ما معنى أن تقوم قيادة دولة على بيع ما يعتبر أنه ثروة قومية لدولة أخرى بسعر أقل من السعر العالمي المتعارف عليه بمقدار ربع القيمة؟! هذا ما أقدمت عليه قيادة اليمن السابقة ممثلة برأس النظام والحكومة؛ ففي العام 2007 أبرمت حكومة باجمال اتفاقية تتضمن بيع الغاز المسال لشركة كوغاز الكورية الجنوبية.. هذه الاتفاقية قوبلت بالرفض من أغلبية أعضاء البرلمان اليمني بما فيهم بعض كتلة المؤتمر الشعبي العام - الحزب الحاكم آنذاك - إلا أن ذلك لم يثنِ النظام حينها من المضي في تنفيذ ما جاء في الاتفاقية التي لاتزال سارية حتى اليوم. وبحسب تقارير اقتصادية: تتحمل اليمن خسائر فادحة سنوياً تقدر بمليارات الدولارات؛ بسبب ما تم إبرامه في الاتفاقية، إذ تتضمن الاتفاقية بيع الغاز اليمنيلكوريا الجنوبية بسعر «3,2» دولاراً للمليون وحدة حرارية ولمدة زمنية عشرين عاماً، فيما تقوم قطر «مثلاً» ببيع غازها لنفس الشركة الكورية بسعر «12,11» دولاراً للمليون وحدة حرارية، كما تبيع ماليزيا الغاز المسال للشركة ذاتها بسعر «11,2» دولاراً للمليون وحدة حرارية، أما كوريا الجنوبية التي تشتري الغاز من اليمن فتقوم ببيعه بسعر «12,4» دولاراً. وكان المهندس ناصر اللهبي - الذي يعمل في هيئة الاستكشافات النفطية - قد أصدر بياناً صحفياً نشرته العديد من المواقع الإلكترونية، كشف فيه مقدار الفساد الموجود في قطاع الغاز اليمني وبالأرقام؛ حيث جاء في البيان : «إن احتياطي اليمن من الغاز يبلغ 33 ترليون قدم مكعب، مع العلم بأنه ومنذ العام 1984م وحتى قيام مشروع بلحاف تم إحراق 12 تريليون قدم مكعب من الغاز الذي يستخرج مع النفط، والذي تقوم شركات النفط الدولية بتسليمه للحكومة اليمنية، ولأن الدولة لا تمتلك منشآت غازية لذا تقوم بإحراقه».. وقال اللهبي: «حتى اليوم يتم إحراق 90 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً، تعمل على إحراقه ثلاث شركات منقبة عن النفط، وهذا ما يسبب خسارة 10 آلاف دولار يومياً، أي 3.65 مليون دولار سنوياً».. وأضاف المهندس اللهبي : «إن اليمن تنتج سنوياً 6,7 ملايين طن متري من الغاز، وهو ما يعادل 346 مليون وحدة حرارية بسعر يقارب ملياراً ومائة وسبعة ملايين وستمائة وستة آلاف دولار، وأنه لو تم بيع الغاز بالسعر العالمي «11,5» دولاراً ستربح اليمن ضعفي مبلغ البيع الحالي، بمعنى أن خسارة اليمن سنوياً ومنذ إبرام الصفقة تقدر ب «مليارين و800 مليون دولار». رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة، وبمجرد تشكيل حكومة الوفاق، وعد بالعمل على تعديل بنود اتفاقية الغاز خصوصاً ما يتعلق بالسعر والمدة الزمنية للاتفاقية.. حيث قال الناطق الرسمي للحكومة راجح بادي في تصريح سابق له : «إن قضية تعديل أسعار بيع الغاز المسال لكوريا الجنوبية كانت بؤرة نقاشات حكومة الوفاق طوال الفترة الماضية، وأنه تم مؤخراً التواصل مع الجانب الكوري لأكثر من مرة بغرض تعديل السعر السابق».. وكان باسندوة قد أبلغ السفير الكوري في لقاء جمعهما بصنعاء بضرورة التوصل إلى اتفاق ودي لتعديل سعر الغاز، ما لم فإن اليمن ستلجأ إلى المحاكم الدولية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي تحملتها خلال الخمس السنوات الماضية.. ويرى مراقبون وخبراء اقتصاديون أنه في حال نجحت التعديلات فإن عائدات اليمن سترتفع من 325مليون دولار إلى مليار و460 مليون دولار، بمعنى أن الفارق مليار و100 مليون دولار.. قد يكون حل إشكالية صفقة الغاز يكمن في تعديل سعر البيع وخفض المدة الزمنية، إلا أن عدم محاسبة المتسببين في إبرام اتفاقيات مثل هذه وعدم معاقبتهم يعمل على تكرار مثل هذه التجاوزات مستقبلاً.