كانت الشمس في ذلك اليوم هادئة، والغيوم تنذر بالخير، أشعة الشمس تتراءى من خلال ثقوب تتركها الغيوم، تبدو كابتسامة ليوم جميل. البحر تتراقص أمواجه، على صوت العصافير، صيادون عائدون بقواربهم، تملؤها الكثير من الأسماك المتنوعة، يشير إلي أحدهم بابتسامة مشرقة، بينما أنا قاعدا أرتشف قهوة البن في استراحة قريبة من الشاطئ، كانت الاستراحة المشهورة في تلك المدينة الساحلية، يأتون إليها السياح من مختلف الجنسيات. أشرت إلى النادل ذي الثياب النظيفة والمهندمة، ليأتي بفنجان آخر من البن، وعندما أردت أن أصلح من جلستي، لمحت بطرف عيني فتاة عشرينية، كانت جالسة في الطرف الآخر من الاستراحة. كانت جذابة.. أنيقة.. سمراء المحيا، شعرها أجعد، يظهر عليه تعرجات متموجة، لها عينان كعينا المها، كانت آية في الجمال. تفاجأت عندما ابتسمت إلي، بادلتها الابتسامة بلهفة، وبعد أن انتهيت من شرب قهوتي، اتجهت خارجاً، وقبل أن ودع عتبة تلك الاستراحة، مددت يدي إليها صافحتني. مرحبا أنا اسمي ميادة. أقطن في هذه المدينة، هلا جلست نتحدث، لم أرفض طلبها كوني محظوظ بذلك. كانت تحدثني بينما كنت سابحا في أعماقها، أبحث عن معجزة تختبئ وراء ذاك الجمال. بعد برهة من الوقت تركتها وغادرت، بعد أن تعرفت إليها. وأنا في طريقي تذكرت حين قالت: سأسعد بلقائك ثانية. لم تفارق خيالي لحظة واحدة، لا أدري كيف حدث ذلك؟ بعدها كان قلبي يقودني إلى تلك الاستراحة، عندما أصل أجدها أمامي على الطاولة، وغالباً ما أجدها تقرأ الأخبار، ترحب بي، بعدها نبدأ في حديث يبدأ بالسياسة؛ وينتهي بصمت وغالبا ما أطلب منها مرافقتي للنزهة، لكنها تجيب بأنها لا تحب ذلك، لا سيما ونحن لسنا “تترك ابتسامة تكاد تكشف عن معانيها” هي تريد أن تقول: لسنا “حبيبين” لكني أعقب على ذلك “فلنكن حبيبين إذن؟” تبتسم ثانية تتابع قائلة: أنها دائما ما تقرأ بعض الروايات والأخبار لتقتل وقتها. كعادتي أتركها خارجاً لترتسم أمامي فتاة بنصف جسد، لا أعرف ماهي الطريقة أو الحيلة التي من خلالها أستطيع أن أقنعها بالخروج معي؛ خروجها معي سيجعلني أشاهد الجزء الآخر من جسدها المختبئ تحت تلك الطاولة. وأنا في طريقي إلى مكان إقامتي تذكرت صديق الطفولة وزميلي في مراحل الدراسة عصام، لقد مضى زمن طويل ولم أزوره . عصام يسكن قريب من هذه الاستراحة فزيارتي له ستسعده كثيرا وإقامتي عنده ستساعدني في الوصول إلى الاستراحة قبل ميادة، وهذا سيجعلني أشاهد لأول مرة النصف الآخر من جسدها.. فعلاً كانت زيارتي لعصام جديرة بإسعاده، بعد وصولي أخذني للتجوال وسط المدينة كان الوقت ليلاً والسماء مزركشة بالنجوم، نسيم البحر حاضر بكثافة في شوارع المدينة، وعند عودتنا لمحت عيناي محلا تجاريا، توجد بداخله أجود ماركات الأحذية العالمية، ذهبت إلى ذلك المحل لشراء زوج حذاء لميادة لتكون الهدية الأولى منذ تعرفت إليها.. وعند الصباح خرجت مسرعاً إلى الاستراحة وعند وصولي جلست على الطاولة منتظرا وصول ميادة، يأتي النادل ذو الثياب المهندمة، بيده رسالة أخذتها لأقرأها، كانت من ميادة، مكتوب عليها عنوان الحديقة التي ستحتضن لقاءنا، أخذت الهدية متجها إلى الحديقة، وعند وصولي كانت ميادة كعادتها تقرأ الأخبار فوق طاولة قريبة لطريق الحافلات التي تقل الزائرين إلى وسط الحديقة، جلست بمقابلها والابتسامة لا تفارق شفتيها وبعد برهة من الزمن قدمت لها الهدية كنت حينها خائفاً كوني أول عاشق يهدي من يحبها زوج حذاء، وبعد أن فتحت ميادة تلك الهدية تساقطت الدموع على خديها بغزارة، حاولت أن أتفهم سر ذلك لكنها لم تستطع الإجابة، تركت الهدية عارية على تلك الطاولة، أدارت كرسيها ذا العجلتين مسرعة نحو حافلة مكتوب عليها بالخط العريض “المؤسسة الوطنية لرعاية وتأهيل المعاقين”.