ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    عاجل: الحوثيون يعلنون قصف سفينة نفط بريطانية في البحر الأحمر وإسقاط طائرة أمريكية    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تهويمة أُولى في سماء «ثورة العبير».. للروائي اليمني الشاب: خالد العلواني
حيث آخر التيه وأول العبير
نشر في الجمهورية يوم 31 - 05 - 2014

الشخصيات صنّاع الأحداث وفي ثورة العبير سافر الحرف شخصيات كثيرة صوب وجهات كثيرة تنوعت بين العلاقة بالقريب والبعيد البسيط والمعقد ..الأصيل وذي السعر القليل.. لكنها حلقت حد التماهي في أفق المثقف الثوري.. حضر السلبي والانتهازي وتاجر المشاعر والمتخصص في اغتيال الأمنيات .. وفي المقابل وقع المثقف والنصير والعاقل والمفكر حضورهم على ذات الساحة وأبعاد المساحة.. المساحة مسرح أحداث الرواية على طول الطريق.
المرأة / الرجل
على الصعيد الواقعي تمثل العلاقة بين الرجل والمرأة عنواناً عريضاً لإشكاليات التقدم والتخلف ..التراجع والارتقاء لكن الروائي حين يعرض الواقع، لا يقدمه كما هو، وإنما يحاول “إعادة ترتيبه بما يتناسب مع الآمال العريضة وجمالية الأحلام النبيلة.. حضرت الأمومة البسيطة العميقة بين سلمى وعبير والأمومة الواعية بين سماح والهيثم وبين سماح وأسمهان.. ومابين أسمهان ونزار حضرت الأبوة وحضرت علاقة الأخوة بين الأخوين غير الشقيقين والأخوين الشقيقين ومعها حضرت المفارقات بين شقيق يرى في أحلام شقيقته بضاعة للكسب وآخر غير شقيق يقلع الشوك ليزرع لأخته غير الشقيقة الورد بساطاً للانطلاقة صوب قوانين الحياة.. فيما حضرت الأبوة الروحية وقرابة الدم بين عبير وعمها أشرف ..سفر توزع عبر جهات القرابة ..آخر عبر علاقات العمل كما هو الحال بين حسن سمير وتلميذته الصحفية الواعدة. ومثلها حضرت العلاقة بين المرأة والرجل البعيد الذي تأتي به الحياة في محطات كثيرة..
المرأة المشاعر
في مجال علم الفيزياء تعرف الجاذبية بأنها «خاصية توجيه الأجسام الكبيرة للأجسام الصغيرة” فيما تقلب جاذبية القلب الطاولة رأساً على عقب فالأجسام الملائكية الرشيقة الناعمة هي من تعيد توجيه الأجسام الكبيرة الخشنة نحوها بمقدرة فائقة النجوى وارفة الصمت والصمت لغات كثيرة وشجون..
“هي دون التاسعة عشرة بقبلة ونيف وفوق العشرين برشة عطر”
الجمال رسول الإعجاب ..الأنوثة حقل الجاذبية ..والجاذبية أنثى وارفة الحضور ولو كانت في آخر الأروقة.
في مقاييس الجاذبية والجمال يمكن القول إن المرأة وجهات ثلاث ..ثمة جميلة وافرة الجمال تجعلك كقارئ لوحة زاهية اللمسات تستوقفك ساعات من التأمل تمنحك القليل من الغوص في معاني اللون والكثير من المتاهة بين الضياء والظلال.. وثمة أخرى يصفونها بالمملوحة وذات القبلة تلك التي تتفوق فيها نسبة الأنوثة على تقاسيم الجمال.. وثمة أخرى ثالثة تطير بالجناحين معاً وتلك كاسحة الجليد العاطفي وأيقونة الفاتنات وفي هذه المنطقة من مشاتل السحر تنمو بطلة الرواية عبير حجي.
المرأة النبض
بين الإرادة والخطوة الأولى.. مسافة تعجل واحتراف.. يحرص الشاب على توقيع حضوره عاجلاً في تاريخ الفتاة وتحرص هي على متعة المطاردة أكثر، هو يخشى أن يصد فتنهار أحلامه لكنه لا يقوى على التصبر ..هي تخشى أن يتعجل المغنطة فيفقدها سريعاً ..ألم أقل إن الجاذبية أنثى وأن أيسر قوانينها تسقط التفاحة وأعقدها تسقط القلب في دهشة من شغف! ..هو صادق فيما يقوله الآن ..هي صادقة لكن فيما تنوي قوله غداً.. إنها سيكولوجية النبض والنبض الآخر أدارها الكاتب بين حلبة وحديقة.. بين صخر مشبع بالقسوة وبين بحر مترع بأسباب الترقرق والهيام.. وكم كانت الجغرافية أنثى حيث وحين أراد بسطت له صفحة البحر أوراقاً لسطر الرسائل بحبر الصمت الهادر حد دوامات الغرق.. وأشعلت خدود الفتاة وشفتيها ربيعاً زاخر الورد حد تمام العبير..
المرأة الاغتراب
حين تمتلك خبراً مفرحاً ولا تجد لمن تحكيه فأنت تعيش حالة اغتراب روحي ..الكثيرون يتواجدون من حولك تشعر بهم ولا يشعرون بك تهتم لأمرهم ولا يهتمون لك، تنصت لأجلهم وتفتقد من ينصت لك.. «تلك هي عدن والمدينة أنثى وتلك هي عبير على جبل صيرة” تقول الرواية ..
“..وفي رحلة الهبوط قالت عبير لنفسها، إنها لا تشبهني كثيراً، لكنني أشبهها إلى حد بعيد، كلانا وحيد، في وجه العواصف، وكلانا نذر نفسه كخط دفاع متقدم أمام فئران الخراب، وبوم البشاعة، ثمة شبه أخير، كلانا يحفه البحر، مذكياً فينا جذوة العطش”.. نعم يمكن أن تكون محاطاً بكثيرين تحسبهم ولكن لا يعلمون أنهم ليسوا أكثر من مجرد إحصائية على ورق..
المرأة العشق
نخطئ كثيراً في تفسير معنى العشق على أنه لقاء عابر في زاوية من الوقت مظلمة فيما العشق فقه الحب وفلسفته وغايته.. العشق أن يتماهى طرفا علاقة الحب حتى يشعر كل منهما أنه يقطن هناك في ذلك القلب وأن الآخر هو من يسكنه.
“فجأة وفي ذروة النقاش المحتدم تصمت عبير لثوانٍ وتشيح ببصرها صوب البحر لتعيد ترتيب أفكارها بعدما استجد شعور ما خلال التقاء عينيها بعيني هيثم”.
وفي موضع آخر من الرواية “ نظرة أشعرت عبير بالخدر وفجرت كماً هائلاً من الكهرباء في خلايا الهيثم ليسود الصمت للحظة لا يعرف مداها إلا مؤشر نبض القلب وأشرف حجي الذي فصل التيار بزفرة لا يعلمان وجهتها”.
“ فكري في نفسك، ارخي زمام دلالها، امنحيها حق الإعشاب على صفحة الشمس، التفتي ولو قليلاً لصداقاتك، وحضورك الاجتماعي، قصي شريط مهرجان الغرام”.. في عدن فكرت عبير بقطار العمر وجمال الصبية وجاذبية الأنثى وعلى صفحة البحر كتبت تناهيد وزفرات كثيرة..
المرأة الإرادة
“لن أفرط في حلمي في أن أكون تلك المرأة التي أريد، ولن أعدم وسيلة أحرز بها هدف حياتي”.
في المشكلات التي يتداخل فيها السياسي بالاجتماعي تتنوع الحلول بين ..حل السلطة : وهو القمع الذي يمنح الحاكم عمراً إضافياً لكنه لا يؤدي إلى نتيجة حضارية.
يقول العم أشرف في حواره مع عبير حول استكمالها المرحلة الثانوية.
-لا خلاف، لكن ليس في القرية مدرسة ثانوية للبنات. فترد عبير:
- ليس ذنبي ..وما كنت لأرضى أن أكون ضحية قصور وتقصير الآخرين.
حل الفرد: تمرد إيجابي يخرج فيه الفرد عن قانون السلطة وليس الدولة لكنه يظل حلا‌ً فردياً.
يتضح هذا الحل بشكل ما في قول عبير في ذات الحوار السابق مع عمها..«ألم تقل يوماً أن اللاعب الذي يخطئ التقدير أمام مرماه، أو يفقد فضيلة التركيز والحماس قبل صفارة النهاية يساعد خصمه على الفوز؟».
حل الجماعة : يتنوع بين الرضوخ وبين الثورة وهنا يمثل الصمت القديم مرحلة الخضوع غير أن الصحوة التالية التي أنتجت مدرسة القرية تمثل بعداً نقيضاً لحالة الخنوع التي سادت لعقود سابقة حل الاغتراب : أن تجعل العالم خارجك كي تشعر بوجودك.
وهو مالم تصل إليه عبير ..
اختارت بطلة الرواية أن تكون مع الناس لكن على طريقتها فسبحت ضد التيار .. تيار التخلف الشائع في اتجاه ضفة هناك في البعيد القريب العصيب لتضيف صوتاً قوياً آخر لتلك القلة التي تحترم صوت العقل وتعتمد المنطق في قراءتها وفي معالجتها للأمور .
المرأة الضحية
تتجلى في غير مكان من زوايا الرواية بين سلمى والدة عبير التي لم تتمكن من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة ففارقت الحياة قبل ان ترى اشتعال الفرحة في عيني العبير يوم زفافها كما هي أمنية كل أم.. تتجلى في عبير المفترى عليها بالإفك من قبل حمود انتقاماً لأنانيته في استلاب العبير على غفلة من الزمان.. تتجلى في حياكة الأكاذيب حول سماح الأم التائهة بين سجون الحلم والحب الذبيح في حياة قد تشبه الحياة ..لكنها لا تساوي تفاصيلها الدافئة.
“مثلت ملابسات الحادث مادة دسمة لآكلي اللحوم البشرية، الذين نسجوا من الهزة العاطفية العارضة كواليس موغلة في القبح والإسفاف طالت شظاياها طرفي الحادث وقلب نزار”.
المرأة الحدس
أخشى ألا يكون الغباء من حظ النظام وحده أيها المثقف المتحمس، قالت ذلك فيما كانت تحاول معرفة ما إذا كان البحر منشغلاً يتلو قصائد الغزل على صفحات العبير.. أم أن العبير يكتب رسائل عشق على صفحة الماء.. تقول أسمهان في إشارة إلى أخيها هيثم المنصرف عن هيام البحر في عيون العبير.
هي مسألة حساسية عاطفية تستشعر المرأة ذبذباتها من على بعد حيرة الف رجل.. تقول الرواية..«لمست أسمهان بحدس الأنثى، انصهار الأرواح، كلما شعرت بتيارات الإعجاب المتبادلة بين عبير، وهيثم. والأنثى أقدر على قراءة ذبذبات الحب الكهرو مغناطيسية الجائلة عبر الأثير، من صحن لاقط”.
المرأة الغبن
“يطلق هيثم وعبير أرجلهما للريح إلى موقع الحادث، وتبقى أسمهان بجانب أمها التي أطلقت صيحة كظيمة ، ودخلت في نوبة من الشلل الرعاش”.
المرأة النضال
فيما يعرف تسمية أو وصفاً وليس توصيفاً بالمجتمعات المحافظة تكون قيم العرف المتوارثة هي السائدة ليس الشرع وليس الوعي وليس القانون.. حيث تبدو ملامح الصورة من زاوية واحدة، عليك ان تمجد أخطاء الرجل وأن تطلق عليها وصف المغامرة حتى لو كان ناهب حق أو قاطع طريق وعليك أن تنظر للمرأة بدونية المخلوقة بين غرفتين البيت والقبر.. والسؤال، على ماذا تحافظ المجتمعات المحافظة؟ على أخطاء الرجال بالطبع لم أتمكن في الحقيقة من الحصول على تفسير آخر “وارحبوا على الحاصل”.
حينما يبدأ الجديد بالمجيء يستقبله القديم بالإنكار ثم بوصمه بالصفات الجارحة ثم بالحديد والنار.. أن تفكر في منطقة من العالم تعتبر العقل شبهة، فقصائد المديح ستكون على هذه الشاكلة..
“اتهمت عبير بتبني عملية الجندرة، والزندقة، ومخالفة المشيئة الرئاسية، وتنفيذ مخططات جهات محلية وخارجية معادية للوطن، وأمنه، واستقراره”..
لكن حين يتخذ الجديد مربع الإرادة والإقدام كما تشير العبارة التالية..«فلم يكبح ذلك عزمها- عبير وحركتها، ولم يصرفها عن سكة النضال، بل دفعها إلى مواجهة حمى الإشاعات بنار الحقائق”.. إنها حالة الحوار الأولى بين القديم الظالم وبين الجديد المنصف أو قل مجازاً حالة “الغزل” الأولى في استقبال الجديد لكن استمرأ الجديد في التقدم والتمدد على حساب القديم المهترئ تغير في نغمة الغزل من صوت التخوين إلى أزيز الرصاص.
“ ويبدأ العدوان على المسيرة بشكل مسعور الكل مستهدف وخاصة محركات التغيير دون تفريق بين شاب وفتاة، كادت عبير أن تفقد حياتها وهي تحاول توثيق الانتهاكات التي تجري في حق المسيرة وقادتها..”.
الأمر مختلف من نوع خاص من النساء ..المرأة الند..
في روايته «المخطوفون» يقول عبد الكريم ناصيف “ما أَعْجَبَ الطُّغيان... يستطيعُ أنْ يفعلَ كلَّ شيءٍ ما عدا قبول الناس به”
وفي ثورة العبير تقول بطلة الرواية “ ومادام الرجل ينظر إلى المرأة كمشكلة فإنه سيعمل على اختراع أكثر من مسوغ لإبعادها عن ساحته”.. ولأن الأمر كذلك فهي تدرك جيداً ما ينبغي أن تفعله..?
المرأة الفكر
من الطبيعي أن يحمل البشر أدمغة فهي جزء من تكوينهم الأساس لكن ذلك لا يعني أن كل دماغ يفكر قد يتدبر، نعم لكن أن يفكر يعني أن يوجد حلولاً لمشكلات حقيقية أن تتخلق في رأسه ووجدانه البدائل ..تلك التي تمنح خطوتك الثقة والاتساع المتاح في السير أماماً..
“إلى حين مجيئها إلى الحياة كان الشيخ، والمقذية، وشجرة السدر أبرز معالم قريتها الواقعة في محافظة إب، تلك القرية التي ظلت لزمن محافظة على طابعها المعماري القديم”.
أن تفكر يعني أن تمتلك حريتك أن ترفض.. وأن تحاكم الفعل الخاطئ وتدينه بالحجة والمنطق.. يقول الكاتب على لسان بطلة الرواية..
“ على جماعات العنف أن تدرك أنها هزمت يوم أساءت لرحمة الرسالة، وعدالة قضايا الأمة بطيش مسلكها، وهمجية أفعالها” الإسلام أو بعمومية أكثر الأديان لا تقتل تضع عقاباً نعم ..ثمة عقاب للجريمة يتناسب مع درجتها وأجواء حدوثها فعلاً على الأرض لا هوساً في أذهان من يؤجرون أدمغتهم للشيطان..
المرأة التفوق
“استدعت نشوة الفرح كل نشاط الطفولة وبراءتها في تصرفات عبير التي أخذت تقفز وتضحك، وترمي الوسائد في الهواء، وتقبل الكتب، وتهتف جيت الأولى».
المرأة العمل
العمل يمنح الذات وسام الوجود الفاعل على هذه الأرض .. وهنا كان، حضر ذكاء الكاتب بقوة في اختيار الرقعة الجغرافية كجسر عبور إلى محطة اكتمال الذات لدى المرأة وموازنتها للرجل مغلقاً أبواب التأويل والرقص بين حقيقة الدلالات ووشوشات المجاز..
“ اصطحبتها سماح إلى لقاء مفتوح لمجموعة من المنظمات المعنية بحقوق المرأة والتمكين السياسي، شارك فيه قاضيات، ووكيلات نيابة، ومحاميات، وأكاديميات، وناشطات حقوقيات، وإعلاميات، ناقشن خلاله فكرة تعزيز الشراكة بين هذه المكونات استجابة لمتطلبات المرحلة، إضافة إلى عرض الانتهاكات التي تطال المرأة، وسبل كشفها، ومجابهتها”.
هنا تحضر بوضوح أيضاً ثنائية المرأة /المرأة شراكة الهم وتكامل الإنجاز.
المرأة التشرد
حين لا تعمل فأنت تقف على أرض رخوة وغير ثابتة ..تقول الرواية..
“ فجأة توقفت الصحيفة، وأمست عبير كغراب العقعاق تبحث عن الحياة في رماد الغابات المشتعلة، وجانبتها رياح البسط حتى غدا الألف ألفاً من الملائكة مسومين”.
المرأة الشريك
“ تدرك سماح بحدس المحامي الخبير أن ثمة وصفة أمنية قذرة تطبخ على نار العجرفة الموغلة في الخطيئة، وتستشعر برادار الزوجة الوفية مسئوليتها الشخصية في إثبات براءة نزار ولو استدعى الأمر مجابهة كل قوانين الدنيا ونواب عزرائيل.”
لم يكن نزار في محنته تلك ليجد محامياً بإصرار وبسالة وعنفوان زوجته المحامية سماح لو لم يكن قد مكنها من أن تعمل من أن ترتاد ساحات القضاء ومراكمة الخبرة في مجال القانون وحقوق الإنسان..تلك هي الحكاية بعبارة واحدة.. عبارة تختزل تفاصيل رواية ومشاريع حياة..
المرأة الوجع
مثلما تحيا الشخصيات في الروايات.. تموت لكن الموت في كثير.. وفي ثورة العبير حضر الموت بكثافة وشراسة كما حضر بنعومة مسمومة أيضاً فمرة كان موتاً اجتماعياً في ورطة عزام مع عبد القدوس ومرة أصاب الضمير كما هو الحال لدى عبد القدوس وأخرى استهدف فيها العاطفة والنبض..
“ ملأت عبير الفنجان بالقهوة للمرة الثالثة، واتصلت بأسمهان سألتها عن جديد الساعات المنصرمة وحال أمها فلم تجد غير الأسى والتجلد”.
ومثلها استهدف إشراقات الحياة كما حدث للمحامية سماح..
“ وصارت سماح تحاكم براءتها نيابة عن الجاني: بأي جرم يشرخ كياني بين حادثين، ويجفف دمي بين لحظتين، وتصلب سعادتي على عود مصيبتين، أي داهية أجبرت الهيثم على اقتفاء أبيه”.
ومرات وقّع حضوره في ميدان السياسة التي ظلت تلتهم الآمال والأحلام والعقول لتضيف إلى حضورها غير الشرعي أسباب بقاء إضافي على العرش المنهوب.. وموت سياسي، ومرات أخرى تبدى موتاً فكرياً وفلسفياً مابين الفكر المتطرف والدرويش وبين المنطق ومعادلات الحياة الناهضة.. وفي حالة مختلفة جاء مستهدفاً كل شيء كما هو حال عبير في فقد الهيثم..
“تتقافز من نوافذ عقلها كل غربان الشك، ويسكنها يقين قاتل بأن الرقم واحد وعشرين ليس سوى قناع تنكري للشهيد هيثم عشية حصوله على حق المواطنة في ملكوت الأنبياء والشهداء والصالحين، تنكمش حافية القلب مثل دودة القز ريثما تستعيد بعض توازنها المبعثر على امتداد ديمغرافيا الفقد الذباح”.
وفي مواضع أخرى كثيرة أيضاً جاء قاسياً كموت والد عبير وأمها ومتوحشاً كما في حادثة اغتيال اشرف ومدمناً للدم والجريمة كما حدث في ساحات الحرية والكرامة. .ساحات الثورة والتغيير.. وفي كل مرة عاشت المرأة تفاصيل الفقد الشامل للسند والنصير والأمان في بلد ذكوري الثقافة غير آمن.. عاشته شاملاً لكن محطة محطة لحظة لحظة أنة أنة ..عاشته جملة وعاشته تفصيلاً.. كم كان قاسياً هذا الزاخر بملامح البراءة والطيبة ..كم كان قاسياً لكن على الورق ..وكم كان صادقاً حين تحول إلى ضمير للناس وتجوّل في شرايين الموجوعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.