يعوّل المتفائلون خيراً بالحكومة الحالية كونها جاءت بناءً على اتفاق السلم والشراكة، وفيها خبرات بشرية مشهود لها علمياً وعملياً في مجالها، كما أنها تدرك حقيقة الاحتياجات العاجلة والمهمة للشعب اليمني، وهي بالمقابل قد ورثت هموماً ومشكلات عدة نتيجة ما أفرزته أحداث 2011م، وما بعد ذلك من تراجع تنموي وأخلاقي، وممارسات حكومية خاطئة في سنوات أربع عجاف، ولهذا وضعت الحكومة الحالية ثلاث أولويات أو ضرورات لبرنامجها القادم، وهي: الاقتصاد والأمن والتعليم. وقد بدأت خطوات برنامجها بتسمية 2015م عاماً للتعليم! وهو هدف نبيل، وأولوية مهمة تنهض بالإنسان والتنمية، ولكن قبل ذلك هناك تساؤلات وملاحظات واقعية نضعها بين يدي الحكومة والقيادات التعليمية نرى أن معالجتها ضرورة ملحة وفقاً لفقه الأولويات، وبها يكون شعار عام التعليم واقعاً ملموساً. وإن كانت ضرورات الواقع، ومشكلات التعليم، واحتياجات الشعب اليمني، تقوم في الأصل على الاقتصاد باعتباره عمود التنمية، فهو الأساس الذي منه يبدأ البناء، وترتيب أولويات الحكومة ينبغي أن يُبدأ به مع الأمن ثم يأتي التعليم بعدهما، ويؤكد ذلك قوله تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) (قريش :3-4)، فالناس جميعاً يبحثون عن تحسين مستوى معيشتهم، وعن الاستقرار والأمن، وتأمين ذلك سيؤدي بالضرورة إلى عودة الحياة لطبيعتها في الريف والحضر، وستعود الأعمال التنموية إلى سابق عهدها، وهو ما سينعكس إيجاباً على العملية التعليمية. وشعار عام التعليم 2015م يضع أمام القيادات التعليمية في الوزارات الثلاث “التربية والتعليم، والتعليم الفني والتدريب المهني، والتعليم العالي” تساؤلات عدة منها: - هل اعتمدت التسويات المالية المختلفة للعناصر البشرية في وزاراتكم؟! حتى يمكنها المشاركة بفاعلية في تطوير العملية التعليمية! أم أنها لازالت حبيسة التسويف والمماطلة؟ - هل هناك خطوات عملية تنفيذية لتجسير العلاقة بين الوزارات الثلاث على المستوى البشري والمادي والتنموي؟ - هل هناك خطوات فعلية لإعادة هيكلة الوزارات الثلاث بحيث تستوعب التطورات والمتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية في الكم والكيف؟ - هل هناك إجراءات تنفيذية للاستفادة من الكفاءات البشرية “حملة المؤهلات العليا ماجستير ودكتوراه” لتطوير البيئة التعليمية والتنموية؟، وتحسين وضعهم المالي والمعنوي أسوة بزملائهم في الجامعات اليمنية والمراكز البحثية؟! - هل أُنشئت مراكز بحثية تستفيد من حملة المؤهلات العليا في تطوير البيئة التعليمية، وخدمة المجتمع، والبحث العلمي؟. هذه التساؤلات وغيرها مرتبطة بشكل رئيس بالجانب الاقتصادي، فإذا ما توفر المال، وخلصت النوايا، وتطورت القناعات بأهمية وجدوى الاستثمار في العملية التعليمية بكل عناصرها ومكوناتها، وتم التنفيذ فعلياً، فستختفي مظاهر الضعف والتسرّب والتخلّف والإحباط. فلماذا توضع العربة قبل الحصان؟! ولماذا التعليم قبل الاقتصاد؟! الاهتمام ليس مجرد شعار يُرفع، أو كلمات وندوات ومحاضرات ومهرجانات ينفذها المؤيدون والمناصرون! بل هي إجراءات عملية مخططة ومتطوّرة على المدى القريب والبعيد وفق إمكانات مادية وبشرية تراعي ظروف وثقافة المجتمع اليمني، وتضمن لها الاستمرارية، دون الإخلال بأحد عناصر التعليم أو مدخلاته لأنه حتماً سيؤثر سلباً على النتائج والمخرجات. والمشهد اليوم لا يخفى على أحد فهو يتسم بضعف الاقتصاد، وفقدان الأمن، وإهدار للحقوق، وإهمال وإقصاء للكفاءات، وقلة في الرواتب، وعقم في الرؤى، وتسرب من التعليم، وروتين ممل، وقلة التدوير الوظيفي، وغياب المسار الوظيفي، وبقاء الأدوات الإدارية التقليدية، وفساد مالي، وقلة في النفقات، وتدهور في مكونات العملية التعليمية، وغياب للحرية والإبداع، ومناهج تعليمية معقدة ، وبقاء للمؤهلات غير التربوية دون إعادة تأهيل تربوي، وغياب واضح لدور الأسرة والمسجد والمجتمع في التربية والتعليم، وغياب للقيم والقدوة الحسنة، وغياب المكافآت والحوافز للتربويين، وإفراغ المدرسة من دورها التنويري، وضعف للشراكة المجتمعية مع القطاع الخاص، كل ذلك أثّر بصورة مباشرة على ضعف مخرجات العملية التعليمية. ومن صور الضعف والاختلالات الموجودة نبدأ مثلاً مع المعلم، فهو روح وفكر ومشاعر، إنسان مطلوب منه أن يبدع ويجتهد ويتطور، وهو مكبّل بإجراءات ولوائح وقرارات ونصاب وقلة إمكانات، ومكتوب عليه أن يظل عمره الوظيفي كله معلماً، وكلما حاول أن يصعد من بحر التدريس إلى وظيفة أخرى كالتوجيه والإشراف والإدارة بعد رحلة طويلة من العمل والتأهيل أُعيد ثانية للتدريس! لا تطور وظيفي في هذه المهنة، ولا مسار وظيفي واضح لها، ولا إجراءات شفافة للترقي! معلمون في الميدان لم يعودوا قادرين على العطاء فيها لأنها مهنة قائمة على الفكر والقدرة والرغبة لمدة محددة، ولهذا تحتاج هذه المهنة إلى بطاقة تأهيل دوري بموجب اختبارات ومقابلات مهنية بالتنسيق مع كليات التربية في الجامعات اليمنية، ويحدد بموجبها نوع المهنة المناسبة والمدة والمستوى.. وهناك مشاريع تربوية تطويرية تعرض أفكارها، وتبدأ خطواتها الأولى بالتنفيذ ثم لا تلبث أن تجمد أو يُستعان بتنفيذها بعناصر من خارج التربية والتعليم رغم توفرها كمشروع الجودة والاعتماد المدرسي، الذي لاتزال قرارات فرق الجودة حبيسة وزارة التربية والتعليم! أما كليات المجتمع التابعة لوزارة التعليم الفني والتدريب المهني فماذا عنها؟ وما دورها في استقطاب الكفاءات التربوية المؤهلة؟! وما دورها في المساهمة بعمليات التنمية؟! وهل هناك تواصل علمي وأكاديمي مع الجامعات اليمنية؟! هي بحاجة للتطوير والترويج.. والتعليم العالي وبخاصة الجامعات اليمنية فلا تزال أسوارها عالية، وأبوابها مغلقة أمام تخصصات تربوية لا تتاح لها فرص العمل الأكاديمي؟! ويبقى الاحتياج مرهون بأشخاص!! وليس وفق خطط خاضعة للتوسع والتنافس والتطوير!! أو إجراءات حقيقية لاستقطاب الكفاءات البشرية من خريجي الدراسات العليا واستيعابهم في مراكزها البحثية وفروعها ودوائرها وإداراتها وأنشطتها وخططها العديدة، فلا زالت كما هي ثابتة والعالم من حولها يتغير ويتطور!! كما أنه لا توجد شراكة حقيقية مع مؤسسات التعليم الأخرى!! هذا الواقع التعليمي، والملاحظات الحالية وغيرها، ذات آثار سلبية على البيئة التعليمية خاصة والتنموية عامة، وهي بحاجة إلى معالجة جذرية مستمرة، لتتحول إلى إيجابيات ونقاط قوة، وهذه المعالجة تحتاج إلى قناعة بأهمية التغيير والتطوير، وإلى قرارات تنفيذية شفافة، وجهود رسمية وشعبية، وكوادر متخصصة وعامة، وإلى إمكانات مادية وبشرية، وخطط استراتيجية وتنفيذية مزمنة، ورقابة وتقويم على التنفيذ، وقوام ذلك كله يعتمد على اقتصاد قوي، وأمن متوفر، ووضع عام مستقر، فنتمنى من الجهات الرسمية ذات العلاقة أن يصلها مضمون هذا الموضوع، لنرى ثمار التطوير حقيقة ملموسة، والله من وراء القصد. • دكتوراه في الإدارة والتنمية الإنسانية. [email protected]