الوقفة الأولى: الاقتصاد المنزلي إن الاقتصاد المنزلي بمجالاته المختلفة من تغذية وملابس وإدارة منزل ورعاية للطفولة يهتم بالأسرة التي هي نواة المجتمع، ومن أهداف الاقتصاد المنزلي تربية الطفل والمرأة والأسرة مجتمعة تربية إسلامية وغرس المبادئ والقيم الإسلامية السمحة في أذهان وعقول الناشئة، ولا شك أن الاقتصاد المنزلي له علاقات كبيرة بالاقتصاد الوطني الأم؛ فإن تعلّم الفرد طرق تصنيع الأطعمة وحفظها؛ يساعد على زيادة دخل الأسرة. إن دراية الفرد باقتصاديات الأسرة ومواردها البشرية والمالية، والتخطيط السليم للإنفاق؛ يؤثّر بدوره على الاقتصاد الوطني، ثم إن تصنيع الملابس للأسرة يعمل بدوره على تقليل المنفق على الملابس، فيزيد دخل الأسرة. الاقتصاد المنزلي ضروري لمواجهة أعباء الحياة نتيجة زيادة أسعار السلع المختلفة والخدمات؛ الأمر الذي يتطلّب الانتفاع بالموارد المتاحة إلى أقصى حد ممكن وبطريقة سليمة. ومما لا شك فيه أن الأسرة التي تهتم بتخطيط أسلوب حياتها، سوف تحقّق أهدافها، لذا ينبغي مراعاة إمكانات الأسرة واتباع نظام الإنفاق السليم، من حيث عدم زيادة مقدار المنفق على الدخل وتوزيع الدخل قدر الإمكان على أبواب الإنفاق، يقول الله تعالى: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً». الوقفة الثانية: ميزانية الأسرة تلعب ربة المنزل دورًا مهمًا في إسعاد أسرتها، وذلك بإدارتها الحكيمة شؤون المنزل وتدبير مصروفاته وصحة أفراده، فالمنزل هو المكان الذي يسعد فيه جميع أفراد الأسرة، ومن العوامل المساعدة على توفير السعادة في الأسرة الناحية المادية من حيث تقدير دخل الأسرة وتنظيم ميزانيتها، حيث توفر جميع حاجات ومتطلبات الأسرة للمحافظة على صحة الأفراد، وتأمين الملبس والمسكن المريح. ويا ليت لو اهتمت الأسر بتخصيص مبالغ مالية للتوفير والادخار لوقت الحاجة والطوارئ المفاجئة؛ إذ أن ربة المنزل الواعية هي التي توزّع ميزانية الأسرة على الأبواب اللازمة للإنفاق، لذا ينبغي وضع ميزانية محكمة للأسرة تضبط النفقات وتحدّد الإيرادات وأوجه الصرف مع المراقبة الدقيقة لهذه الميزانية. الوقفة الثالثة: الخطة والتخطيط كثيرًا ما يكون لدى الفرد العديد من الأعمال التي تحتاج إلى إنجاز في وقت محدد، أو يحتاج إلى القيام بعمل لم يسبق له القيام به فيما مضى؛ في هذه الحالات وغيرها يكون التخطيط هو الحل؛ إذ يحدّد الخطوات الواجب اتباعها للوصول إلى هدف معيّن، ويحدّد الوقت المطلوب لإنجاز هذه الخطوات، وعن طريق ذلك يمكن تصوّر العقبات التي قد تصادفنا، والهدف الذي نريد الوصول إليه، فالتخطيط هو الخطوة الأولى في العملية الإدارية، والخطة هي تصوّر لبعض الأعمال المستقبلية، وهي مرحلة تسبق أي عمل من الأعمال. وفي الأسرة ينبغي أن يشترك جميع أفرادها في إدارة شؤونها، فمرحلة التخطيط أهم المراحل التي ينبغي إشراك أفراد الأسرة فيها لمناقشة المشكلات المتوقّعة والرغبات المطلوبة والمفاضلة بين الأهداف المطروحة على ضوء الموارد المتاحة. إن في ذلك - إلى جانب الفوائد الاقتصادية العديدة - تقوية للروابط الأسرية، وتكوين شخصيات فردية ذات مسؤولية عالية وذات تخطيط وتفكير سديد. الوقفة الرابعة: دراسة السوق لكي يلعب القطاع الخاص دورًا أكبر فعالية، ولكي يسهم في مسيرة التنمية بشكل أكثر إيجابية، فإن سبيله في ذلك هو رفع مستوى الكفاية الإنتاجية عن طريق الاستفادة من عناصر الإنتاج المتاحة. ولما كان السوق بمثابة المقياس الفعلي لتحديد مدى كفاءة العملية الإنتاجية، فإن دراسة السوق بغية التعرُّف على نوع المنتج المناسب لفئات المستهلكين يعد مدخلًا علميًا لازمًا لاتخاذ القرارات السليمة المتعلّقة بالإنتاج والاستثمار. وحيث أن تفهم سلوك المستهلك الذي يؤثر على نوع حاجاته ورغباته يعد نقطة البدء في أي تخطيط اقتصادي، فإن الحاجة ماسة لإجراء البحوث والدراسات الهادفة إلى التعرف على احتياجات ومطالب المستهلكين؛ من أجل تقديم السلعة والخدمة المطلوبة في الوقت والمكان المناسبين وبالسعر المعقول والجودة العالية. الوقفة الخامسة: عملية الشراء ليست عملية الشراء سهلة، كما يظن بعض الناس؛ بل تحتاج إلى تفكير ودراية، حيث إن قرارات مثل: كم من النقود مع الأسرة معدّة للشراء، وما نوعية الأطعمة التي تُشترى، ومن أي الأماكن تُشترى الاحتياجات، وكيف تخزّن هذه الأطعمة..؟!. إن هذه القرارات تؤثّر على أفراد الأسرة؛ لذا لابد من التفكير العميق والخبرة والمقارنة بين الأثمان والأنواع؛ ليكون قرار الشراء صائبًا حكيماً، ومن ثم فأول ما ينبغي مراعاته أثناء عملية الشراء هو عدم شراء أكثر من الحاجة، أي شراء كميات الغذاء اللازمة فقط؛ لتجنب التلف لما يزيد عن الحاجة، كما ينبغي الشراء من المحال النظيفة التي تتبع التعليمات الصحية في العرض والتغليف والبيع، فقد أدّى التقدم التقني والاجتماعي والاقتصادي إلى ظهور الأسواق المركزية التي سهّلت للمشتري اختيار وشراء ما يطلبه من الأطعمة بالنوعيات التي يحتاجها وتناسب اقتصادياته. الوقفة السادسة: الطفل والنقود إن تجربة الطفل الأولى مع النقود يمكن أن يكون لها أثر انفعالي عميق، ومن الحكمة تدريب الطفل في سن مبكّرة من حياته وفي مستويات الدخل المختلفة على استعمال النقود، والسماح له بالتصرّف في نقوده، فالطفل بطبيعته مفطور على الجمع والتملك والادخار حسب بيئته الاجتماعية؛ إذ المهم أن تكون المبالغ المعطاة للطفل مناسبة لسنّه، وأن تُعطى له بانتظام، مع مراقبة سلوكه في التعامل مع النقود. كما أن من المهم أن يفهم الطفل أن المال شيء ثمين ينبغي التعامل معه بشيء من الحرص، فمن الأفضل أن يحصل الطفل على مبلغ ثابت منذ اللحظة التي يحتاج فيها إلى النقود لبعض المصروفات العارضة؛ إذ أن ذلك يساعد على إدراك قيمة النقود وكيفية التصرُّف بها. ومن المناسب أن تُتاح الفرص للطفل للتسوّق وشراء ملابسه وألعابه وغذائه؛ ليدرك أن السلع المختلفة لها أسعار مختلفة، وأن السلعة الواحدة قد تكون لها أسعار متباينة. علمًا بأن كثيرًا ما بدأ تعامل الأطفال بالنقود منذ نعومة أظفارهم عند شراء هدية لصديق أو شراء سلعة نفدت من البيت من المتجر القريب أو شراء الحلوى من المدرسة. إن وجود القدوة السليمة للأطفال يساعد على سرعة التعلُّم وغرس العادات والقيم واتجاهات الاستهلاك ومفاهيم ترشيد الاستهلاك وحُسن التعامل مع النقود. الوقفة السابعة: دعوة إلى الاقتصاد إن على ربة المنزل الواعية أن تكون أول من يحافظ على ميزانية الأسرة، وتحاول الاقتصاد في المصروفات والاعتدال في النفقات، فقد جاءت مناهٍ شرعية وتحذيرات إلهية من الإسراف والتبذير، فقال سبحانه: «... ولا تسرفوا..» وقال عزَّ وجلَّ: «... ولم يسرفوا..» وقال سبحانه: «... فلا يُسرف..» وقال الله تعالى: «.. ولا تبذّر..» ذلك لأن الله تعالى قال: «لا يحب المسرفين»، كما «إن المبذّرين إخوان الشياطين». إن المستهلك الرشيد هو ذلك المستهلك الذي يراعي مبدأ الرشد والعقلانية والاعتدال في أكله ومشربه وملبسه ومنزله وسيارته وأثاثه واستخدامه للكهرباء والمياه؛ حمايةً لنفسه ولأسرته، وهو الذي يراعي قرارات الشراء والاستهلاك، بحيث تكون في الوقت المناسب وللحاجة المطلوبة ومن المكان المناسب وبالسعر المناسب وبالجودة المطلوبة وبالقدر اللازم والحجم المناسب والنوعية المطلوبة. والمستهلك الذي يراعي ذلك يمكن أن يحقّق الرشادة الاقتصادية والعقلانية الحكيمة من وجهة نظر الاقتصاد المعاصر، بحيث لا يقع فريسة التلاعب والاستغلال، ولا ينساق خلف الإسراف والتبذير، ولا تتعرّض سلعه وبضائعه إلى الكساد والتلف والفساد؛ ومن ثم لابد من توفير القدوات الاستهلاكية، ومراعاة الاقتصاد في النفقات، والاعتدال في المصروفات، والترشيد في الاستخدام، والتقليل من مظاهر الإتلاف