أكد رئيس مجلس الوزراء الأخ محمد سالم باسندوة، أن الغاية النهائية من مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية هي استكمال المصالحة السياسية بمصالحة مجتمعية هدفها إرضاء المجتمع وحمله على القبول بالمصالحة عن طريق إنصاف الضحايا أو أهاليهم، والمجتمع بمختلف فئاته وأطيافه السياسية والاجتماعية وصولاً إلى تحقيق السلم الاجتماعي بإشاعة الاخاء الوطني. جاء ذلك لدى افتتاحه أمس بصنعاء أعمال المؤتمر الاقليمي للعدالة الانتقالية والذي تنظمه على مدى يومين وزارة الشئون القانونية بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الانمائي والمفوضية السامية لحقوق الانسان. وقال الأخ رئيس الوزراء في كلمته في افتتاح المؤتمر: « يأتي انعقاد فعاليتكم هذه بعد ان حقق وطننا بعضاً المنجزات التي تمثلت في تنفيذ معظم بنود المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، وفي انعقاد مؤتمر الحوار الوطني برئاسة فخامة الأخ المشير عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي أسفر عن مخرجات نصت جميعها على وجوب تعزيز التوافق الوطني وحل القضية الجنوبية حلاً عادلاً ومنصفاً، ومعالجة أسباب وتداعيات حروب صعدة، وإقرار أسس ومتطلبات التغيير، والتي ينبغي ان تكون هي المرتكزات والمنطلقات لصياغة دستور جديد يضمن بناء دولة يمنية مدنية حديثة، يقوم نظامها السياسي على الديمقراطية الحقة والمساواة في المواطنة والشراكة في السلطة والتوزيع العادل للثروة على اساس مبدأ «من كل حسب قدرته وكل حسب عمله». ولفت الأخ باسندوة الى أنه من أجل الوصول الى هذا الهدف الأسمى الذي توخته ثورة الشباب الشعبية السلمية التي شهدتها بلادنا يتعين البدء باتخاذ خطوات جادة وحثيثة لمنع حدوث أية انتهاكات لحقوق الانسان والمواثيق والقوانين الدولية سواء في الوقت الحاضر و المستقبل.. مشيراً الى أن ذلك يتطلب العمل أولاً على تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية لطي صفحة الماضي من ناحية ولكي تعم المحبة ويسود التسامح ربوع مجتمعنا من ناحية اخرى. وقال: «إن مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية الذي أعدته وزارة الشئون القانونية بقيادة الدكتور محمد المخلافي وبالتعاون مع نخبة من المسؤولين وذوي الاختصاص جاء مستوعباً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني ومبنياً على جملة من الموجهات القانونية التي كان لابد من الاستهداء بها، ومن أهمها تحديد آليات ووسائل تحقيق العدالة الانتقالية التي يمكن تلخيصها في الكشف عن الحقيقة، جبر الضرر، إعادة الاعتبار للضحايا وحفظ الذاكرة، وضمانات عدم التكرار في المستقبل». وأوضح رئيس الوزراء أن مشروع القانون حدد الأهداف والغايات المتوخاة من ورائه في المادة 3، الأمر الذي يقضي بالكشف عن حقائق الانتهاكات والتجاوزات الماضية التي ارتكبت خلال الفترة المشمولة بنطاق سريانه، ومعالجة الأوضاع والآثار الناجمة عنها في سياق مفهوم العدالة الانتقالية على النحو الذي يؤدي الى انصاف الضحايا ورد الاعتبار لهم. وقال: « كما أن الهدف من مشروع القانون هو إجراء مصالحة وطنية شاملة مبنية على أُسس من الاعتراف بارتكاب أخطاء واقتراف انتهاكات وطلب العفو والاعتذار والتسامح والتصالح لطي صفحة الماضي والتطلع نحو المستقبل بروح مجردة من الرغبة في الانتقام والثأر، وتعزيز الوحدة الوطنية والسلم الأهلي والتعايش الاجتماعي وبناء دولة القانون وإعادة الثقة بمؤسسات الدولة والقانون الى المواطن، وكذا تعزيز قيم الديمقراطية والحكم الرشيد واحترام حقوق الإنسان وتنمية وإثراء ثقافة وسلوك الحوار والقبول بالرأي الآخر، وإجراء الإصلاح المؤسسي وإعمال مبدأ المساءلة والمحاسبة لضمان وقف استمرار ارتكاب الانتهاكات ومنع تكرار حدوثها مستقبلاً». وأضاف: « وفي سبيل تحرير مجتمعنا من الخوف من الماضي كيلا يبقى أسيراً له حتى يستطيع تجاوز آثاره ومآسيه ونفي سلوكه ورفض واستهجان ما حدث فيه بكشف وتعرية تلك المساوئ أمام المجتمع واظهار قبحها، بتوعية الأجيال القادمة بضرورة عدم قبولها ورفض تكرارها، وتحقيق السلام عبر مصالحة وطنية وعادلة ودائمة، بحل فعال يقوم على مقتضيات العدل والصفح معاً، ذلك لأن مقتضيات الصفح لا تتحقق إلا من خلال العفو المتبادل غير التمييزي، وأهم مقتضيات العدل معرفة الحقيقة ورد الاعتبار للفرد والمجتمع ومنع تكرار الانتهاكات الجسيمة في المستقبل». وتابع الاخ باسندوة قائلاً: « إن تحقيق الوقاية من آثار الحصانة لا يتم إلا عبر الإقرار بالحق في معرفة الحقيقة والحق في جبر الضرر والحق في حفظ الذاكرة الجماعية وحق الفرد والمجتمع بالحماية من تكرار مآسي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان». وأكد ان مشكلة العدالة الانتقالية ليست في مشروع القانون ومضامينه بقدر ما هي في السياق الزمني الذي صيغ فيه القانون.. وقال: «لم يأت مشروع القانون في ظروف تحول حقيقي بل في ظروف سياسية أعاقت التغيير الكامل والتحول الديمقراطي المنشود وأخضعته الى تسوية تطيل من أمد التحول وتهدر الكثير من الجهود باستمرار احتفاظ الذين اقترفوا تلك الانتهاكات او ساهموا فيها طوال الفترة السابقة بالنفوذ والسلطة». وأعرب الأخ باسندوة في ختام كلمته عن تمنياته لمشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية ان يجد طريقه الى التطبيق.. داعياً الله العلي القدير أن يعيد الى مجتمعنا لحمته وأن يحقق لشعبنا وحدته، وأن يقي وطننا كل الفتن والمحن وعوادي الزمن إنه سميع مجيب. من جانبه أكد وزير الشؤون القانونية الدكتور محمد المخلافي ان مشروع قانون العدالة الانتقالية قد بني على ثلاث مرتكزات أساسية هي الصفح ، العدل ، و السلام ، بحيث لايوجد تعارض بين العفو والعدل و لايؤدي العفو الى تهديد السلام . وأشار الى انه يجري الآن الإعداد لآليات تحقيق العدالة الانتقالية وجوهر ذلك يكمن في تحقيق التزاوج بين التسامح و العدل وإن اختلفت الوسائل والاساليب وأن اليمن اليوم على موعد مع تاريخ جديد ولحظة تاريخية سانحة للتغيير ومغادرة ماضي الحروب والانقسام والضعف للانتقال من الصراع الى السلام ومن الثأرات الى التسامح ومن النظام التسلطي الى النظام الديمقراطي ، واستجابة عملية لأهداف الثورة الشبابية الشعبية من اجل التغيير واقامة الدولة المدنية الحديثة وتحقيق التحول الديمقراطي وكفالة حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية واستعادة الكرامة . ونوه الدكتور المخلافي الى أن وسائل تحقيق هذه الاهداف ينبغي ان تمثل قطعاً مع الماضي وفي مقدمة ذلك القطع مع ثقافة الثأر و الانتقام وتوفير شروط السلم الاجتماعي و المصالحة الوطنية ..مؤكداً أن تلك هي وسائل وآليات المصالحة السياسية والمصالحة الاجتماعية إذ تتم المصالحة الأولى عبر حوار وطني شامل والمصالحة الثانية عبر آليات العدالة الانتقالية المكرس لها هذا المؤتمر الاقليمي . ولفت الى ان اليمن يمر حالياً في المرحلة الثانية للفترة الانتقالية و قد أنجز أهم مكوناتها المتمثل في عقد مؤتمر الحوار الوطني الذي حقق التوافق الوطني لحل القضية الجنوبية وإزالة اسباب حروب صعدة..مشيراً الى ان مؤتمر الحوار الوطني وقف أمام القضية الهامة المتمثلة في العدالة الانتقالية وضع محددات قانونها وحسم المسائل الخلافية المتعلقة بتسميته والنطاق الزمني لسريانه وإقرار أسس التغيير كأسس لعقد اجتماعي جديد والتي سوف تكون أسساً لدستور جديد ولإحداث تغيير في هيكله الدولة والنظام السياسي من أجل بناء نظام ديمقراطي كامل . واستعرض وزير الشئون القانونية اسهامات الوزارة خلال المرحلة الانتقالية في التهيئة للعدالة الانتقالية انطلاقاً من المبادرة الخليجية وآلية انتقال السلطة والبرنامج العام لحكومة الوفاق الوطني، حيث قامت الوزارة بإعداد مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وتم إخضاعه للتداول العام والمناقشة في الندوات وورش وحلقات نقاش عقد لقاء تشاوري وطني فضلا عن تعديل مشروع القانون واستيعاب ما ورد في مقررات المؤتمر، حيث حسمت مقررات مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المسائل الخلافية الحادة .. وأوضح ان مشروع قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في اليمن يهدف الى تحقيق السلام عبر العدالة الانتقالية كآلية تطبيقية تحقق بالنتيجة المصالحة الوطنية العادلة والدائمة والتي تمثل آلية لحل فعال يقوم على مقتضيات العدل والصفح معاً..لافتاً الى أن مقتضيات الصفح تتحقق من خلال العفو المتبادل غير التمييزي وأهم مقتضيات العدل معرفة الحقيقة وتحقيق العدل بالمساءلة عبر الاعتراف والاعتذار والعقاب في حالة عدم الانصياع او تكرار الانتهاكات وعن طريق جبر الضرر بتعويض الفرد والمجتمع وتخليد الذاكرة الوطنية ومنع تكرار الانتهاكات الجسيمة في المستقبل . وقال: «إن معرفة الحقيقة تمثل أهم عوامل المصالحة بمعرفة الضحية أو ذويه والمجتمع وقائع الانتهاكات ومن ارتكبها، لأننا عندما نعفو يجب أن ننسى، لأننا لو نسينا لن نعتبر وسيتم تكرار الانتهاكات و الحروب». وأضاف وزير الشئون القانونية « ما من شك ان لقانون العفو (الحصانة) آثاراً ضارة بسبب الافلات من العقاب، غير أن قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية سوف يحقق الوقاية من تلك الآثار عبر اقرار الحق في معرفة الحقيقة ، الحق في العدل بالمساءلة و جبر الضرر، الحق في حفظ الذاكرة الجماعية، و حق الفرد والمجتمع بالحماية من تكرار مآسي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان . وأوضح ان عقبات عديدة ظهرت منذ بداية طرح الوزارة لمشروع قانون العدالة الانتقالية، حيث جعلت بعض القوى من القانون وكأنه مصدر ازعاج لها فلم يروق لها الكشف عن الحقيقة والاعتراف وكذا الخشية من الاصلاح المؤسسي وكأنه يمثل نهاية لمصالحها . كما ألقيت كلمتان في المؤتمر من قبل الممثل المقيم للمفوضية السامية لحقوق الانسان جورج الزلف ألقاها نيابة عن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر والمفوضية السامية لحقوق الانسان وبرنامج الاممالمتحدة الانمائي و سفيرة الاتحاد الاوروبي السيدة بيتينا ، اكدا في الكلمتين ان القانون الدولي يلزم الدول و يحثها على اتخاذ تدابير ملائمة في حدود نظمها القانونية الداخلية للتحقيق و محاكمة و معاقبة مرتكبي انتهاكات الماضي ..مشيراً إلى انه كما في كل البلاد الهشة الأخرى يواجه اليمن العديد من التحديات إذ لم يلمس أن هنالك التزاماً سياسياً واضحاً للمساءلة كما ان نظام العدالة يفتقر الى الاستقلالية او القدرة على التحقيق ومقاضاة افعال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان . وأشاروا الى أن التجربة أثبتت أن الدول التي قررت محاكمة مرتكبي الجرائم الكبرى هي في المتوسط أكثر استقراراً من تلك التي لم تفعل ذلك وأن السلام و العدالة يسيران جنباً الى جنب ، وبدون عدالة ستستمر انتهاكات حقوق الانسان ولايمكن أن يتحقق السلام والأمن وستبقى التنمية المستدامة ضرباً من الوهم والافلات من العقاب يشجع الجناة فقط ويولد انتهاكات جديدة . وأكدا حاجة اليمن الى اصلاحات تشريعية ومؤسسية شاملة في مجال سيادة القانون واستعادة المؤسسات العامة اليمنية ثقة المواطنيين فيها. وثمنوا، بحسب وكالة «سبأ»، الجهود الرامية الى تقديم تعويضات للضحايا من خلال لجنتي الأراضي والمفصولين من الوظيفة العامة في الجنوب و التي جمعت فيها اللجنتين عدداً كبيراً من القضايا والآن يجب على الحكومة وضع الموارد والاجراءات اللازمة لتنفيذ توصيات اللجان . وأكدوا بأن العدالة الانتقالية تهم مفوضية حقوق الإنسان و برنامج الأممالمتحدة الانمائي ومكتب المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي و لن ندخر أي جهد في توفير المساعدة للسلطات اليمنية في وضع القوانين و التدابير التي تجلب العدالة و دعم السلام طويل الأمد والمصالحة في اليمن . وحثوا جميع الاطراف في الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني للعمل معا في حوار لوضع اللمسات الأخيرة لقانون العدالة الانتقالية وتمريره بحيث يسود اليمن الحقيقة والعدالة والمصالحة و السلام . ويناقش المؤتمر على مدى يومين عدداً من أوراق العمل تشمل مخرجات الحوار الوطني وعلاقتها بالحصانة والعدالة الانتقالية، واستعراض مشروع قانون العدالة الانتقالية، والعدالة الانتقالية و التحديات الراهنة في الواقع اليمني، العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي وسيادة القانون ، هيئة العدالة الانتقالية والاصلاحات المواكبة والتجارب الدولية ، منها تجارب “المغرب ، تونس ، و جنوب افريقيا” ، اضافة الى دور المجتمع المدني من منظور النوع الاجتماعي في العدالة الانتقالية ، و تجربة المشاورات الوطنية في إقرار قانون العدالة الانتقالية ودور منظمات المجتمع المدني.