بين يديك عزيزي القارئ وجبات إدارية خفيفة يمكنك تناولها أثناء دوامك أو استراحتك أو حتى في منزلك، فهي لن تأخذ منك أكثر من دقائق معدودة، لكني آمل من الله أن تحدث لك فرقاً في حياتك المهنية والخاصة، جمعت فيها ما يفيد المدير والموظف ويعينهم على تحقيق أهدافهم الوظيفية، وبالتالي يعزز نجاح المؤسسة وتطورها. نبدأ سلسلة وجباتنا الإدارية بالركن الأساسي لتسيير عمل أي مؤسسة ألا وهو «فريق العمل»؛ فبناء وإدارة فريق عمل ناجح وفعال هي من أهم مهام المدير، ولا نبالغ حين نقول: إن بناء ناطحات السحاب ربما يكون أسهل بكثير من إدارة الأفراد؛ لأن التعامل مع البشر أمر شديد الحساسية والخطورة، ويحتاج إلى مهارة وفطنة كبيرتين، ولن نتحدث هنا من منظور أكاديمي بحت إنما هي همسات ولفتات إنسانية نضعها بين يدي كل مدير تحمّل مسؤولية عدد من الموظفين تحت إدارته ومسؤوليته. الهمسة الأولى: أشعرهم باهتمامك. عندما يشعر الموظف بالاهتمام الحقيقي بمشاكله وقضاياه وعملك الجاد على مساعدته في حلها، حينها سيفاجئك بتفانيه والارتفاع الملحوظ بهمته وسيعمل جاهداً على تلبية ما تكلفه به من مهام، إننا نتعامل مع بشر وليس آلات، وكل الناس لديهم مشاعر وطموحات بأن يكونوا موضع تقدير ومحبة مهما كانت أعمارهم أو مكانتهم الاجتماعية، وهذا ما أراد رسولنا الحبيب عليه الصلاة والسلام أن يغرسه في نفس كل قائد ومسؤول. فعمرو بن العاص أسلم وكان رأساً في قومه، وكان إذا لقي النبي «عليه الصلاة والسلام» في الطريق رأى البشاشة والبِشر والمؤانسة، وإذا دخل مجلساً فيه النبي «عليه الصلاة والسلام» رأى الاحتفاء والسعادة بمقدمه، وإذا دعاه «عليه الصلاة والسلام» دعاه بأحب الأسماء إليه، ومع هذا التعامل الراقي والمداومة على الاهتمام والتبسم شعر عمرو أنه أحب الناس إلى رسول الله «عليه الصلاة والسلام»، فأراد أن يقطع الشك باليقين فأقبل يوماً إلى رسول الله وجلس إليه ثم قال: يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟ فقال: عائشة، قال عمرو: ومن الرجال؟ فقال «أبوها»، قال عمرو: ثم من؟ قال: ثم «عمر بن الخطاب» قال: ثم أي؟ فجعل النبي «عليه الصلاة والسلام» يعدد الرجال يقول: فلان وفلان بحسب سبقهم إلى الإسلام وتضحيتهم من أجله. قال عمرو : فسكتُ مخافة أن يجعلني في آخرهم.. إنها روعة «الاهتمام» ألقت بذلك الأثر العجيب على علاقته بعمرو. فإن عاملت الموظف بهذه الطريقة النبوية الرائعة فستلقى تجاوباً أفضل، وإن عاملتهم كآلات خالية من المشاعر والطموحات فإنهم سيستجيبون لك وسينفذون توجيهاتك، لكن كتنفيذ الآلات، بعيداً عن الإبداع والتفنن، وستلاحظ أنهم يترجمون شعورهم بعدم الاهتمام إلى مشكلات لا تنتهي ومعنويات محبطة. الهمسة الثانية: لا تكلفهم فوق ما يطيقون. إن وجود فجوة بين ما تريده وتطمح إلى تحقيقه وبين أداء فريقك قد يكون سببه في توقعاتك الكبيرة منهم، فتنشأ مشكلة عندما يتوقع المدير من موظفيه العمل لساعات أطول؛ لأنه يفعل ذلك، أو أخذ أعمالهم ومهامهم إلى المنزل؛ لأنه يفعل ذلك. عليك أن تدرك أن المخلصين المضحين هم الاستثناء لا القاعدة، فلا تتوقع عزيزي المدير من الموظفين أن يكرسوا أنفسهم للعمل فقط، فلكل موظف عائلة ومسؤوليات ومهام شخصية أخرى، فلابد أن تخفض من سقف توقعاتك، ولا تكلف الموظف من العمل ما يشق عليه حتى وإن كنت تطيق ذلك، وإن تجاهلت هذه القاعدة فسيعم الاستياء الخفي، واحتمالية فساد النظام الإداري تكون كبيرة، فإذا كان هناك ضرورة ملحة أو عمل موسمي غير قابل للتأجيل ولا مفر من وقوع الفريق تحت ضغط كبير فأنصحك بالتالي: تهيئة الفريق قبل تكليفهم بهذا العمل، مع الحرص على أن لا تطول فترة الضغط. إذا كانت لديك الفرصة بأن تكون متواجداً بينهم بين الحين والآخر, ملطفاً لبيئة العمل ومحفزاً ومشجعاً فلا تتردد بالحضور معهم، وسأضمن لك تقبل الفريق لهذا الضغط ونتائج متميزة. من المعروف أن الموظف ينتظر مردوداً مادياً ومعنوياً بعد تنفيذه لعمله الإضافي, لذا لا تبخل عليه بصرف المكافآت المادية والتحفيز المعنوي، وحاول قدر الإمكان أن تسبق مبادرتك سؤاله وتكفيه حرج طلب المكافأة.