لعلي لا أكون مبالغاً أو متحيزاً إذا قلت: إن الشاعر والكاتب بشير المصقري واحد من الشعراء والكتّاب الجادين والذين يقدمون نصاً جاداً جديراً بالقراءة والاهتمام علاوة على القدرة الإبداعية في اختبار وطرق الفكرة المثيرة.. ويشكل ديوانه الذي صدر مؤخراً (شذى الورطة) صورة لقدرة الشاعر الكاتب والذي اشتمل على نصوص متعددة كانت موضوعاتها عموماً العلاقات الإنسانية المأزومة والحياة المرتبكة القلقة.. الديوان صدر عن الأمانة العامة لجائزة رئيس الجمهورية للشباب واحتوى عشرات النصوص المختلفة في ثمانٍ وثمانين صفحة من القطع الصغير. ومن خلال القراءة السريعة للديوان كان الديوان يعكس صورة لشاعر مجيد وجاد، وإذا كان عنوان الديوان “شذى الورطة” لتكون “الورطة” معادلاً رمزياً للحياة ومكابداتها وجمالها، إلا أن العنوان المركب بالإضافة “شذى الورطة” له أبعاد ودلالات اجتماعية أخرى لم يرق لي كثيراً إلا أن الكاتب يحيل للإثارة دوماً. ولعلي سأتناول في هذه القراءة اللقطات المشهدية التي رسمت المرأة في الديوان كقراءة لصورة المرأة في خطاب الديوان وعلاقة من العلاقات الاجتماعية في الديوان. “ لو كان البرد امرأة هل سنتحرى إغلاق النوافذ والأبواب ونضع الستائر الغليظة ونرفض التعرّي” ص14. لعل النص السابق يرسم صورة للتعرّي الخفي الذي يحكم تأمين المكان لذلك جاء في النص “سنتحرى، إغلاق الأبواب، نضع الستائر الغليظة، نرفض التعري”، مما يعكس حالة وصورة للحرص البالغ لحيوانية الإنسان في حالة ما. ولأن البرد أحق بذلك فإن صورة المكان ليست بذلك الحرص المأمون، فالتعري في حالة البرد للمكان مكشوف دون تحرٍ فلا “إغلاق للنوافذ والأبواب وليس ثمة ستائر، وتعرٍ مفضوح”، وربما هذه الحالة المتناقضة تعبير ساخر ما بين رغبات الإنسان المختلفة والحرص الشديد على المرأة كقارورة تستحق المبالغة في الاستتار في حالة التعري. كلما غازلها رجل نبت على جسدها نهد إضافي” ص8. لعل النص يأتي بصورة متناقضة ما بين المرأة التي يتطلع لها الرجل أو المرأة التي تتطلع للرجل، وأتى الخطاب بأداة الشرط “كلما” في جملة “كلما غازلها رجل”، ليأتي الجواب “نبت على جسدها نهد”. وهذه صورة لعلاقة غير متوازنة ما بين الرجل والمرأة وغير منتجة وسخرية من المرأة “نبت على جسدها نهد إضافي” دلالة لتبدد عمر المرأة وحياتها المشوهة أو حياتها السراب، وتعكس عدم مصداقية الرجل مع المرأة. ويرسم الخطاب المرأة بصورة ساخرة سلبية بلغة مختزلة.. “ ترسم نفسها كلما اشتاقت لصديق”. وهذه لقطة حياتية فيها من الخداع والابتذال الكثير “ترسم نفسها”، ولأن الرسم للذات فيه خداع وإهمال وطمس للحقيقة في الذات وتعكس العدد “كلما اشتاقت لصديق”، وتصور نوعاً من عبثية الحياة والخطاب للمرأة في الديوان لا يعكس علاقة متوازنة بل يرسم صورة ساخرة من الخطاب وصورة للمرأة متبددة. تضغط بالجييز أرداف الوقت وتضع حمالة نهدين لتتدلى السنوات”. ص5 مما يشير إلى حالة من اختلاق الجمال والغواية في عمر متلاشٍ متبدد “نضغط بالجينتر أرداف الوقت، لتدلي السنوات” فتدلي السنوات والوقت هو محاولة للحاق بالزمن المتلاشي المتبدد وعدم مصداقية مع الذات والآخر، لكن الخطاب حاول أن يرسم علاقة متوازنة باعتبارها طرف ومؤثر من خلال بعض النصوص. كلما وافقت نلتقي بالمساء يعتذر الليل عن المجيء”. ص27 فإذا كان الخطاب الشعري القديم يستبطئ الليل طول الليل ليرى الحبيب وإن يشكو قصر الليل وهو مع الحبيب فإن اللقطة السابقة باللغة الكثيفة تستبطئ النهار لتغيرات الحياة العصرية، فالليل أقرب إلى النهار “نلتقي بالمساء، يعتذر الليل” فهذه صورة المشهد فيها علاقة فاعلة ومصداقية طرفين. وإذا كانت الحياة بمختلف مستويات علاقاتها أخذت حيزاً كبيراً من خطاب الديوان فقد تناول النص مشاهد متعددة للحياة، ولأن الحياة ومواقفها العميقة هي موضوعات النص الأدبي عموماً، فإن الديوان حاول أن يرسم صور الحياة بطريقة الشاعر المتعمق. انفتح على الجرح والشتائم مازالت تطرق”. ص7 لعل النص يحاول رسم نوع من آلام الذات الآتية من المجتمع “الجرح، الشتائم”، وكلها تؤدي للجرح ولكن النص الموجز يحاول أن يرسم استمرارية الجراحات دون رحمة بصيغة الفعل المضارع والماضي “انفتح” ثبات للجرح واستمرارية الآلام ب«مازالت تطرق»، ليعكس صورة غير صحيحة من العلاقات. «ليس كل حرارة بحاجة إلى مكعبات السكر». ص15 وهذا النص يكمل النص السابق في استمرارية معاناة الإنسان الحساس وإن المكابدات مستمرة بمراراتها بوصفها دوماً مرة في حياة فيها من المعاناة الكثير، وربما يصور النص العلاقات اللا إنسانية القاسية التي ابتعدت حتى عن الله. “ هل يدرك المارون باتجاه جسر الصداقة أن الحساب في البنك المركزي يختلف عن الحساب في خزيمة”. ص23 ولعل النص يرسم صورة للحياة ويتمثل بموت الضمير والإنسانية معاً، مما أفضى إلى تبدد للعمل النهضوي العام، ويشير إلى نوع من تضخم الذات الأنانية “هل يدرك المارون”، باعتبار المارين رمزاً للأنانية والسيطرة والاستحواذ وموت الضمير، فكان الاستفهام بمقصدية النفي، أي أنه لا يدرك لذلك كان “الحساب” يمثل كثافة لغوية كبيرة باعتبار في المعنى الأولي الأرصدة المستغلة من حقوق البسطاء، وكان “الحساب” الآخر رمزاً للعدالة السماوية ليشير إلى تحول في الإنسانية والعلاقات الاجتماعية والبعد عن الله والناس، مما يعكس صورة للحياة المادية التي قتلت حتى الجمال في الحياة وبددت نورانية الحياة. الاحتشار في الظلام أفضل من احتراق الفراشات بلهب شمعة لم يكن يعلم أن الظلام له ألسنة تقتل الفراشات أيضاً”. ص70 مما سبق، يمكن القول: إن الحياة تحولت عن طبيعتها وسيرورتها إلى ما يشبه الظلامية والسواد “الظلام، أن الظالم”، وتحولت إلى احتراقات للجمال وخفتها “احتراق، شمعة، منقدة، تقتل”، وإنها حياة جامدة قاتلة سوداوية خالية من الجمال مزدحمة بالظلام والسواد. ولأن الحياة ما هي تركيب متعدد من العلاقات فإن الديوان حاول أن يرسم شيئاً من العلاقات الاجتماعية غير المتوازنة وللصدق في الشعر عموماً صورة مقززة وكان له نصيب في خطاب الديوان. الأصدقاء الذين تعدهم في الغالب مجرد دمى لا يقتنع حتى طفلك الضفر إلى قائمة ألقابه. وفي خطاب تصوير للصديق بأنه مجرد من الأحاسيس والمشاعر، وبذلك انتفت عنه صفة الإنسانية خالٍ من الروح، فالصديق لا يختلف عن الدمية صورة إنسان وملامح آدمي “لكنه مجرد دمية خالية من الروح والمشاعر”، وهذه سخرية وتهوين من الصديق حتى الطفل يرفض إدخال هذا الصديق إلى ألعابه لأنه لا يقتنع بلعبه وهذا ثناء للدمية، اللعبة أكثر من الصديق، وكأن الخطاب يمتدح اللعبة الدمية أكثر من الصديق ليعكس خطاب النص علاقة غير سوية مع الصديق، وحلول النص الجميل أن يرسم علاقة أيضاً غير متوازنة بالمرأة، ولعل الخيانة والخداع خطاب كثيف في النص. «الفرق بين منديلكِ المعطر والمستنقع لا يعني الفرق بين دموعكِ التي تسقط لإملاء حقيبتك ودموع التماسيح التي تسقط للإيقاع بالفريسة». ص34 وهذا خطاب يسخر كثيراً من المرأة وعلاقتها بالرجل، فهي متوحشة مخاتلة، فإذا كانت التمساح تسقط الدموع للإيقاع بالفريسة فإنها تسقط دموعها لإملاء حقيبتها” فالمنديل المعطر يساوي المستنقع وتحول الرجل إلى فريسة لا أكثر، مما يشير إلى علاقة أنانية متوحشة. ومن خلال هذه الإطلالة في الديوان يمكن أن نلخص لما يلي: 1 كانت نصوص الديوان موجزة كثيفة ترسم مشاهد متعددة للحياة. 2 كانت اللغة عميقة والصورة مرسومة بدقة تشد القارئ. 3 خطاب الديوان ساخر ومختزل ينم عن قدرة إبداعية كبيرة. 4 في اللغة شيء من الجدلية تستحق الاهتمام والقراءة. 5 رسم الخطاب علاقات غير متوازنة مع الحياة والمرأة. 6 لعل إنسانية الإنسان في خطاب الديوان متلاشية. 7 كانت صورة الصديق صورة صغيرة لا ترتقي للتضحية والاحتفاظ بها. 8 كان خطاب الديوان قد رسم شيئاً من المكايدات والمعاناة المختلفة.