طال في هذا الوطن زمن الانتظار لحركة الحياة الواقعية التي تنسجم وتلك الحركة الكونية السائرة نحو تحقيق غاية الإنسان في التطور والبناء والإبداع.. وكلما أخذنا بالتفاؤل بانفراج مسارنا المتعرج وجدنا أنفسنا نعود إلى مرارة ماضينا بأكثر حدة عما سبقه وفي هذه العثرات تنزلق الأجيال في مخدرات الإحباط واليأس لتصبح الحكاية هي نفسها حقبات من التاريخ تتوارث أجيالنا فيها عوامل الإحباط والتقوقع في دائرة القنوط الأبدي. هناك من يعتقد أن الإبداع الإنساني لا يأتي إلا من أولئك الذين التبست حياتهم الرفاهية وثوابت الاستقرار النفسي.. فيما الحقيقة تنافي هذه القاعدة من القول فهناك الكثير ممن أبدعوا في علوم الحياة جاءوا من الواقع المعيشي المتأزم، ومنهم أسوياء وآخرون كانوا معاقين فتركوا في الخلد الإنساني ما يخلدهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. إلا أن الفارق هنا أن تلك العقول المبدعة والمثابرة لتحقيق شيء من النجاح لنفسها ومحيطها كانت تجد من يرعاها.. ويحترم جهدها ومحاولاتها.. كما تنال قوى الإبداع اليوم في عالمنا هذه الرعاية واهتمام الدول بها، فيما لا نزال نحن اليمنيين نرى الإبداع والابتكار والتجديد بدعة تتوارث بكل مركباتها هذه المقولة الشاذة.. التي تسقط وقد سقطت بتأثيراتها أجيال متعاقبة كانت تحلم أن يكون لها مكان في القاموس الإنساني الذي يوثق لحركة التاريخ والمؤثرين في تحولاته هنا قد لا نقف أمام إبداع الابتكار.. وإنما إبداع في سبيل التحول من عصر القيود والعزل إلى الحياة الأفضل التي تجعل من شريحة اجتماعية مغيبة شريحة شريكة في صناعة المستقبل الوطني. إبداع كهذا متجسد عند الشاب المعاق مدين أحمد علي الصهباني. الحلم يقول مدين الصهباني: بعد ولا دتي تعرضت لريح أحمر غير ذلك حياتي من طفل طبيعي الولادة إلى معاق بعد الولادة بفعل عوامل كثيرة قد يكون الجهل الأسري العام في رعاية الطفل أهمها، ولكن هناك أمور أخرى تساعد إلى استيطان الإعاقة في جسد المواطن اليمني.. منها الرعاية الصحية المتدنية للطفل وتقوقع اغلب سكان البلد عند دائرة الفقر الذي يصبح السجان المقيت لهذه الأسرة أو تلك ويمنعها من القيلم بواجباتها تجاه أطفالها من الناحية الصحية. ويضيف: تلك الإعاقة أفقدتني قدرة التوازن في جسمي وعرقلت قدراتي على السير.. ومع ذلك عشت في طفولة مصحوبة بالأحلام الكبيرة التي كنت أتطلع إليها وتحقيقها.. فذهبت إلى المدرسة وتعلمت حتى الإعدادية.. وكانت طاقتي العاجزة جسدياً لا تمنعني من تحديها للوصول إلى المدرسة.. ولم يكن حلمي ليتوقف عند حدود الإعدادية فقد كان طموحي يرنو إلى مستويات علمية عالية.. لكن كان هناك جبار القهر أقوى من طموحي زالمتمثل بفقر الأسرة والذي كبح حلمي ذاك. آمال مجهضة يتابع مدين: كنت اشعر بمرارة التجاهل المتعمد للمعاقين رسمياً واجتماعياً ومنذ وقت مبكر.. لهذا كنت واحداً من المبادرين والمؤسسين لجمعية المعاقين حركياً بتعز عام 1997.. وكانت الغاية من ذلك تتعدى حدودي الشخصية وتتطلع لإعادة تأهيل المعاق وتفعيل قدراته وإمكانياته الإبداعية للمشاركة في بناء الوطن وتغيير الواقع المؤلم الذي عاش في ظله المعاق.. ليدرك المجتمع أن المعاقين هم طاقة بشرية فاعلة إذا وجدت الرعاية والتأهيل والاهتمام.. فتم انتخابي رئيساً للجنة الرقابة والتفتيش في الجمعية، ثم أضيفت إلي مسئولية المسرح الخاص بالجمعية.. الذي تم تنشيطه وتفعيل أدواره المختلفة كان تمثيلاً أو فرق الإنشاد.. وشاركت معهم في التمثيل والإنشاد ليأتي العام 2044 ونحن شركاء فاعلين في مهرجان آفاق الروح للمعاقين والتي تشارك فيه كل المحافظات.. وفي ذلك العام حصلت على المركز الأول على مستوى الجمهورية في مجال الإنشاد وتفوقنا بالتمثيل أيضاً.. لتتوالى مشاركاتي في المهرجانات والمشاركات حتى أني من الناحية الشخصية وجدت نفسي محاطاً بكثير من المعجبين بالجهات الرسمية ومكونات المعاقين بالجمهورية. ويضيف: استمر الحال حتى عام 2005 عندما تركت مهامي في الجمعية نظراً لأمور كثيرة، والمؤسف أن قيادة الجمعية التي يفترض بها أن تمنحنا الفرصة بالمشاركة في الدورات التأهيلية والتعليمية كحق مشروع لتطوير قدراتي وإمكانياتي،وجدت نفسي خارج نطاق أي رعاية أو اهتمام منها.. بل الأمر كان لا يقتصر علي شخصياً ولكن شمل الأمر كل جوانب المهام والأهداف المناط بقيادة الجمعية تنفيذها لصالح المعاقين.. وانتقل الحلم الكبير في الجمعية ومشروعها في خدمة المعاق وتطوير قدراته إلى جمعية محصورة في الحدود الضيقة الذي أدركنا معه أن الحلم قد أجهض. في ظل هذا الواقع المحبط وجدت نفسي أبحث عن ملفي الذي تقدمت به للخدمة المدنية بهدف الحصول على حقي بالتوظيف ضمن الدرجات المقررة للمعاقين ودرجة عمالية.. وبالرغم من أن هذه الحقوق هي من مسئولية الجمعيات والاتحاد إلا أنهم لم يفعلوا شيئا حيالها.. يواصل مدين: أجبرني الأمر في العام 2006 إلى بيع مصوغات والدتي والسفر إلى صنعاء.. لتقديم ملفي إلى وزير الخدمة المدنية.. الذي وجه بتوظيفي ضمن استحقاق المعاقين.. سنوات من المتابعة لمكتب الخدمة المدنية بصنعاء وهم يوعدون ويعتذرون.. والوعد في هذا الوطن أشبه بسراب الصحراء للضمآن.. فكم هم الوزراء الذين تم تغييرهم منذ تلك الفترة، وكم هي أعداد من تم توظيفهم منذ عام 2006 إلا وظيفتي العمالية ظلت متعسرة.