تخبرنا الأيام عبر شواهدها أن بعضا من الناس بمختلف أصنافهم يشكون في حياتهم لا لشيء، إنما لأنهم ألفوها روتينا رتيبا لا تجديد فيه ولا حركة، وقد تعلمنا ان بالحركة تنجلب البركة، وأصبح حالهم كمن بات ولا حال يرجى في تغيره، ومثل هذه الحالة لا أعتقد أن طارئا إلى الأمام سيطر عليها لعيشها في ظلال الجمود والسكون حتى التفكير - ومجرد التفكير فقط - يصعب عليها ان تحاوله فلا تألوا جهدا في استجلابه، لأنها ألفت أن تعيش الحياة بطولها وعرضها دون ان تكلف نفسها أن تتفكر في عيشها وطرق التغيير فيه على الرغم من الروتين الطافح الذي أصبح يشاطرها الحياة من صباحها وحتى ليلها، حياة أسوأ ما فيها أنها بلا هدف. إن في حياتنا كثير من جوانب السعادة التي تعود على النفس بالراحة والسرور فقط ماعد لنا إلا أن نبحث عنها حتى وإن وجدناها في أمور صغيرة، فكثير من الأمور الصغيرة تكون مرتكزا لكثير من الشعور بالسعادة والنشوة التي تجعل النفس في حالة من المتعة الشفافة التي تخالط بشاشة الروح، وتنعش القلب، وتجعل السكون المريح ملازما للجوارح. لقد عجبت لرجل عاقب ابنته ذات الثلاثة أعوام لأنها أتلفت لفافة من ورق التغليف الذهبية، فقد كان المال شحيحاً فاستشاط غضباً حين رأى الطفلة. حاولت أن تزين إحدى اللعلب بهذه اللفافة لتكون على شكل هدية.. على الرغم من ذلك، أحضرت الطفلةُ الهديةَ لأبيها.. بينما هو جالس يشاهد التلفاز. وقالت له: “ هذه لك،يا أبتِ!! “ أصابه الخجل من ردة فعله السابقة،ولكنه استشاط غضباً ثانية عندما فتح العلبة واكتشف أن العلبة فارغة، ثم صرخ في وجهها مرة أخرى قائلاً “ألا تعلمين أنه حينما تهدين شخصا هدية، يفترض أن يكون بداخلها شئ ما؟”. ثم ما كان منه إلا أن رمى بالعلبة في سلة المهملات ودفن وجهه بيديه في حزن. عندها ،نظرت البنت الصغيرة إليه وعيناها تدمعان و قالت “ يا أبي إنها ليست فارغة، لقد وضعت الكثير من القُبَل بداخل العلبة، وكانت كل القبل لك يا أبي”. تحطم قلب الأب عند سماع ذلك. وراح يلف ذراعيه حول فتاته الصغيرة، وتوسل لها أن تسامحه. فضمته إليها و غطت وجهه بالقبل. ثم أخذ العلبة بلطف من بين النفايات وراحا يصلحان ما تلف من ورق الغلاف المذهب، وبدأ الأب يتظاهر بأخذ بعض القبلات من العلبة.. فيما ابنته تضحك و تصفق وهي في قمة الفرح. استمتع كلاهما بالكثير من اللهو ذلك اليوم، وأخذ الأب عهداً على نفسه أن يبذل المزيد من الجهد للحفاظ على علاقة جيدة بابنته، وقد فعل. ازداد الأب وابنته قرباً من بعضهما مع مرور الأعوام، كبرت البنت وتزوجت وسافرت بعيدا عن أبيها، وكلما شعر الأب بالإحباط أو الحزن،كان يأخذ من تلك العلبة قبلة خيالية ويتذكر ذلك الحب غير المشروط من ابنته التي وضعت تلك القبل هناك. القصة فيها دعوة إلى أن تعيش الحياة في هكذا أمور قد تكون صغيرة وفي بعض الأحيان متخيلة لكنها قد تعود بالنقع العظيم على جوانب حياتنا إشراقا ووهجا له ما بعده من الفرح والسرور فهل نعي ذلك؟.