عالم التوحّد لغز لا تسطّره الكلمات، ولا يعرف مفهومه أو معناه طبيب أو مختص، هو ليس عملية حسابية ولا معادلة كيميائية ولا حتى علم يمكن اكتشافه بسهولة، إنه عالم خاص جداً ودقيق وغريب، إن مفهوم التوحّد لا يعيه إلا بيت فيه طفل توحّدي، إن التوحّد هو فاجعة يتقبّلها المرء بالصدمة.. فالرفض فالقبول. ماهو التوحّد؟ التَّوَحُّد هو اضطراب يُلاحظ على الطفل عادةً منذ الطفولة الباكرة. أما أعراضه وعلاماته الرئيسة فهي ضعف التواصل والتفاعل الاجتماعي والتصرفات المكررة. إن الأطفال المصابين بالتوحّد يعانون مشاكلَ في الحديث مع الآخرين، أو يتجنبون النظر في أعينهم عند التحدث معهم، ويمكن أن يخُطّوا بأقلامهم قبل أن يتمكّنوا، وهناك من الأطفال المتوحدين من لا يستطيعون تعلم الكلام، الانتباه إلى ما يكتبون، أو يمكن أن يردّدوا الجملة نفسها مرات ومرات لتهدئة أنفسهم، وقد يلوّحون بأيديهم لإظهار سعادتهم. كما يمكن أن يُلحقوا الأذى بأنفسهم حتى يوحوا للآخرين، وتقول الدكتورة اسمهان العلفي حول هذا الموضوع: ثمة أنواع مختلفة من التوحد أو الذاتوية، وتختلف أعراض التَّوَحُّد أو الذاتوية من طفل إلى آخر، ولهذا السبب يُقال بوجود اضطرابات طيف التوحد.. إن التَّوَحُّد أو الذاتوية يصيب الأطفال من كل الأعراق والقوميات. لا يوجد حالياً علاج يُشفي من التَّوَحُّد أو الذاتوية فالطفل المريض يعيش بقية حياته مع التَّوَحُّد أو الذاتوية، ولكن التحري عن التَّوَحُّد أو الذاتوية في وقت مبكر يسمح بالاستفادة من كثير من الخيارات العلاجية التي يمكن أن تساعد الشخص على التعايش مع التوحد. إن بعض مصابين بالتَّوَحُّد أو الذاتوية البالغين يستطيعون العمل وإعالة أنفسهم. لكن البعض الآخر يكون في حاجة إلى الكثير من المساعدة، ولاسيما أولئك الذين تضررت لديهم العمليات الذهنية أو الذكاء أو الذين لا قدرة لهم على الكلام أو التواصل. أسباب التوحّد!! ويستطرد معنا الدكتور صقر العمري حول هذا الموضوع قائلاً: هذا باب واسع خاض فيه الكثير من الأطباء والتربويين وغيرهم، ولا زلنا نسمع ونقرأ عن تقدم بحوث في هذا الأمر وحتى الوقت الراهن لم يستطع الباحثون تحديد سبب واحد أو أسباب متفق عليها على أنها السبب وراء هذه الإعاقة على الرغم أن هناك شبه وإنما توصل كثير من الباحثين الى قناعة أن هذا حدوث التوحّد يرجع إلى أسباب بيولوجية (جينية أو عصبية أو اضطرابات عضوية أو أيضية)ومن المعروف الآن أن التوحد ليس مرضاً عقلياً كما كان يُعتقد في السابق ولا يحدث نتيجة سوء معاملة الأسرة لطفلها (خاصة الأم) واضطراب العلاقة العاطفية فيما بينهم ولا يحدث نتيجة أسباب بيئية خارجية. وأن حالة التوحّد تتداخل مع التطور والنمو الطبيعي للدماغ بالإضافة إلى التفاعل الاجتماعي ومهارات التواصل. كما تعددت أسباب اضطراب التوحّد بسبب الغموض الذي يحيط به حتى تاريخ اليوم لا يزال السبب الحقيقي الواقعي لحدوث التوحّد غير معروف علماً أن هناك إجماعاً من الباحثين على وجود أنواع عديدة من اضطراب التوحد نفسه لم يتم تحديدها حتى الآن، وبسبب ظهور كثير من المشاكل الاجتماعية واللغوية والسلوكية وصعوبات التعلم على الأشخاص التو حديين مما يدل على وجود خلل بيولوجي، لأن العوامل البيولوجية مثل الجينات ووظائف الدماغ تتحكّم بتعلم الإنسان وسلوكه وفي الواقع لم يثبت حتى يومنا هذا وجود سبب واحد للتوحد ينطبق على جميع الحالات. خصائص الطفل التوحّدي: الدكتورة نوارس المقطري حول هذا الموضوع تستطرد قائلة: فعلى الرغم من أن التوحد يُعرف من خلال خصائص ومميزات محددة ومعروفة إلا أن الأطفال والكبار قد يظهرون أي خليط من أشكال السلوك وبأي درجة من الشدة، وهذا يعني أن طفلين مصابين بالتوحد قد يتصرّفان بشكل مختلف تماماً عن بعضهم البعض. هذا ويمكن الحكم على طفل ما بأنه يعاني من اضطراب التوحد خلال الأسابيع الأولى من حياته فتشعر الأم وهي تحمل طفلها بأنه لا يشعر بها وغير منتبه لها، لا تشعر الأم بأي نوع من التواصل أو الرابطة الطبيعية بين الأم وطفلها فهو ينظر إلى أي مكان آخر ولا ينظر مباشرة في عيني أمه وخلال السنة الأولى من عمر الطفل قد تظهر لديه صعوبة في التغذية وقد يصبح مهتماً بنوع واحد من الطعام أو نوع واحد من الألعاب، وقد يقضي ساعات طويلة ينظر بها إلى أصابع يديه أو تحريك جسمه ورأسه بشكل مستمر إلى الأمام والخلف، ويبدو العديد من هؤلاء الأطفال جذّابين من الناحية الجسمية بشكل عام وهم كاملو النمو والصحة، ويتعلمون الجلوس والوقوف والمشي بنفس سرعة الأطفال الآخرين وفي الوقت الطبيعي وبسبب قلة أو انعدام اللغة لديه قد يعتقد أولياء الأمور أن الطفل أصم، فقد لا ينتبه إلى الأصوات العالية الفجائية ولكنه قد ينتبه إلى الأصوات الاعتيادية المتواصلة مثل صوت المكنسة الكهربائية، الغسالة، الخلاط الكهربائي ....إلخ. التوحّد التقليدي وأبرز أعراضه: الدكتور عبد الملك الكميم يقول: إن ضعف أو انعدام العلاقات الاجتماعية مع الآخرين تبرز من خلال الصفات التالية للطفل حيث يكون جامد المشاعر لا يهتم كثيراً بمن حوله، و لا ينظر للعين عندما تتحدث إليه، ولا يفرح لرؤية أمه أو أبيه مثل بقية الأطفال، ولا يحاول الالتصاق بهم أو التقرب إليهم، فهو مثلاً لا يرفع يديه لكي تحمله أمه ولا يتفاعل إذا رآها تبكي، و لا يهتم بمشاركة أحد من إخوانه أو والديه، و لا يلعب أو يختلط مع الأطفال الذين في عمره الزمني بل يقضي معظم وقته يلعب لوحده، وعادة ما يوصف الطفل وكأنه في عالم آخر و لا يستطيع أن يعبّر بوجهه عن الدهشة أو الحزن في موقف يتطلب ذلك، و ليس له المقدرة على فهم المعاني غير المرئية في الأشخاص الآخرين، فهو لا يعرف بالنظر في وجه أمه مثلاً هل هي سعيدة أم حزينة؟، وهو ما يُسمى بالعمى الاجتماعي. تشخيص التوحّد: الباحثة الإجتماعية يسرى الواقدي تقول: إن العملية أكثر صعوبة وتعقيداً، وتتطلب تعاون فريق من الأطباء والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين وأخصائيي التخاطب والتحاليل الطبية وغيرهم وترجع تلك الصعوبات إلى أن التوحّد إعاقة سلوكية تحدث في مرحلة النمو فتصيب الغالبية العظمى من محاور، يعتبر تشخيص إعاقة التوحد وغيرها من اضطرابات النمو الشاملة من أكثر النمو اللغوي والمعرفي والاجتماعي والانفعالي والعاطفي وبالتالي تعيق عمليات التواصل والتخاطب والتعلم أو باختصار تصيب عمليات تكوين الشخصية في الصميم، وما حاجة المصابين بالتوحّد لخدمات التشخيص الدكتور عبدالله الأهدل يقول: من أهم تلك الخدمات التي يحتاجها الأطفال خدمات التشخيص والقياس والتي تعتبر بمثابة الخطوة الأولى ضمن سلسلة الإجراءات المترابطة الهادفة وهي توفير معلومات دقيقة وواقعية عن مستوى الأداء في مجالات مختلفة، والتعرف على طبيعة الاضطراب وجوانب القوة والضعف لدى هؤلاء الأطفال وتوفير الأرضية الصلبة لبناء برامج خدمات شاملة تلبّي الاحتياجات الخاصة لأطفال التوحد كما تعمل على تطوير وتنمية القدرات والإمكانات الوظيفية لديهم. والتشخيص هو تلك الإجراءات التي تساعد في إصدار حكم على سلوك ما تبعاً لمحكات معينة ومحددة مع تبيان جوانب القوة والضعف في ذلك السلوك، أما القياس فهو شرح وتفسير السلوك أو الظاهرة التي تم قياسها بأسلوب كمي أو رقمي. إن التشخيص العلمي الدقيق لحالات التوحد يعتبر من المتطلبات الأساسية الضرورية لتقديم الخدمات الخاصة للأطفال وتواجه عملية التشخيص في الوقت الراهن صعوبة بالغة نتيجة عدم توفر الكوادر البشرية المدرّبة في هذا المجال والتي لديها المعرفة الكافية بالأساليب التشخيصية.