عدن وتريم.. مدينتان بروح واحدة ومعاناة واحدة    عدن.. البنك المركزي يوقف ويسحب تراخيص منشآت وشركات صرافة    استمرار الحملات الميدانية لضبط الأسعار في مديريات العاصمة عدن تنفيذاً لتوجيهات المحافظ لملس    الشخصية الرياضية والإجتماعية "علوي بامزاحم" .. رئيسا للعروبة    بتوجيهات الرئيس الزُبيدي .. انتقالي العاصمة عدن يُڪرِّم أوائل طلبة الثانوية العامة في العاصمة    المعتقل السابق مانع سليمان يكشف عن تعذيب وانتهاكات جسيمة تعرض لها في سجون مأرب    تدشين مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء والمفقودين في الجعفرية    ابوعبيدة يوافق على ادخال طعام للاسرى الصهاينة بشروط!    2228 مستوطناً متطرفاً يقتحمون المسجد الأقصى    اجتماع يقر تسعيرة جديدة للخدمات الطبية ويوجه بتخفيض أسعار الأدوية    أبين.. انتشال عشرات الجثث لمهاجرين أفارقة قضوا غرقًا في البحر    اجتماع للجنتي الدفاع والأمن والخدمات مع ممثلي الجانب الحكومي    إصابة ميسي تربك حسابات إنتر ميامي    وفاة مواطن بصاعقة رعدية في مديرية بني قيس بحجة    الاتحاد الرياضي للشركات يناقش خطته وبرنامجه للفترة القادمة    من يومياتي في أمريكا .. تعلموا من هذا الإنسان    بدلا من التحقيق في الفساد الذي كشفته الوثائق .. إحالة موظفة في هيئة المواصفات بصنعاء إلى التحقيق    الهيئة العليا للأدوية تصدر تعميماً يلزم الشركات بخفض أسعار الدواء والمستلزمات الطبية    مونديال السباحة.. الجوادي يُتوّج بالذهبية الثانية    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    العسكرية الثانية بالمكلا تؤكد دعمها للحقوق المشروعة وتتوعد المخربين    اكتشاف مدينة غامضة تسبق الأهرامات بآلاف السنين    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    أمين عام الإصلاح يعزي عضو مجلس شورى الحزب صالح البيل في وفاة والده    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    مليشيا الحوثي الإرهابية تختطف نحو 17 مدنياً من أبناء محافظة البيضاء اليمنية    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    خيرة عليك اطلب الله    صحيفة أمريكية: اليمن فضح عجز القوى الغربية    الشيخ الجفري: قيادتنا الحكيمة تحقق نجاحات اقتصادية ملموسة    طعم وبلعناه وسلامتكم.. الخديعة الكبرى.. حقيقة نزول الصرف    شركات هائل سعيد حقد دفين على شعب الجنوب العربي والإصرار على تجويعه    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    لم يتغيّر منذ أكثر من أربعين عامًا    غزة في المحرقة.. من (تفاهة الشر) إلى وعي الإبادة    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    العنيد يعود من جديد لواجهة الإنتصارات عقب تخطي الرشيد بهدف نظيف    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    من أين لك هذا المال؟!    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاء اليمني.. طموحات لتعزيز منظومة العدل
نشر في الجمهورية يوم 06 - 09 - 2014

تولي الدول استقلالية القضاء أهمية قصوى للحصول على عدالة قائمة، وحكم رشيد يقودها الى تحقيق كافة تطلعات وطموحات شعوبها بحياة قائمة على النجاح والتقدم الدائم، وتأمينها وكفولية رفاهية عيشها، وتوفير كافة الشروط الحياتية للإنسان، وحماية حقوقه العامة والخاصة باعتبارها شروطاً مقدسة. وتعرف استقلالية القضاء بالعقيدة القائلة بأن القرارات القضائية يجب أن تكون حيادية وغير خاضعة لنفوذ الفروع الأخرى للحكومة (التنفيذية والتشريعية) أو لنفوذ المصالح الخاصة أو السياسية, الأمر ذاته الذي يقودنا إلى إعادة النظر في استقلالية السلطة القضائية في اليمن من خلال الاستطلاع التالي:
النظام القضائي في اليمن
يعتبر النظام القضائي في اليمن هو السلطة القضائية التي تنقسم إلى مستويات هي المحكمة الابتدائية ، محكمة الاستئناف ، المحكمة العليا , ومجلس القضاء الأعلى، وتنص المادة الثالثة من الدستور اليمني أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وعلى هذا الأساس تتم المناقشة و الجدال في المحاكم في البلاد، لكن ذلك لا يجنب الأحكام الصادرة من الأخطاء نظرًا لاختلافات تفسير القرآن والأحاديث النبوية .
وينص الدستور على أن القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وإدارياً، والنيابة العامة هيئة من هيئاته، وتتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم، والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شئون العدالة، ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم.
كما أن القضاء وحدة متكاملة، ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها، كما يحدد الشروط الواجب توفرها فيمن يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم، و الضمانات الأخرى الخاصة بهم، ولا يجوز إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال.
قضاء يفتقر للاستقلالية
ذهب الكثير من الخبراء القانونيين والمهتمين بالشأن القضائي إلى القول إن القضاء اليمني يفتقر للاستقلالية، فغالبًا ما يكون هنالك تدخل وسيطرة من قبل السلطة التنفيذية , حيث إن هناك تقريبًا 80 فقرة من قانون السلطة القضائية تتعارض مع الدستور وشروطه، فيما يتعلق باستقلالية القضاء، إذ تقول المادة 149 "القضاة مستقلون وغير خاضعين لأي سلطة، باستثناء القانون، ولا يمكن لأي أجهزة أخرى التدخل بأي طريقة كانت في شئون وإجراءات القضاء، ويمثل أي تدخل كهذا جريمة يعاقب عليها القانون، كما أن قانون العقوبات يجرم التأثير على القضاة، ويحرم بالتحديد تدخل أي "شخص مدني أو شخصية نافذة" في شئون القاضي. ورغم وجود هذه الشروط القوية والصارمة، إلا أن الوضع في الواقع يختلف بشكل صارخ، حيث يخضع القضاء سياسيًا وبيروقراطيًا للسلطة التنفيذية.
وفضلا عن ذلك تواجه السلطة القضائية في اليمن تحديات مختلفة في مقدمتها ما يتعرض له رجال القضاء من اختطافات واعتداءات نتيجة القصور في الحماية الأمنية لهم، حيث بلغت حالات الاعتداء على القضاة 48 حالة اعتداء منذ بداية العام الحالي بحسب بيان صادر مؤخرا عن نادي قضاة اليمن، الذي ينفذ إضرابات متواصلة منذ ثلاثة أشهر للمطالبة بحقوق للقضاة أهمها الاستقلالية والحماية الكافة لأعضاء السلك القضائي. ورغم كل تلك التحديات إلا أنها لم تعف رجال القضاء من ضرورة تجسيد الاستقلالية في أنفسهم وتطبيق القانون ذاتيا دون انتظار الفعل الحكومي .
الحياد عنصر معزز للاستقلال
وفي هذا السياق يوضح رئيس نقابة المحامين اليمنيين الأخ عبدالله راجح أن استقلالية القضاء تتمثل في أهم عنصر في العملية القضائية، وهو عنصر الحياد الذي يفتقده القضاء الآن، ويؤكد أن افتقاد القاضي للحياد يعني افتقاده لمهنته كقاض ويعتبر غير صالح للحكم .
ويرجع راجح تراجع استقلالية القضاء في اليمن إلى التحيز والاندفاع واستعراض العضلات حد قوله من بعض القضاة، بالاضافة إلى اختراق السياسة للقضاء واستقطاباتها المختلفة، وكذا آلية اختيار القضاة التي تتم بحسب المحاصصة ولا تعتمد على الكفاءة والنزاهة, مطالبا رئيس الجمهورية والحكومة والجهات المسئولة بضرورة إعادة الاعتبار لسيادة القانون واستقلالية القضاء، داعيا القضاة إلى احترام سيادة القانون من خلال احترام علاقتهم التي يجب أن تبنى على أساس الشراكة مع المحامين .
غياب في الواقع
من جانبه المحامي نجيب عبداللاه علوان يوضح: القانون والدستور كفلا حق استقلال القضاء لكن تنفيذ ذلك على أرض الواقع لم يتم, مستعرضا مواد الدستور في العام 1990 وتعديلاته عامي 94 و 2001 , والتي عززت أهمية استقلالية القضاء، فضلا عن مخرجات الحوار الوطني التي أكدت هي الأخرى ضرورة هذا الحق وحمايته وتنفيذه .
وقال إن الاستقلالية الحقيقة للقضاء تكمن في ذات القاضي , أما الدولة فقد كفلت فصل السلطات الثلاث عن بعضها والمتمثلة بالتشريعية والتنفيذية والقضائية، مبينا أن عسكرة القضاء من أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع الاستقلالية، وعدم تفعيل قوانين التفتيش القضائي، ومعبرا عن أمله بعودة الاستقلالية للقضاء من خلال الايمان الشخصي للقاضي بضرورة ذلك وعكسه على الواقع من خلال الحكم على القضايا على نحو نزيه وعادل.
ثقة منعدمة
أما المحامي محمد حسين عمر الحبابي عضو مجلس نقابة المحامين فرع صنعاء فيؤكد أن القانون كفل استقلالية القضاء لكن تنفيذه واقعيا منعدم ولا توجد استقلالية للقضاء اليمني حاليا, ويرى أن الاستقلال القائم الآن بحاجة إلى إعادة النظر في مفهومه فهو يتعلق بالحكم وعدم التدخل في عقيدة القاضي, وعدم التأثير عليها أثناء الحكم وليس كما يفهمه البعض أن الاستقلالية ماديًا وإداريًا فحسب.
وأردف " الشخص الذي لا يحكم بعدالة عليه ان يستقيل، وعلى المجتمع أن يمتلك ثقافة من خلال عدالة القضاء تمكنه من المساهمة في الدفاع عنه، لكن قبل ذلك يجب على القاضي أن يخلق ثقة مع المجتمع من خلال عدالة حكمه القضائي وقوة دفاعه عن الحقيقة والحقوق كافة , وخير دليل على عدم استقلالية القضاء في بلادنا هو عدم تعاطف شرائح كثيرة من المجتمع اليمني مع مطالب القضاة وعدم مباركتهم لاحتجاجاتهم القائمة .
وكشف عن هوة بين المحامين والقضاة نتيجة مخالفة قوانين العلاقة المتعارف عليها بين الطرفين والتي تؤكد ان المحامي رديف للقاضي, إذ يوضح له ما غاب عنه ويساعده في تبيين الحقائق, ويرجع ذلك أيضا إلى تحريضات بعض مدرسي القضاء للطلاب في المعاهد القضائية ضد المحامين، ورسم صورة مشوهة عن حقيقة المحامين، مشيراً إلى مساع قائمة لتغيير تلك الصورة في أذهان الجميع للوصول إلى عمل قضائي مكتمل يلبي طموحات الناس بقضاء عادل ونزيه .
وأكد رفضه للمعايير القائمة على اختيار القضاة وبين أنها تعتمد على الوساطات والمحسوبيات دون الالتزام بالمعايير المطبقة في الكثير من الدول التي حققت نجاحا في السلك القضائي والتي تعتمد على دقة الاختيار والمعايير الخاصة .
ويعزز المحامي أحمد محسن العصيمي قناعة الحبابي بعدم استقلالية القضاء في الوقت الحاضر, لكنه يؤكد أن الحزبية من أهم الاسباب وراء ذلك ويطالب بعدم تحزب أعضاء القضاء حتى لا يتحولوا إلى مدافعين عن قناعات ومصالح أحزابهم لا مصالح الناس وعدالة القضاء .
ويرى المحامي عبدالرزاق العبوس القضاء في بلادنا مستقلا في النصوص القانونية لكن في الواقع غير ذلك، ويطالب بتفعيل تلك النصوص والالتزام بها كما على القضاة أن يطالبوا بضرورة استقلال القضاء والبدء بتنفيذ نصوص القانون من خلال الالتزام بها وعكسها على واقع القضاء في البلاد , ويطالب أيضا بتغيير آليات اختيار القضاة في المعهد العالي للقضاء، مؤكدا ضرورة أن يتم اختيار القاضي وفق خصائص معينة تناسب العمل القضائي وليس وفقا للمتقدمين للعمل في مجال القضاء .
واعتبر أن الحاصل الآن في اختيار القضاة قائم على طلب المتقدم حيث يأتي خريج من كلية الشريعة والقانون وينجح في تجاوز سنوات الدراسة الثلاث في المعهد العالي للقضاء ليجد نفسه في منصة القضاء دون مراعاة القائمين لسلوكه الشخصي ومدى احترامه لقوانين القضاء والتزامه بمبادئ العمل القضائي .
ويرى أن يضع القائمين على اختيار القضاة شرطا زمنيا على القضاة الجدد تتمثل في امتلاكه خبرة محاماة مثلا لا تقل عن سنوات يحددها القائمون، كي تكسب القضاة معرفة كاملة بعملهم ومهامهم، وتمكنهم من البت في قضايا الناس ومشاكلهم بعدالة غير منقوصة .
تشويه
إلى ذلك يقول المحامي ناصر عباد الماوري إن الدستور نص على أن السلطة القضائية سلطة مستقلة ولا سلطان عليها لكن القضاة والجهات والأحزاب والأشخاص النافذين أثروا على استقلالية القضاء وبعض القضاة يبحثون عمن يمنحهم منصبا في القضاء وبعد حصولهم على ذلك من الطبيعي أن يظلوا مملوكين للمانحين .
واستبعد صعوبة تحقيق استقلالية القضاء وقال " إن القاضي يمكن أن يحقق ذلك بمفرده من خلال الإيمان بالعدالة وحقوق الآخرين، وكثير من القضاة برهنوا استقلالية القضاء في نفوسهم وفي أحكامهم، وهنا نؤكد أن الاستقلالية يجب أن تأتي من القضاة أنفسهم بعيدًا عن التذرع بأي معوقات أمنية , فالقضاة في الحروب العالمية الأولى والثانية كانوا يمارسون مهامهم بكامل النزاهة والعدالة وهم تحت رحمة النيران والموت" .
واختتم " الكثير من القضاة شوهوا سمعة القضاء وعليهم أن يقيموا أداءهم ويكونوا عند المسئولية الملقاة على عواتقهم ".
ويجزم المحامي فضل محمد الجعبي أن مشكلة استقلالية القضاء في اليمن تكمن بداخل القضاء نفسه حيث إنه مخترق من العسكر والمخبرين والمتحزبين – حد قوله .
ويقول الجعبي " يجب تحرير أعضاء السلطة القضائية من كل تلك المشاكل حتى يحصلوا على حقهم في الاستقلالية , كما أنه على القاضي أن يأخذ استقلاليته من منصة الحكم من خلال حكمه النزيه وتحمله المسئولية والالتزامات تجاه أخلاق وشرف مهنة القضاء" .
ويختتم " لن تتحقق استقلالية القضاء إلا من خلال نضال حقيقي تجاه الحق العام وليس الخاص, ويجب على القاضي أن يخلع عن نفسه رداء التبعية للأحزاب والجهات والأشخاص , كما يجب على كافة هذه الجهات الكف عن التدخل في الشأن القضائي ومجرى العدالة والنزاهة القضائية".
أسباب رئيسية
وأبرز المحامي محمد قايد الصايدي أسبابًا موضوعية وشخصية منعت القضاء من الحصول على حقه الكامل في الاستقلالية في النقاط التالية:
الأسباب الموضوعية : إن السلطة التنفيذية هي من تقوم بتشكيل السلطة القضائية المتمثلة بمجلس القضاء الأعلى وتعيين أعضائه وكذلك تعيين أعضاء السلطة القضائية , حيث إن رئيس مجلس القضاء الأعلى يتم تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً لما نصت عليه المادة (104) مكرر في التعديلات السابقة والأخيرة, كما أن رئيس المحكمة العليا والنائب العام واللذان هما أعضاء في مجلس القضاء الأعلى يتم تعيينهما في مناصبهما القضائية بقرارات جمهورية , كما أن رئيس هيئة التفتيش القضائي يتم أيضا تعيينه في منصبه بقرار جمهوري وأيضاً الأعضاء الثلاثة الآخرون يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً لنص المادة (104) من قانون السلطة القضائية بعد التعديلات السابقة والأخيرة .
- إن بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى هم من موظفي السلطة التنفيذية أثناء توليهم لمنصب عضوية مجلس القضاء الأعلى ولا يعتبرون من السلطة القضائية, حيث إن وزير العدل يعتبر من أعضاء الحكومة (السلطة التنفيذية), كما أن رئيس هيئة التفتيش القضائي هو أيضاً من موظفي السلطة التنفيذية بموجب ندبه لتولي منصب رئيس التفتيش كون هيئة التفتيش القضائي تتبع إداريا ومالياً لوزارة العدل وإحدى هيئاتها ولا تعتبر من هيئات السلطة القضائية.
- إن مجلس القضاء الأعلى ذو اختصاص شكلي ومحدود ومقيد, وفقاً لما نص عليه الدستور بعد التعديل ووفقاً لما ينص عليه قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م المعدل بالقانون رقم 15 لسنة 2006م , حيث إنه لا يتولى الإدارة الكاملة للسلطة القضائية باستقلالية تامة , فلا يتولى تشكيل الجهات القضائية, ولا يتولى إدارة شئون القضاء كسلطة مستقلة استقلالا فعليا مالياً وقضائيا وإدارياً, ولا يقوم بالتفتيش والرقابة على أعمال القضاة في المحاكم, حيث إنه لا يقوم باصدار قرارات تشكيل الجهات القضائية والقرارات المتعلقة بالشئون الوظيفية والإدارية والمالية لأعضاء السلطة القضائية وقرارات التعيين في السلطة القضائية بعد التخرج من المعهد العالي للقضاء, والقرارات المتعلقة بنقل وتعيين وترقية القضاة في محاكم الاستئناف والمحكمة العليا والنائب العام والمحامين العموميين ورؤساء النيابات وأعضاء نيابات الاستئناف ولا يقوم بالتفتيش والمراقبة على أعمال القضاة وتقييم مستوى أدائهم , فمجلس القضاء الأعلى لا يعتبر على الواقع التشريعي والفعلي ممثل السلطة القضائية والجهة الإدارية العليا للسلطة القضائية، وإنما هو للأسف الشديد مجرد جهة إدارية تابعة إداراياً ومالياً للسلطة التنفيذية, ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل, وجميع القرارات الهامة الأساسية المتعلقة بتشكيل الجهات القضائية وإدارة شئون السلطة القضائية قضائيا ومالياً وإدارياً تصدر من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل, ولا يمتلك مجلس القضاء الأعلى سوى الموافقة عليها حال عرضها عليه.
- إن القرارات التي يصدرها مجلس القضاء الأعلى ليست قرارات نهائية وإنما هي قرارات تمهيدية تخضع للتعديل والرفض من قبل السلطة القضائية, وليس لها أي حجية على الواقع إلا بعد قبولها من السلطة التنفيذية وإصدار القرارات الجمهورية فيها.
- إن العمل القضائي في اليمني يعتبر وظيفة وليس سلطة , وقد نصت على ذلك المواد (57, 58, 82, 85) من قانون السلطة القضائية, ولهذا فقد ظل القضاء بهيكله وتكويناته وأعضائه جزءا من السلطة التنفيذية ولم يتحقق له أي استقلال فعلي على الواقع, فلا زال أعضاء السلطة القضائية تابعين إدارياً ومالياً للسلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العدل ووزارة المالية ورئاسة الوزراء ومكتب الرئاسة.
وأضاف :الأسباب شخصية :
- إن أغلب القضاة وأعضاء النيابة العامة إن لم نقل جميعهم ينتمون إلى أحزاب سياسية .
- إن بعض القضاة ينتمون إلى بعض الجماعات الدينية سواء السياسية منها أو المذهبية ، وهذا بلا شك أحد الأسباب التي يترتب عنها عدم استقلال القاضي, وعدم وحدة القضاة كسلطة واحدة.
- وجود العديد من صور التدخل الفعلي المباشر أو الغير مباشر في مهام واختصاصات القضاة سواء من قبل بعض أعضاء السلطة التشريعية والمشائخ والأعيان أو من قبل بعض القيادات العسكرية وأعضاء السلطة التنفيذية كالوزراء ووكلائهم والمحافظين ووكلاء المحافظات أو مدراء أمن المحافظات أو رؤساء وأمناء عموم المجالس المحلية في الدوائر التي تقع فيها المحاكم, ويكون التدخل إما بشكل مكشوف وواضح من خلال إصدار التوجيهات والأوامر إلى القضاة بخصوص القضايا المطروحة أمامهم, أو إصدار التقارير في القضايا المطروحة أمام القضاء, أو التدخل بشكل خفي وسري من خلال تحرير رسائل شخصية أو التوصيات إلى القاضي بخصوص قضية مطروحة أمامه, أو بالزيارات الودية للقاضي في المحكمة أو في منزله أو المقيل معه أو باتصال هاتفي, مما يترتب عليه الحد من استقلال القضاء والتأثير على سير العدالة وعلى ممارسة القضاة لمهامهم بحياد كامل, بل إن بعض من أعضاء البرلمان ومن المشايخ والوجهاء ومن أمناء المجالس المحلية يمارسون أساليب الترهيب والتحريض في حالة رفض القاضي تنفيذ توجيهاتهم وأوامرهم وتوصياتهم.
القانون لا يزال مخالفاً
القاضي يحيى محمد الماوري، قال: الحقيقة أن استقلال القضاء اليمني بالمعنى الدستوري والعلمي لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار دولة مؤسسات يأخذ القضاء فيها مكانته الدستورية كسلطة ومؤسسة من مؤسسات الدولة الثلاث, كما أن هذا الاستقلال لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال توازن السلطات الذي يمنع أي سلطة من التغول في الأخرى أو التدخل في اختصاصها .
إذا فالقضاء اليوم لا يعدو كونه إدارة أو فرعاً من فروع السلطة التنفيذية حيث يخضع لها من خلال وزارة المالية في كل حقوق القضاء وميزانيته ومن خلال رئاسة الوزراء في كل ما يتعلق بالحقوق المالية والإدارية كاملة مثل العلاوات والترقيات التي لا يمكن تنفيذها إلا بقرار من رئاسة الوزارء , أما من الناحية النظرية فقد نصت المادة 94 على استقلال القضاء ماليًا وإدارياً وأن تدرج ميزانية السلطة القضائية رقمًا واحدًا في الميزانية العامة أسوة بميزانية السلطة التشريعية، لكن قانون السلطة القضائية لا يزال مخالفاً للنص الدستوري ولم يتم الإصلاح القانوني وفقًا للدستور حتى الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.