الحصبة مرض قديم منذ الأزل، لم يكن معروفاً على مر العصور الغابرة حتى تمكن الطبيب العربي الرازي من معرفة هذا المرض في بغداد سنة 900م . وهو مرض فيروسي شديد العدوى، حاد وواسع الانتشار وخاصةً في سن الطفولة، وهو أيضاً يصيب بعض الكبار بشكلٍ محدود ممن لم يسبق إصابتهم بالمرض. مدة حضانة هذا المرض قد تمتد إلى أسبوعين لتبدأ بعدها أعراض الإصابة المتمثلة في: ارتفاع درجة حرارة الجسم مع نزلةً أنفية, واحتقان العين والغشاء المخاطي المبطن للمسالك التنفسية العليا. وتشمل الأعراض الأولى للإصابة: تدمع العينين، إفراز مائي من الأنف، العطس المتكرر، السعال, وبعد ثلاثة أو أربعة أيام يظهر طفح على الجبهة أو خلف الأذنين أو على الخدين؛ يمتد إلى الرقبة, فبقية سطح الجسم في ظرف يومين أو ثلاثة أيام. وهذا الطفح الجلدي- بطبيعة الحال- يتكون من أعدادٍ كبيرة من النقط ذات اللون الأحمر تتجمع في مجموعات على شكل أهلةٍ صغيرة، لكن الطفح يختفي بالتدريج بعد خمسة أيام تاركاً قشراً خفيفاً. إن عدوى الإصابة بالحصبة-عادةً- تتم بواسطة الرذاذ المتطاير أو المتناثر من فم أو أنف المصاب لاحتوائه على الفيروس، حيث أن المريض بالحصبة هو المصدر الوحيد للعدوى. ولأن الدور الرشحي يشكل أخطر الأدوار وأهمها في نشر العدوى، فهذا يوجب- بالضرورة- منع الأطفال وأفراد العائلة من الاختلاط بالمصاب بهذا المرض، مما يستدعي عزله في غرفة نظيفة جيدة التهوية لعدة أيام حتى يتماثل للشفاء والاهتمام بنظافة فمه وأنفه وعينيه والعناية الجيدة به من خلال إعطائه دواء خافضاً للحرارة وإعطائه سوائل بكثرة وأغذية مفيدة غنية بالفيتامينات لاسيما تلك التي تحتوي على فيتامين« أ »، لما لها من أهمية في تجنب مضاعفات الحصبة إلى حدٍ كبير، ولكن إذا ما اشتدت أعراض الإصابة فلا محالة من عرض المصاب على الطبيب حتى لا يتعرض لأي مضاعفات قد تشكل تهديداً لحياته، وليحصُل بذلك على المعالجة اللازمة حتى يتماثل للشفاء..لاشك أن الحصبة في الحالات الوخيمة مرض قاتل بامتياز، وليست تسبب الوفاة بشكل مباشر، إنما حدة أعراضها هي التي تؤدي إلى إضعاف مستوى المناعة نتيجة تدني مخزون فيتامين “ أ “ في الجسم والذي يشكل عنصراً أساسياً لتدعيم جهاز المناعة في الجسد، الأمر الذي يترتب عليه نشوء عدوى ثانوية تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل الإصابة بالتهاب الرئة, والتهاب الأذن الوسطى أو التهاب سحايا الدماغ الفيروسي والإسهال الحاد المفضي للجفاف. لذلك، فالمصابون بسوء التغذية ومن لا يرضعون بشكلٍ جيد من أمهاتهم وغير المحصنين باللقاح المضاد للحصبة، هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض ومضاعفاته الخطيرة. علماً بأن الحصبة تكون طفيفة الأعراض إذا أصيب بها طفل عمره أقل من تسعة أشهر، شريطة أن يكون بحالة مناعية أفضل ولا يعاني من سوء تغذية. ومعنى أن يكون الطفل بحالة مناعية أفضل: أنه قد رضع من أمه رضاعة طبيعية خالصة دون أي إضافات غذائية طوال الستة الأشهر الأولى من عمره، فحصل بذلك على مناعة مؤقتة من لبن الأم ضد مرض الحصبة، لكنها تقل بعد ذلك تدريجياً لتصل إلى مستوى متدني بعد الشهر التاسع من العمر، وهي الفترة التي يجب أن يحصل فيها الطفل على الجرعة الأولى من اللقاح المضاد لهذا المرض بالمرفق الصحي، ثم تعزز لتحقق مناعة أعلى ضد الحصبة بجرعة ثانية عند بلوغ الطفل عاماً ونصفاً من العمر. وأياً من جرعتي الحصبة يقترن كلٌ منها - بحسب جدول التحصين الروتيني الاعتيادي- بجرعة من فيتامين« أ » مع جرعة تنشيطية من لقاح شلل الأطفال. بالإضافة إلى الجرعة التنشيطية الوقائية في حملات التحصين الوطنية، والتي تُعطى للمستهدفين من الأطفال من عمر تسعة أشهر فما فوق، بغض النظر عن الجرعات التي تلقوها في السابق، بمن فيهم جميع من أصيبوا بالحصبة سابقاً، في حين لا يُعطى اللقاح للنساء الحوامل ولا لمن هم دون سن تسعة أشهر. وبانضمام اللقاح الثنائي المضاد لمرضي الحصبة والحصبة الألمانية إلى جدول التحصين الروتيني للمرة الأولى في تاريخ اليمن، بدأ يتحقق الحلم الذي ظل طويلاً بعيد المنال بسبب كلفته الباهظة، وهذا - بدوره- إنجاز كبير يضاف إلى رصيد وزارة الصحة وقيادتها وكذلك شركائها الداعمين في مقدمتهم حلف اللقاح العالمي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسف. إنها خطوة صحية نوعية جديرة بالتقدير وإسداء الشكر لكل من ساهم فيها باتجاه تعزيز مناعة الأطفال أكثر وأكثر ضد كلا المرضين المنتميين إلى عائلة فيروسية واحدة، والمتشابهين في الأعراض الطفيفة، لكنهما مختلفين بشكل جلي من حيث المضاعفات. وفيما الحصبة المعروفة أشد وأكثر فتكاً، تبرز ضراوة الحصبة الألمانية - أيضاً- بطابعها المميت، فهي تفتك بالأجنة والمواليد ممن ينتمون لأمهاتٍ أصبن خلال حملهن بهذا المرض، كونه يتمتع بقدرة كبيرة على الانتقال من الأم المصابة إلى الجنين من خلال الحبل السري بنسبة تصل إلى(90 %) من الحالات، مما يؤدي إلى إجهاض الحمل وموت الجنين، أو التسبب بإعاقة تضعف أو تفقد الطفل حاسة السمع أو البصر، أو تفضي إلى حدوث تشوهات في القلب قد تكون مميتة. علاوة على أن الحصبة الألمانية في عداد الأسباب المؤدية إلى مرض (التوحد) أو ما يسمى بالتخلف العقلي، وإلى الإصابة بمرض السكري واعتلالات في الغدة الدرقية. وعلى المحك، يدشن اللقاح الثنائي الجديد مع انطلاقة أول يوم للحملة الوطنية للتحصين ضد مرضي الحصبة والحصبة الألمانية في عموم محافظات الجمهورية والتي تستهدف بهذا اللقاح الثنائي الجديد جميع الأطفال والمراهقين من عمر( 9أشهر-15 عاماً) بمن فيهم جميع من طعموا ضد الحصبة سابقاً وحتى الذين أصيبوا بها من قبل وذلك في الفترة من (9 - 18نوفمبر الجاري)، حيث لا يستثنى من هذا اللقاح الثنائي سوى الحوامل والأطفال دون سن تسعة أشهر. وفي الوقت ذاته، يواكب الحملة الوطنية تطعيم جميع الأطفال دون سن الخامسة باللقاح الفموي المضاد لفيروس شلل الأطفال، حيث تتكفل بمهمة التحصين المرافق الصحية والمدارس بالإضافة إلى فرق التطعيم المتنقلة والتي تتخذ مقار مؤقتة لتؤدي عملها طيلة فترة الحملة كالمساجد أو منزل عاقل الحارة أو الشيخ أو أي مكان يعد مناسباً للمستهدفين بما يوفر عليهم وعلى آبائهم أو القائمين على رعايتهم العناء والمشقة في قطع المسافات طويلة من أجل نيل حقهم في التحصين بكل سهولة ويسر. فرصة هي إذن- لا ينبغي تفويتها تحت أي عذرٍ أو مبرر، والمستهدفين فيها من الأطفال والمراهقين -عموماً- يشكلون نصف سكان اليمن تقريباً على امتداده الواسع من أقصاه إلى أقصاه. • المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني بوزارة الصحة العامة والسكان