباكية، ثم وهو يصحو من غيبوبة وسط الثلوج بعد زلزال مدمر ليتأمل بذهول وعجز تامين مشاهد أمواج تأتي من بعيد حاملة سفينة ضخمة ليتساءل: كيف لا نستطيع فعل شيء؟، وهو سؤال العجز الذي أراد أميرش أن يضعه على طاولة البحث عن مخرج من النهاية بأية سيناريو جاءت، كأنه يحذر من أن الديمقراطية التي أوصلت رجلاً أسوداً ليتولى زمام أمور مجتمع كان إلى الأمس عنصرياً، ولا يقبل بوجود السود، لن تجدي نفعاً حين تحلُّ الكارثة، وأن القوة الكبرى في العالم ستقف عاجزة إذا حانت أي لحظة غضب طبيعية أو حتى إنسانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.