من الغريب أن يستقبل البعض عيد الفطر بتصرفات مشينة, وباكتساب مساوئ وذنوب بدلاً من أن يكون هذا اليوم محطة لمراجعة النفوس ومحاسبتها, وتقويم إعوجاج السلوك.. قبل أيام ضبطت الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة أكثر من 300 صفيحة تمور منتهية الصلاحية, وقد أوضح مصدر بالهيئة أن هناك شكاوى بوجود تجار يقومون بعملية الغش عبر خلط التمور القديمة أو المخالفة للمواصفات بتمور جديدة , وعرضها للبيع بالأسواق !! وفي قضايا الغش التجاري أمور صادمة , تستجلي الصورة القبيحة التي باتت تغلف كثيراً من التعاملات , ومدى ما وصلت إليه من كذب وتدليس, حتى لو كان الثمن الإضرار بحياة الناس وقتلهم بدم بارد. أخطر أنواع الغش التجاري هو ذلك المرتبط بسلامة وحياة الناس لا سيما المواد الغذائية , والملاحظ هو كثرة القضايا المضبوطة في الشهور الأخيرة لمثل هذه المنتجات؛ ففي 27 مايو الماضي تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط 60 طناً من الحليب منتهي الصلاحية على متن قاطرة (فولفو) بمدخل مدينة الشحر بمحافظة حضرموت, وفي 17 يونيو تمكنت نقطة أمنية بمدينة باجل من إحباط محاولة توزيع شحنة ضخمة من الدقيق الفاسد داخل الأسواق. .. حمود (42 عاماً) , يمتلك بقالة في حي مكتظ شمال العاصمة , يعرض أصنافاً من الحلويات داخل صندوق زجاجي بفتحة إلى الداخل , نبهته وقد لفت نظري زحف حشود من الذباب صوب الحلوى , امتثل للنصيحة وأجابني وقد بدأ يطوي الأغطية على قوالب الحلوى، في هذه البلاد , السلوك العشوائي مكتسب, فقد أمضيت أكثر من 15 عاماً في الغربة بالخليج, وكان لدي محل (سوبر ماركت) دون الوقوع في خطأ مماثل كهذا ولا مرة , هل تعرف لماذا؟..لأن هيئة الرقابة على الصحة والنظافة عندهم ناشطة وتعمل على مدار الساعة, وملاحظتهم لخطأ كهذا , قد تتسبب بإغلاق المحل والسجن ودفع غرامة , القانون فقط يحمي الناس وتسير الأمور بصورة حسنة ؛ لكن في بلادنا حدّث ولا حرج.. هذا البائع , عنده الحق فيما قاله , فقد صادف أن دخلت قبل سنوات مقر الجمعية اليمنية لحماية المستهلك , وأطلعني رئيسها آنذاك الأستاذ حمود البخيتي على أصناف غذائية مضبوطة, وقد ظهر التلوث بها عبر الكيس البلاستيكي الشفاف الذي يحويها , البخيتي قال إن هذه المواد عصائر مخصصة للأطفال بحيث باتت تمثّل أسرع وسيلة لإلحاق السرطان بهذه الشريحة.. وبطبيعة الحال أصبحت اليمن من أكثر دول العالم اليوم استشراءً لمرض السرطان , ووفقاً للإحصائيات فهناك أكثر من 22 ألف حالة إصابة بالسرطان تسجل سنوياً بالبلاد , وعدم وجود ثقافة غذائية لدى المستهلك يعد أحد الأسباب الرئيسة لهذه المشكلة. ووفقاً للخبير الإقتصادي الدكتور. حسن فرحان ؛ فاليمن منذ عقود باتت تمثّل مكباً أو (مقلباً) للسلع المغشوشة والفاسدة ومجهولة الهوية, ويسهم استشراء الفساد في تسهيل مرورها حتى تجد طريقها إلى الأسواق اليمنية. وللغش التجاري ضريبة مكلفة يدفعها المستهلك المغلوب على أمره من أمنه وصحته وحياته ؛ فقد قضى عدد من الأطفال نحبهم قبل فترة في ريف محافظة تعز , بسبب تناول أغذية فاسدة , فيما تم إسعاف الأب والأم الى أقرب مركز صحي وهما في وضع حرج للغاية. وبطبيعة الحال لن يكون ترقب حدوث مواجهة حرب قد تنشب بمنطقة الجراف شمالي العاصمة في إطار توسع رقعة الحرب الممتدة في عمران ومديريات متاخمة للعاصمة , أكثر ما يقلق سكان هذا الحي الذي كان شهد توتراً محدوداً قبل أيام , فمبعث القلق قد يأتي من جوف قطعة أرض واسعة كانت مسرحاً قبل شهور لدفن كميات من المبيدات شديدة الخطورة دولياً, ما يفجر كارثة بيئية بالحي قد تمتد الى أحياء مجاورة ؛ هذا تقريباً ما دفع الحكومة الى تحرك لاحتواء المشكلة, مثل هذه المبيدات التي تسرح وتمرح دون رقيب بدأت تميط اللثام عن عديد من عمليات الضبط التي حصلت لمثل هذه السلع الخطرة خلال الشهور الأخيرة , آخرها كان الأسبوع الفائت بضبط خفر السواحل بخليج عدن حمولة 222 كرتوناً من المبيدات المحظورة التداول , وقبلها في 20 من مايو الماضي عندما تمكنت قوة من اللواء 17 مشاة المرابط في باب المندب بمحافظة تعز من إحباط أكبر عملية تهريب لمبيدات فاسدة ومحظورة من نوعها على مستوى المحافظة, احتوت 600 كرتون حجم كبير من المبيدات الفاسدة.