حين يصاب الإنسان بالعمى فلا يهم إن كان أمامه مجرد عيدان أو زهور جميلة فخطواته التائهة ستدوس بالتأكيد ما يواجهها بلا شعور بالذنب أو الأسى.. هذا ما صارت إليه حالنا في الفوضى الوجدانية و الإنسانية التي نعيشها بسبب تسلط الفكر المادي على كل تفاصيل يومياتنا.. كم أخذنا..؟ كم بقى..؟ كم نريد..؟ كم يريدون..؟ كم أعطى..؟ وكم وكم وكم.. وكأن المال هو كل شيء في الحياة !!! كأن كل شيء بهذا الكوكب قابل للبيع والشراء أو كما يقول الغرب المتسيد: every man has his price.. وبالتالي كل ما عليك هو البحث عن السعر المناسب لكن الكل قابل للشراء والبيع. بهذه المنهجية العمياء و الحمقاء أصبحنا ندوس كل جمال في الحياة سعيا نحو المال مع ان المال لم يجلب لشعوب الجوار سوى ويلات الترف و الفساد و المؤامرات.. لم يمنحهم محبة الآخرين.. ولا أعطاهم الذكاء أو حتى الصحة وما يفيدك ان تفرش موائد من طعام أمامك حين تكون معدتك مريضة مشتعلة بالداء لا تحتمل حتى الماء؟؟!!!! من هنا يجب ان نتوقف لنفهم ان الفرح له فقه خاص به.. فقه قائم على احترام قدرة الإنسان وعمله و إنجازه.. الفرح دوماً يكون بالنجاح في تحقيق قيم سامية كالتكافل والتعاطف وصلة الرحم والصدق والأمانة والأمان والتعاون والإبداع وغيرها من القيم التي تميز الإنسان عن الحيوانات المتخلفة و الهمجية. الفرح لا يكون بالجمال المتكبر ولا بالمنصب المحتال ولا بالملكية المغتصبة.. لا يمكن لتلك ان تكون أسبابا لفرح شخص راشد سوي.. ولتأكيد ذلك أراد الله لنا ان نفرح بعيدين فقط.. عيد الفطر وعيد الأضحى وهما احتفالية تأتي بعد إنجاز عبادات كبرى وشاقة في المجتمع المسلم.. إنها رسالة نهائية ان العيد لا يكون إلا بالفرح الناضج لشخصية سوية قادرة على التحكم بنفسها لتقديم إنجاز استثنائي تربوي أخلاقي لمن حولها... إذن دعونا نفرح بصلة أرحامنا حتى لو لم يكن لدينا ما نقدمه من المال أو الهدايا بل تكفي الكلمة الطيبة الصادقة والاحترام المشفوع بهدية رمزية ذات معنى للطرف الآخر. دعونا نفرح مع أطفالنا بأن نمدح جمالهم وروعتهم وإشراقهم أكثر من مدحنا لما يلبسون.. لنتوقف عن حماقة جذبنا للصغير لنعرف كم السعر ومن أين وكيف و كأنه تمثال عرض في محل لا إحساس له.. رفقاً بأطفالنا دعوهم بعيداً عن خزعبلات المادية.. أخبروهم أنهم رائعين ما داموا نظيفين و مبتسمين وبصحة جيدة. دعونا ننظم لهم مسابقات.. ألعاب مشتركة.. مباريات كرة قدم أو رماية أو مصارعة مقننة ومع جوائز رمزية وهتاف وتصفيق ستكون الأجواء احتفالية ولن يتفرقوا هنا وهناك ولن تغريهم المفرقعات أو الألعاب إلكترونية أو شرور الإنترنت. دعونا نخفف عن أمهاتنا وزوجاتنا ونحتفل على القليل الجميل الموجود ونتساعد على منصة المغسلة و ضواحي الفرن.. ما أحلاها من فرحة شيقة ان نتشارك الطبخ معاً ومعه التقدير والحب.. ضعوا الملفات العالقة و تصفيات الحسابات على جنب.. مش وقتها في العيد.. الكثير صار يخاف من العيد لكثرة التلاوم والعتاب وذلك من سوء التقدير لدى البعض.. العيد عيد يا جماعة.. لنعش الفرحة والتسامح و التعارف بلا التفات للماضي مهما كان.. وما أجمل العيد بدون طنان ولا ضبح ولا ساعة سليمانية !!!!! وما أجمل العيد بدون لهيب العيون والسعال و الدخان !!!!! وما أجمل العيد بدون تبختر أحمق لسلاح عليه البقاء بصندوقه ليكون في صدر عدو غادر مش في الطرقات الآمنة و الحالمة بمستقبل واثق....!!!!! وما أجمل العيد باحترام الأسرة الجالسة في الحديقة أو المتنزه وعدم مضايقتها.. تخيلها أسرتك !!!! وما أجمل العيد بسجود خاشع ان الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات !!!! وأي عيد سيكون بدون ان تكون أنت أجمل ما فيك ؟؟!!! أن تسامح نفسك.. ان تعتذر عما بدر منك.. ان تصنع من نفسك محسن كريم تتفقد المساكين في المستشفيات و اللاجئين في العراء. ان تأخذ الصغار معك وتزور غريبا أو عابر سبيل تقطعت به السبل لأهله وتوصل لهم شيئاً مما صنعتم بالبيت فهؤلاء يكونون في أشد الشوق لرائحة منزلية.. لشيء فيه دفء عائلة. وما أحلاه عيد مع الأيتام والأحداث أولئك الصغار الذين ابتلتهم المنون بمحن كبار وعظيمة و تخلى عنهم من كان يفترض بهم حمايتهم.. نواد للشباب فيها المرح و تجمعات للفتيات فيها البهجة و مجالس كبار للحكمة و الدفء.. أحضان وأحضان و أحضان حنان تروي عطش سنة من الوحدة و الغربة داخل كل واحد منا.. أجدك مشتاقا لهكذا عيد أليس كذلك ؟؟!!!!